في كتاب (الثورة التائهة) لرئيس التحرير الأسبق لصحيفة الأهرام ما يشبه الشهادة على المرحلة الانتقالية، بعد أن تمكنت الاحتجاجات الشعبية الحاشدة، من خلع الرئيس حسني مبارك قبل عامين. إذ يسجل من موقعه جانبًا من تفاعلات سياسية، كانت الصحافة مسرحًا لها، قائلا: "إن هذه التفاعلات أدخلت البلاد "في حقبة التيه السياسي"، الذي يرى أن وصول الإخوان المسلمين إلى البرلمان أو الرئاسة جزء منه".
ففي فترة إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد منذ 11 فبراير (شباط) 2011 حتى نهاية يونيو (حزيران) 2012، حين أعلن فوز محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان برئاسة الجمهورية، جرى ما يمكن تسميته بصراع الإدارات بين مثلث يمثل أضلاعه العسكر وتيار الإسلام السياسي؛ وفي مقدمته جماعة الإخوان والثوار، الذين اتخذوا من ميدان التحرير مسرحًا لغضبهم واعتصاماتهم، الذي كان يفضي أحيانًا بالقوة في ظل صمت الإسلاميين.
ويقول عبد العظيم حماد: "إن ثورة 25 يناير لم تقم فقط من أجل تعديل دستور ولا من أجل طريقة انتخاب رئيس وتحديد فترة رئاسته؛ قامت من أجل تجديد مصر مجتمعًا ودولة، تجديدًا كاملا وشاملا" عبر تأسيس دولة مؤسسات ديمقراطية حديثة، تنظم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتستوعب قيم العصر".
ويضيف في كتابه، الذي حمل عنوانًا فرعيًا هو (صراع الخوذة واللحية والميدان.. رؤية شاهد عيان)، أن دور الدولة الحديثة أكبر من استخدام السلطة "لإدخال المواطنين الجنة، وإبعادهم عن النار في الآخرة"، وإنما توفير الحياة الكريمة للمواطن، وحماية آمنة في الداخل، وضمان قوة الوطن بحماية حدوده.
ويستبعد أن يكون للجيش دور سياسي، مستندًا لقول قائد عسكري سابق "إن الجيش المصري ليس انقلابيًا، لأنه يعلم أن احترام الشرعية ضرورة قصوى من ضرورات الأمن القومي" ويستشهد بتمرد قوات الأمن المركزي عام 1986 ووقوع البلاد في قبضة وزير الدفاع آنذاك المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، الذي التزم بحماية الشرعية، ولم يقم بانقلاب للاستيلاء على الحكم.
والكتاب الذي أصدره (مركز المحروسة) في القاهرة؛ يقع في 194 صفحة متوسطة القطع، ويهديه المؤلف لكثيرين منهم رمزًا الثورة في مصر وتونس (خالد سعيد ومحمد بوعزيزي)، "وإلى شهداء الثورة في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والبحرين".
ويقول حماد، الذي كان قريبًا من دوائر صنع القرار بحكم رئاسته تحرير (الأهرام)، في تلك الفترة: "إن الثورة الشعبية بطليعتها الشابة وانضمام 18 مليون مواطن إليها في جميع المحافظات جاءت لتكسر القطبية الثنائية بين النظام الأوليجاركي الحاكم (نظام الأقلية) وبين جماعة الإخوان المسلمين، وسائر تنويعات الإسلام السياسي"، موضحًا أن أسباب النجاح توفرت للثورة في بداياتها، ولكنها أصبحت تائهة.
ويلخص "هذا التيه" في ما انتهت إليه الأمور، إلى الآن، إذ يرى أن الثورة لم تفرض قيمها أو تشرع في إقامتها، ولم تحقق الأهداف التي رفعتها طوال 18 يومًا من الحشود الجماهيرية الغاضبة ذات التوجه الوطني والإنساني، فلم ترفع مطالب طائفية ولم تفرق بين الرجل والمرأة "وانتهت بتسلم جماعة تقليدية زمام الأغلبية الشعبية والسلطة"، مضيفًا أن هذا الصعود جزء من التيه أيضًا، إذ لا سبيل أمام السلطة الجديدة، "على أحسن الفروض"، إلا منهج التجربة والخطأ.
ويرصد ما يعتبره مفارقة بين مفجري الثورة وحاصدي ثمارها، فجماعة الإخوان التي عانى أعضاؤها السجن والمطاردة، لم تكن هي القوة التي زلزلت أركان نظام مبارك، فهي كانت تعمل ضده أحيانًا وتنسق معه أحيانًا، أما الذين زلزلوا أركان النظام ومهدوا للثورة، فهم القوى الحديثة"؛ ومنها حركة استقلال القضاء، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ومنظمات حقوق الإنسان، وحركة (كفاية)، التي دعت منذ نهاية عام 2004، لعدم التجديد لمبارك، وعدم توريث الحكم لابنه جمال.
ويتساءل "كيف تسربت الثورة" من أيدي هذه القوى الاجتماعية والفكرية، لتسلم مصيرها إلى المجلس العسكري وجماعة الإخوان "والقوة الأجنبية صاحبة الكلمة في شؤون مصر" دون أن يسمى هذه القوة الأجنبية.
ويرى أن القوى الحديثة التي فجرت الثورة أخطأت، لأنها ضعيفة تنظيميًا وفقيرة ماليًا، في حين كان على المجلس العسكري "لو امتلك الرؤية والخطة أن يستخدم موقعه كحارس على الدولة"، من أجل بناء دولة حديثة، ولكن الخبرة السياسية المحدودة لأعضاء المجلس وفارق العمر بينهم وبين قوى الثورة جعلهم أكثر جمودًا، ويستشهد على ذلك بقول عضو بارز في المجلس العسكري، لأحد قيادات ميدان التحرير "نحن في عمر أجدادكم.. فهل رأيت جدك يتخذ قرارات."
ويصف شخصية وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بأنه ضعيف وخجول لا يحب مواجهة الجماهير، وأنه "ذو مزاج صعب فهو يفضل توتير مرؤوسيه... يؤمن أنه فوق المساءلة إلا أمام حسني مبارك فقط، وكان مضطرًا لابتلاع تجاوزات جمال وعلاء" ابني مبارك.
ويضيف أن طنطاوي كان "سريع الإحباط"، ويروي حماد أن عضوا بالمجلس العسكري اتصل به يوم 14 يناير 2012"، ليرجو نشر خبر زيارة المشير لليبيا في اليوم التالي كمانشيت للأهرام، حتى ترتفع معنويات المشير المصاب بحالة حادة من الإحباط."
ولكنه وهو يسجل لطنطاوي احتفاظه بوحدة القوات المسلحة، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، يقول، إنه: "لم يكن من الطبيعي أن يصبح "ثوريًا فجأة"، رغم الحالة الثورية التي أسست شرعية جديدة.
ويقول حماد: "إن المجلس العسكري كان ضد تقديم مبارك للمحاكمة، ويروي أن عشاء جمعة مع كتاب وسياسيين وثلاثة من أعضاء المجلس، وتساءل أحدهم: "ألم يقدم الرجل (مبارك) شيئًا مجيدًا لمصر طوال 30 عامًا؟ وهل كانت هذه المدة كلها أخطاء في أخطاء؟" وإنهم ظلوا يبحثون عن فرصة لتجنب تقديمه للمحاكمة، وكانوا يثيرون هذا الأمر في لقاءاتهم مع الصحفيين والسياسيين.
ويضيف "أصبح ثبوت التباطؤ والتواطؤ في مسألة محاكمة مبارك أساسًا للشك في كل قرار يتخذه الجنرالات"، الذين كان يعنيهم ما تنشره عنهم الصحف، التي أصبحت أحد ميادين الصراع وأدواته، وخصوصًا (الأهرام)؛ حيث اعتبرها العسكر "صحيفتهم الأولى"؛ في حين يرفض الثوار في ميدان التحرير، أن تظل الصحف الرسمية لسان حال السلطة.
ويروي حماد، أن طنطاوي قال له في حفل تخريج طلبة الكلية الحربية في يوليو (تموز) 2011 "لا تنشروا شيئًا لهؤلاء الذين يريدون تخريب مصر... خذوا ما تشاءون من فلوس ولا تهتموا بالتوزيع"، ولم يوضح له من يكون هؤلاء المخربون.