اليوم.. تشريعية الشيوخ تستكمل مناقشة تطبيق القانون المدني على عقود الإيجار    أسعار الأعلاف في بورصة الدواجن اليوم الأحد 12-5-2024    مؤسسة التمويل الدولية توقع اتفاقية مع بنك القاهرة بقيمة 100 مليون دولار    موعد صرف معاشات شهر يونيو 2024 بالزيادة المقررة 15%    مواعيد تسليم وحدات سكن مصر في مدينة القاهرة الجديدة    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    مروحيات الاحتلال تشن غارات مكثفة على مناطق واسعة شمال قطاع غزة    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    أمين الأمم المتحدة يجدد دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية    مسئول ليبي يكشف تفاصيل انضمام بلاده إلى دعوى جنوب إفريقيا لدى العدل الدولية    معلومات عن «حكم الراية» في مباراة الأهلي والبلدية.. تنفس الصعداء بسبب كهربا    مدحت عبد الهادي ينصح مدرب الزمالك بهذا التشكيل أمام نهضة بركان    حارس باريس سان جيرمان يعلن الرحيل رسميًا    وزير التعليم يشارك في مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة عن المدارس التكنولوجية    جدول مواعيد القطار الأسرع في مصر والقطارات المكيفة على خط «القاهرة - أسوان»    وفاة الشاب "يوسف" أصغر مربي نعام في مصر بحادث بطريق شبرا – بنها الحر    مصرع سيدة وابنتها في حادث انقلاب موتوسيكل بترعة في أطفيح    الرئيس السيسي: مصر لديها خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 12 مايو 2024: مشاكل ل«الثور» ومكاسب مالية ل«الحوت»    فيلم السرب يواصل تصدر شباك التذاكر.. إيراداته تتجاوز 23 مليون جنيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 12-5-2024    «الصحة»: نعمل على تحديث طرق اكتشاف الربو الأكثر انتشارا بين الأطفال    «صحة مطروح» تنظم قافلة طبية مجانية في زاوية العوامة بالضبعة    توقيع بروتوكول تعاون بين محافظة القليوبية وجامعة بنها    «أراد الله أن تظل حصة مصر في حمايته».. عباس شراقي يزف بشرى سارة عن سد النهضة (فيديو)    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 12 مايو 2024.. عز ب 42 ألف جنيه    اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    بطريرك الأقباط الكاثوليك يلتقي كهنة الإيبارشية البطريركية    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 12 مايو    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    كلمة الرئيس السيسي خلال افتتاح أعمال تطوير مسجد السيدة زينب (فيديو)    ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة مانشستر يونايتد وآرسنال اليوم    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    موعد عيد الأضحى المبارك 1445ه: تفاصيل الإجازة وموعد وقفة عرفات 2024    تحسين مظهر تطبيق واتسآب للأجهزة المحمولة    انطلاق فعاليات الملتقى التوظيفي الأول بجامعة طيبة التكنولوجية.. اليوم    عاجل.. حدث ليلا.. قمع واعتقالات بمظاهرات تل أبيب وغضب في لبنان بسبب عصابة التيكتوكرز    أسعار السمك اليوم الأحد 12-5-2024 في الأسواق المحلية.. كم سعر السمك البلطي اليوم    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12- 5- 2024 في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية قد تبدأ خلال ساعات بشرط وحيد    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    «آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    تفاصيل أكبر عاصفة جيومغناطيسية تضرب الأرض منذ 20 عامًا    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام يعانى حالة «إنكار» تؤخر خروج الاقتصاد من أزمته
سمير رضوان ومحمود عبد الفضيل وزياد بهاء الدين فى ندوة «الشروق»:
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 02 - 2013

مر عامان على نجاح ثورة يناير فى خلع مبارك من الحكم الذى ظل مسيطرا عليه ثلاثين عاما، واتسعت أحلام المواطنين فى أن يكون الباب قد انفتح ليصبحوا الملاك الحقيقيين لمواردهم التى طال استغلالها لغير صالحهم، إلا أن الفوضى التى وعد الرئيس السابق أن تكون البديل الوحيد له سيطرت على المشهد السياسى وعلى القرار الاقتصادى، فى ظل حالة التردد فى اتخاذ أى اجراءات للتقليل من آثار الأزمة الاقتصادية التى تؤثر بشكل مباشر على مستويات معيشة المواطنين، وغياب أى رؤية واضحة لدى الحكام الجدد تشير إلى الطريق للخروج من الوضع الراهن. وفى محاولة لمواجهة الخوف من المستقبل الذى يعانيه قطاع كبير من المصريين، يتردد على أسماعهم كلام عن الافلاس الاقتصادى، وثورة الجياع، عقدت «الشروق» ندوة مع ثلاثة من أهم الخبراء الاقتصاديين فى مصر، والذين يجمع كل منهم بين الرؤية العلمية وبين الخبرة السابقة فى تولى مناصب رسمية مؤثرة فى الشأن الاقتصادى، ليقدموا تحليلا موضوعيا حول الوضع الراهن للاقتصاد المصرى، ورؤية للخطوات اللازمة للخروج من الأزمة التى يعانيها.

والخبراء هم د. سمير رضوان، وزير المالية الأسبق والخبير فى منظمة العمل الدولية , د. محمود عبدالفضيل، العضو السابق فى مجلس إدارة البنك المركزى، وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة د. زياد بهاء الدين، الرئيس السابق لكل من هيئة الرقابة المالية غير المصرفية وهيئة الاستثمار.

«مصر على وشك الانهيار الاقتصادى.. الدولة ستفلس.. هناك أزمة سيولة».. عبارات ترددت بقوة فى الفترة الأخيرة وسببت فزعا للمواطنين، دفع بعضهم إلى الإسراع بسحب ودائعه تحسبا لحدوث كارثة اقتصادية.. فهل هذا التوصيف دقيقا؟ وأين يقف الاقتصاد المصرى الآن؟

بعد عامين من الثورة.. يشعر المواطنون أننا محلك سر.. السياسات الاقتصادية وأولويات الإنفاق فى الموازنة العامة للدولة كما هى مثل أيام مبارك.. والتبرير الذى تسرع إليه الحكومات لتحتمى به هو «عدم تفاقم عجز الموازنة».. ما هى روشتة الاجراءات العاجلة التى يمكن للحكومة اتخاذها فورا؟

دخلت لمصر منذ الثورة تدفقات خارجية بين قروض ومنح وودائع سيادية وزيادة فى تحويلات الأجانب تزيد على 12 مليار دولار، ومع ذلك يستمر الوضع حرجا. فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق، وهل نحتاج فقط لإصلاحات مالية أم لسياسة اقتصادية ترتكز على الإنتاج وخلق وظائف؟

لا يبدو أن هناك حتى الآن رؤية اقتصادية واضحة لدى الحكومة.. فهناك حالة من التذبذب والتشويش فى اتخاذ القرارات.. ولا توجد ثقة من جانب المواطنين بأن أى إجراء سيكون فى مصلحتهم.. فكيف يمكن خلق توافق على برنامج إصلاح اقتصادى؟ وما المطلوب من السياسيين؟

• سمير رضوان:

«الكلام عن الإفلاس كان مجرد تشويش».. الوضع فى الحقيقة هو انه فى بداية 2011 كانت كل المؤشرات تشير إلى سلامة الاقتصاد المصرى، وفى المقابل كان هناك اقتصاديون يرون تلك المؤشرات غير كافية لأن ثمار النمو المتحقق لا تصل إلى ال 40% الأقل دخلا فى المجتمع، وهذه كانت بمثابة قنبلة موقوتة. ولذلك قامت الثورة فى ترجمة مباشرة لهذا الكلام تطالب ب«عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».

اليوم مرت سنتان على الثورة، فماذا حدث؟ هناك حالة عدم استقرار سياسى انعكست مباشرة على صنع السياسات الاقتصادية، حيث تصدى لصنع تلك السياسات ناس غير مؤهلة لتلك المهمة.. والمحصلة الآن أنه لا يوجد عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية. وبالمقارنة بين التقييم الذى قدمه صندوق النقد وقت قيام الثورة، وذلك الذى قدمته بعثة الصندوق فى زيارتها لمصر فى نهاية نوفمبر الماضى، فقد تراجع معدل النمو الاقتصادى ليصبح مساويا تقريبا لمعدل نمو السكان، وهو ما يعنى أن دخل الفرد لا يزيد، واحتياطى النقد الأجنبى انخفض من 36 إلى 13.6 مليار دولار، منها 3 مليارات على الأقل لا يمكننا المساس بها لأنها ودائع من دول عربية ومن تركيا، ونحو 4 مليارات أخرى لا يمكننا التصرف فيها، والمتمثلة فى سبائك الذهب.

وكل هذا ليس عيبا، فسنتان من عمر أى ثورة أو دولة تمر بمراحل تحول مثل شرق أوروبا أو الاتحاد السوفييتى السابق، ليست مدة طويلة، وتدهور الأحوال خلالها أمر طبيعى، ولكن السؤال هو كيف يمكن اختصار مدة التدهور، فكل الدول التى مرت بتحول ناجح استطاعت تقليص تلك الفترة، لكن الفارق الأساسى بيننا وبينهم أنهم كانت لديهم رؤى لكيفية التحول، بينما هنا يوجد غياب كامل للرؤية».

• زياد بهاء الدين:

«الجدل الدائر حول ما إذا كنا سنفلس أم لا مثل الجدل حول توصيف حالة مريض هل هو حى أم ميت، هو فى الحقيقة حى لكن المشكلة أنه كلما تأخر علاجه ساءت حالته، وتضاعفت تكلفة العلاج، فنحن فى وضع كلما تأخرنا فى اتخاذ الخطوات المطلوبة كلما ارتفعت الفاتورة التى يجب أن ندفعها، وبالتالى تكلفة المستقبل تتزايد أمام أعيننا بشكل شبه يومى. والمثال الواضح على ذلك أننا نسعى الآن للاقتراض من صندوق النقد بشروط أصعب مقارنة بتلك التى تم الاتفاق عليها فى المرة الأولى التى تمت مناقشة هذا القرض فيها فى أعقاب الثورة، وقت أن كان سمير رضوان وزيرا للمالية. المشكلة الثانية أن هناك حالة من إنكار الحقيقة مقلقة جدا، فكثير من البلاد مرت بأزمات وخرجت منها، بينما نحن ما زلنا مختلفين حول ما إذا كنا فى أزمة أم لا، وهذا كلام غير معقول، هذا الإنكار يعطل الرغبة فى التقدم وبالتالى يزيد من فاتورة الإصلاح. ثم إننا فعلا فى حالة انعدام تام للرؤية الاقتصادية، وحتى الآن لا أعرف ما هو تصور الحكومة الحالية للخروج من الأزمة، وهذا جزء من معاناة الناس، فالخوف من المستقبل أصبح عنصرا أساسيا فى المناخ الاقتصادى العام لأن الأمور غير محسومة وهناك غموض حول إلى أين نحن ذاهبون، ورغم أن هناك خططا سنوية وعشرية طرحتها الحكومة لكنها لا تعكس رؤية وإنما مجرد إدارة للأرقام. وفى إطار هذا الغموض فإن مركز صنع القرار فى الدولة ليس واضحا كذلك، هل هو فى الرئاسة أم فى الحزب أم الجماعة، مسألة التعديلات الضريبية التى تم الاعلان عنها ثم تجميدها خلال 24 ساعة تعتبر أحد المشاهد الدالة فى هذا السياق. ثم إن هناك حالة غير عادية من عدم الجدية، فإصدار قانون فى الجريدة الرسمية ثم الغاؤه بتصريح شفوى من المتحدث باسم الرئاسة سابقة لم تحدث فى التاريخ».

• محمود عبدالفضيل:

الاضطراب أساسا فى الوضع السياسى وليس الاقتصادى، فلو تم حل المشكلات السياسية والأمنية، سينعكس هذا تلقائيا على الاقتصاد.. ومسألة التعديلات الضريبية تعتبر مثالا كاشفا لكم التخبط الموجود فى صنع السياسة، حيث كانت حزمة التعديلات الضريبية جزءا من الاتفاق مع صندوق النقد باعتبارها بادرة إثبات حسن النية من جانب الحكومة المصرية تجاه الإصلاح الاقتصادى، يبدأ بعدها صرف القرض. لكن من الواضح أن جماعة الإخوان وحزب الحرية العدالة رأيا أن تلك التعديلات ستكون مضرة فى الانتخابات البرلمانية فطلبا التراجع عنها. أما عن المخاطر التى تواجهها العملة المصرية فى ظل الأزمة الراهنة والاتهامات التى توجه للبنك المركزى حول استخدامه للاحتياطى لحماية الجنيه، فإن هذه الاتهامات غير صحيحة، وما تم ضخه لهذا الغرض كان مبالغ محدودة، لأن «تركيبة الاحتياطى نفسها لا تسمح بأن يكون ذلك قد حدث. فال 36 مليار دولار التى كانت موجودة قبل قيام الثورة لم تكن بجهودنا الذاتية التى لا تسمح بتكوين هذا القدر من الاحتياطى، والذى يقتضى وجود فائض كبير فى ميزان العمليات الجارية، وإنما كان جزءا مهما منها من مشتريات أذون الخزانة والاستثمارات فى البورصة، لذلك كما دخلت، خرجت، وهذا هو السبب الأساسى فى تراجع الاحتياطى. المركزى كان يستخدم أدواته للموازنة بين الصادرات والواردات، لأننا بلد يعتمد على الواردات بشكل مكثف، وأى تخفيض لقيمة الجنيه يؤثر على معيشة الناس وعلى معدلات ارتفاع الأسعار، لأننا نستورد قمحا وبوتاجاز ومازوت، بالإضافة لمستلزمات الإنتاج، فنصف الصادرات المصرية تقريبا واردات. الإصرار على أن الجنيه مقوم بأكثر من قيمته ويجب تخفيضه، مقولة يروج لها رجال الأعمال الذين لديهم مصالح فى التصدير، بالإضافة لبعض الجهات الغربية المعتمدة على نظريات لا تراعى الواقع دائما، ولو كان عندنا هيكل واردات مختلف وبناء تصديرى قوى كان من الممكن أن نتجه لخفض الجنيه».

• سمير رضوان:

المشكلة أنه لا يوجد حتى الآن أى نموذج للتنمية تم تبنيه يراعى الاحتياجات المختلفة لمصر، ويضع أمامه هدفا يوجه التنمية باتجاهه، فمثلا عدد السكان المتوقع فى عام 2020 سيدور حول ال 100 مليون نسمة، منهم 33 مليون قوة عمل، وبالتالى يكون السؤال الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا «ما هو البنيان الاقتصادى المناسب لتشغيل كامل لقوة العمل بحلول هذا الوقت؟» ثم نوجه خطتنا لهذا الهدف، ونضع اجراءات قصيرة الأجل تخدم هذا الهدف طويل الأجل نسبيا. ويجب أن تكون الناس مشاركة ومقتنعة بالأهداف والاجراءات لأنها ستتحمل تضحيات.

كل ما قمنا به فى الفترة الماضية كان التجارة فى الهواء (المحمول)، وفى الأراضى، بينما فوتنا فرصتين للتصنيع على مستوى ضخم، الأولى كانت التصنيع كثيف العمل من أجل التصدير، وهى الطريقة التى نمت بها ماليزيا وكوريا وتايوان. ثم مرحلة التصنيع المعتمد على التكنولوجيا المتقدمة ودخلت فيها الصين وشرق آسيا لتصبح مصنع العالم الآن، وفاتتنا أيضا. فالدول التى نهضت نهضة قوية تبنت حلولا واسعة النطاق، وبالتالى لا يمكن فى هذا السياق أن نتحدث عن مشروعات هامشية، مثل المراكز التجارية والمولات، فهذه أمور جيدة لكنها لن تصنع نهضة.

• محمود عبدالفضيل:

«الاقتصاد المالى هو مرآة للاقتصاد الحقيقى.. ولو كان الاقتصاد الحقيقى متأزما سينعكس هذا فى عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات، لذلك فإن أى شخص يرسم سياسة اقتصادية الآن يهتم بالأجل القصير، لكن لو لم تكن لديه رؤية أوسع للتنمية والمستقبل، ستكون كل الاجراءات مؤقتة ولن يكون لها نتيجة. لذلك يجب الاهتمام بالاقتصاد المالى من خلال ضبط عجز الموازنة وتحسين ميزان المدفوعات فى إطار رؤية تنموية أوسع تعتمد على علاج الاختلالات فى الاقتصاد الحقيقى، لأن علاج ميزان المدفوعات بشكل حقيقى يتطلب تنمية فعلية فى الزراعة التى أصبحت عبئا بعد أن كانت مصدرا للدخل، وفى الصناعة والتى لم تعد قاعدة لأى عملية تنمية بعد أن مرت خلال حقبة مبارك بعملية تفكيك التصنيع (Deindustrialization).

فى الأجل المتوسط يأتى دور الاقتصاد الحقيقى، ويكون من الواجب أن نوسع القاعدة الضريبية لنوفر الموارد اللازمة لتنميته، خاصة أن هامش المناورة المتاح فى مجال تقليص النفقات محدود. نستطيع فرض ضرائب تصاعدية، ضرائب على الثروة، ضرائب رأسمالية، ولكن كل هذا يتطلب قوة سياسية، فإذا تم تعديل الميزان السياسى فى البرلمان المقبل، يمكن إصدار تشريعات مماثلة، بينما لا تسمح التركيبة الراهنة للسلطة بهذا النوع من السياسات التى تتبعها كثير من الدول المتقدمة، لضمان التنمية الحقيقية وتحقيق العدالة الاجتماعية فى نفس الوقت. ومن المهم أن نلاحظ أن تجربة آسيا اعتمدت على نظام السوق المحكومة بقيود، حتى فى سنغافورة وتايوان اللتين تعتبران متحررتين اقتصاديا تماما، توجد مراكز حكومية مختصة بدراسة الاوضاع وتوجيه المستثمرين، فمثلا فى كوريا الجنوبية عند لحظة معينة قرروا التوقف عن صناعة سيارات والتحول لمجال آخر، لأن السوق العالمية أصبحت متخمة. هذا دور مهم للدولة، ويساعد رجال الأعمال أنفسهم.

• زياد بهاء الدين:

«تحقيق التوازن فى الاقتصاد المالى مهم حتى يتحسن المناخ الذى يمكن فى إطاره إحداث تغيير فى الاقتصاد الحقيقى. وفى نفس الوقت فإن إحداث التوازن المالى لا يصلح أن يكون هدفا فى ذاته يتحقق ونتوقف بعده، وإنما يجب دائما أن يكون تمهيدا للوصول لنمو متوازن فى الاقتصاد الحقيقى. والحوار الاقتصادى كله يجب أن يوجه لتقديم بدائل وليس طرح حلول أحادية، فلا يمكن أن نقول للناس طوال الوقت إما أن نفعل كذا أو نفلس أو ننهار، فمسألة البدائل أساسية حتى يكون الناس على معرفة بما يتم الاختيار على أساسه، وهذا هو الفارق الأزلى بين الاستفتاء والانتخابات.

ولكى يتم إحداث نقلة نوعية فى الاقتصاد الحقيقى، فإن معظم دول العالم كانت تبدأ بالشىء الأقل تكلفة من الناحية الاجتماعية والأسرع فى تحقيق النتائج فى نفس الوقت. فمسألة تسهيل الإجراءات وتطوير المطارات وتسريع استخراج التراخيص التى كانت سائدة فى الفترة الماضية باعتبارها طوقا للإصلاح كلها مسائل مطلوبة، لكن الأهم هو البنية التحتية والتى تكمن فى التشريعات مثل تعديل قانون الافلاس، تعديل قانون التسجيل العينى للعقارات، وتغيير طريقة العمل فى بعض المؤسسات، كالضرائب، لتكون لدينا الأدوات التى يمكن استخدامها عندما نقرر زيادة أو تقليص الضرائب.

• زياد بهاء الدين:

تحقيق التوافق هو أهم أسس إدارة الأزمة، أى إنى كصانع قرار يجب أن أكون ملزما بالحوار والمناقشة مع القوى السياسية والاجتماعية بشكل دورى، والقوى الاجتماعية هنا مهمة جدا لأن هناك أحزابا «عدد أعضائها وجمهورها لا يصل إلى عُشر أعضاء نقابة واحدة» بينما يجب أن تشارك الجمعيات والنقابات فى هذا الحوار لأنها تعبر عن قوى ومصالح اجتماعية، قد لا تعكسها الأحزاب القائمة.

ومن المهم أن ندرك أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ايا كانت مشاكلها السياسية، تقدم فرصة لأن تخوضها الأحزاب على اساس برامج اقتصادية واجتماعية وليست سياسية، فالأحزاب تلام انها لم تدخل تلك الساحة حتى الآن، ولو عقدت الانتخابات فى موعدها وبشكل سليم ستكون هذه القضية هى الساحة الرئيسية. ومن المهم جدا أن تقدم القوى السياسية بدائل واضحة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التى تطرحها، فلم يعد ممكنا أن تقول للناس «برنامجى هو تحقيقى العدالة الاجتماعية»، فلن يصدقك أحد، وهذا فى حد ذاته أمر إيجابى.

• سمير رضوان:

قوى المعارضة السياسية لديها الآن بالفعل فرصة ذهبية، فالمسألة الاقتصادية أصبحت الشغل الشاغل للمصريين كما لم تكن من قبل. الحكومة والحزب الحاكم أثبتا حتى الآن فشلهما فى إدارة الملف الاقتصادى، مقابل النجاح فى السيطرة السياسية، وبالتالى مطلوب من المعارضة نقل الكرة من ملعب السياسة والحديث باسم الدين، إلى التركيز على القضية التى تشغل بال كل البيوت المصرية، وهى «لقمة العيش». فهل يمكن تكوين لجنة اقتصادية، تصيغ رؤية وبدائل للخروج من الأزمة، وبلغة تصل إلى الناس؟.

عدم الاتفاق على أولوية تحقيق التوافق بين القوى المختلفة حول السياسة الاقتصادية، يجعل اتخاذ أى خطوة جدية أمر غير ممكن، مع مراعاة إن أى تأجيل للحل ستكون تكلفته عالية جدا، ليس فقط اقتصاديا ولكن اجتماعيا أيضا، فالبعض يتحدث عن ثورة جياع قادمة، ولكنى اعتبرها نوعا من «إعادة توزيع الدخل بالقوة»، «فإذا كنت أنت كحاكم لا تريد أن تعيد توزيع الدخل بشكل عادل إذن سأعيد توزيعه بالقوة». وبالتالى ستكون التكلفة باهظة. المشكلة أنه لا يوجد حتى الآن أى نموذج للتنمية تم تبنيه حتى يراعى الاحتياجات المختلفة لمصر.. أى صانع سياسة فى مصر الآن يمكنه الرجوع إلى أمثلة فى التاريخ القريب، مثل أزمة جنوب شرق آسيا التى وصلت ببعض دولها إلى نقطة الإفلاس، كما فى كوريا التى وصل الاحتياطى لديها إلى صفر، ثم صعدت مجددا فى وقت قياسى.

• محمود عبدالفضيل:

أظن أنه لن تحدث أى خطوات جدية قبل انتخابات مجلس الشعب، لأن وجود حكومة قوية وهو الذى يكفل معالجة التناقضات القائمة فى المصالح، على تكون تلك الحكومة بقدر الإمكان ائتلافية لأن هذا يوفر لها دعما شعبيا أكبر، لكن الوضع الحالى فيه تردد، «نعمل خطوة لقدام ونرجع».

مشكلة الحكم الحالى إنه مستمر فى اتباع سياسة مبارك الاقتصادية المبنية على ما يعرف بتوافق واشنطن، والتى تقوم على الاقتصاد الحر، والخصخصة، والاندماج فى الاقتصاد العالمى، ونوع رأسمالية الإخوان المسلمين تتماشى مع مع هذا لأنها كلها رأسمالية تجارية، كما يتضح من نوعية المشروعات التى يملكها أعضاؤها. لذلك يجب تقديم رؤية بديلة ليس من أجل أن يقوم الحكم الحالى بتطبيقها، ولكن من أجل الوقت الذى سيتغير فيه ميزان القوى، من خلال الانتخابات. لذلك يجب أن تبدأ المعارضة فى طرح برنامج عملى ومقبول من الجماهير.

موضوع الاقتراض من صندوق النقد على سبيل المثال أثار كثيرا من الجدل، لكن الجدل يتناول المسألة وكأنها خير أو شر، لكن الحقيقة أنها مسألة إرادة سياسية من ناحية وقدرات فنية فى التفاوض تعكس المصلحة الوطنية من ناحية أخرى. فى الهند مثلا عندما يذهب فريق للتفاوض مع الصندوق يواجهه بكادر وطنى على أعلى مستوى، وبالتالى لو الصندوق عنده عشرون شرطا يستطيع هذا المفاوض المحترف أن يقلصهم إلى اثنين أو ثلاثة، لأن لديه حججا مضادة تظهر له بوضوح خطورة النتائج المترتبة على شروطه، ولديه كذلك برامج ونماذج اقتصادية بديلة.

• محمود عبدالفضيل:

لو كنا سنبدأ الآن فعلينا أن نبدأ على ثلاثة محاور، أولها حل مشكلة الاكتفاء الذاتى من الغذاء، من خلال توجيه استثمارات للزراعة التى تعانى من عجز فى الإنتاج، ثم تعميق التصنيع، ثم استراتيجيات خاصة بالتكنولوجيا المتقدمة والبرمجيات والتى نملك فيها ميزة نسبية، هذه هى نقطة الانطلاق. ويجب أن نركز على قطاع البحث والتطوير الذى جعل شرق آسيا اليوم متقدمة جدا فى تسجيل براءات الاختراع، «بجهودهم الذاتية»، وليس كما فى حالة إسرائيل مثلا التى استوردت علماء جاهزين من بلاد العالم، وإنما من خلال تعليم متطور واستثمار كبير فى البحوث والتطوير.

من جهة أخرى يجب الموازنة ما بين احتياجات الأجل القصير وبين وجود رؤية أبعد تحل المشكلات، كما فى مشكلة البطالة مثلا، هناك حلول سريعة ومؤقتة للمشكلة مثل عمل صندوق لتقديم إعانة بطالة أو يوفر فرص عمل محدودة، يتم تمويله من فروق أسعار الأراضى المستردة للدولة، لكن حل المشكلة على المدى الطويل يتطلب سياسة للتنمية تخلق فرص عمل، ويجب أن يكون هذا واضحا أمام المواطن.

• سمير رضوان:

مازلت أرى أننا يمكن أن نتبنى سياسة مالية توسعية موجهة لأهداف محددة، رغم تزايد العجز، بشرط أن تكون النفقات موجهة لقطاعات تعود على تنشيط الاقتصاد، مع ملاحظة أن الموازنة التى وضعناها بعد الثورة، فى حكومة شرف الأولى، كان بها نسبة عجز كبيرة لأنها كانت موازنة توسعية، ثم تم وقف معظم الإصلاحات التى تضمنتها تلك الموازنة خوفا من تزايد العجز، ورغم ذلك وصلنا الآن لنفس نسبة العجز التى كنا نستهدفها فى ذلك الوقت «ولكن بدون اصلاحات». صندوق النقد الدولى عرض علينا فى بداية المفاوضات زيادة حصة مصر إلى 9 مليارات دولار نتيجة للظروف الحرجة التى يمر بها البلد، كما فعل مع اليونان، وبالتالى هناك تسهيلات كثيرة يمكننا الحصول عليها، بشرط أن تكون هناك رؤية واضحة، وتوافق بين الناس التى ستنفذ تلك الرؤية.

هناك إصلاحات سريعة يمكن اتخاذها تخدم الهدف الاقتصادى وتحظى فى نفس الوقت بالشعبية، وتوجد أمثلة كثيرة على وجود بدائل لا يتم اللجوء إليها نتيجة سيطرة أصحاب المصالح على المشهد، مثل لجوء الحكومة الحالية إلى فرض ضرائب غير مباشرة يقع عبئها مباشرة على الفقراء كطريقة لخفض العجز المتزايد فى الموازنة، رغم أن هناك بدائل عديدة لا تضر معيشة المواطن، ومنها فرض ضرائب على الأرباح المتحققة فى البورصة، التى أقام أصحاب المصلحة الدنيا عندما سعينا لفرضها بعد الثورة. وهناك ضرائب يمكن فرضها على التعاملات المالية ذات الطبيعة مضاربة، مثل الاندماج بين شركتين يثم إعادة تقييم الشركة الجديدة والذى يمكن أن يحقق لأحد الأطراف 50 مليون جنيه مكاسب غير خاضعة للضرائب. ويمكن تطبيق الضريبة العقارية التى أثير حولها جدل كبير، رغم أنها سهلة والمناطق التى ستطبق عليها معروفة. وبالتالى هناك عدة طرق لسد العجز دون فرض ضرائب على السجائر والسلع التى يستفيد بها الفقراء.

• زياد بهاء الدين:

ما نحتاجه الآن بشكل ملح هو طريقة سليمة وواضحة لإدارة الأزمة، أما تفاصيل علاج المشكلات المختلفة فيمكن وضعها بالتشاور مع كل قطاع، لأن «الناس لديها حلول كثيرة»، لكن لا أحد يسمعها. وبالتالى يمكننى كصانع قرار أن أعلن إنى لفترة محددة سأضطر للتعامل مع القضايا الملحة جدا، ولن اتطرق لمشاريع كبرى مثل توشكى أو ممر التنمية، لأنه ليس فى إمكانى أن انفذها الآن. وفى هذا الإطار أقول مثلا انى سأركز على فتح المقفول من المصانع والفنادق ولن انشغل الآن بفتح منشآت جديدة، وسأستخدم ميزانية المستشفيات فى إصلاح القائمة منها وليس فى بناء مستشفيات جديدة.

ومن جهة أخرى فإن التغيير يقتضى الاتفاق على رؤية اقتصادية، وليس معنى رؤية أن يكون هدفى هو رفع النمو من 2% إلى 7%، ولكن المقصود هو أن نحدد أولوياتنا، فمثلا نقول إننا سنوجه 25% من مواردنا خلال عدد معين من السنوات للتعليم، هذه رؤية، أو إننا خلال 5 سنوات يجب أن نقوم بتغيير جذرى فى قطاعى الصناعة والسياحة. ولكن ما يحدث طوال الوقت هو خلط بين الرؤية والأهداف المرحلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.