إن الإنسان على مر الأيام ينشد الأمان، ويصبو إلى حياة السلام، ولقد جاء المسيح ليمنح الإنسان سلاماً يفوق إدراك العقول، سلاماً يتسم بالاستمرارية والدوام، لا تؤثر فيه متاعب الحياة، أو تقلبات الزمان. •••
كيف لا؟! وقد دعاه أشعياء بالنبوة: «رئيس السلام» (أش7:9) أى صانع السلام، وتنبأ عنه ميخا قائلاً: «لأنه الآن يتعظم إلى أقاصى الأرض، ويكون هذا سلاماً» (ميخا5: 4و 5).
والجدير بالذكر أنه يمكن القول إن ميلاد المسيح كان بمثابة مبادرة سلام للإنسان ونرى ذلك بوضوح فى أحداث الميلاد، على سبيل المثال:
(1) العذراء مريم (لو12:8- 33) عندما دخل إليها الملاك ليبشرها بميلاد المسيح كانت تحيته لها «سلامٌ لكِ»، وعندما اضطربت من الخبر، قال لها الملاك: «لا تخافى يا مَريَمُ، لأنَّكِ قد وجَدتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ. وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمِّينَهُ يَسوعَ. هذا يكونُ عظيمًا» وهنا اطمأنت العذراء مريم وشعرت بسلام عميق يغمر كيانها.
(2) يوسف النجار (مت1: 18 20) عندما علم بخبر أن العذراء حُبلى من الروح القدس... بالتأكيد اضطرب بدليل أن الوحى يذكر: «أرادَ تخليَتَها سِرًّا» لكن ملاك الرب ظهر له فى حلم قائلاً: «يا يوسُفُ ابنَ داوُدَ، لا تخَفْ أنْ تأخُذَ مَريَمَ امرأتَكَ». وهنا نجد أن خبر ميلاد يسوع يحمل فى طياته ليوسف رسالة سلام.
(3) زكريا الكاهن (لو1: 67 79) نرى أنه بعد ولادة يوحنا يسجل البشير لوقا، أن زكريا أباه امتلأ من الروح القدس، وتنبأ قائلاً: مُبارَكٌ الرَّبُّ.... القَسَمَ الذى حَلَفَ لإبراهيمَ أبينا: أنْ يُعطيَنا إنَّنا بلا خَوْفٍ، مُنقَذينَ مِنْ أيدى أعدائنا... لكَيْ يَهديَ أقدامَنا فى طريقِ السَّلامِ».وهكذا نجد أن زكريا يعلن لنا أن ميلاد المسيح يصاحبه السلام.
(4) الرعاة (لو2: 8 14) يذكر الوحى أنه كان فى تلك الكورة «بيت لحم» رُعاةٌ مُتَبَدِّينَ «يعيشون فى البادية أى فى البرية» يَحرُسونَ حِراساتِ اللَّيلِ علَى رَعيَّتِهِمْ، إذا مَلاكُ الرَّبِّ وقَفَ بهِمْ، ومَجدُ الرَّبِّ أضاءَ حَوْلهُمْ، فخافوا خَوْفًا عظيمًا. فقالَ لهُمُ المَلاكُ: لا تخافوا... ثم بشرهم بميلاد المسيح، ثم ظهر فريق ترنيم السماء يشدو قائلاً: «المَجدُ للهِ فى الأعالى، وعلَى الأرضِ السَّلامُ وبالناسِ المَسَرَّةُ».
وهنا نجد أن بشرى الميلاد للرعاة فى ظلام الليل تحمل نور السلام، وموسيقى الأمن والأمان.
•••
نعم! جاء المسيح ليرفع الخطية التى فصلت بيننا وبين الله، ويقيم سلاماً بيننا وبينه. والسلام المقصود هنا هو سلام الحياة الجديدة.. سلام ينبع ويأتى من فوق.. من الأعالى.. من الله، سلام يعيد صياغة حياة الإنسان من جديد.
فالحقيقة التى لا يشوبها أدنى شك هو أنه لا يمكن أن يتمتع الإنسان بالسلام الحقيقى إن لم يحصل على سلام مع الله، فمَنْ حُرم سلاماً مع الله لا يمكن أن يهنأ بسلام مع نفسه أو مع الآخرين، لأن الله هو مصدر كل سلام، لذلك فى ذكرى الميلاد يمكن للمؤمن أن يترنم: «إذ قد تبَرَّرنا بالإيمانِ لنا سلامٌ مع اللهِ برَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ»(رو5: 1).
دعونا فى ذكرى ميلاد المسيح، أن نجدد عهد المحبة والسلام مع الله ومع أنفسنا ومع الآخرين فميلاد المسيح يعلمنا كيف نصنع السلام. ودعونا ندعو لمصر الغالية بالسلام والاستقرار ودوام التقدم والازدهار