إن موسم التهديدات الفلسطينية فى ذروته، لكن ما يبدو أمام مسامع الإسرائيليين تهديدات، هو بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يئسوا من الاحتلال وعد بتحويل الضعف إلى نقطة قوة فى ميزان القوى غير المتكافئ. ●●●
ثلاثة وعود أساسية قدمها الناطقون الرسميون الفلسطينيون فى الأسابيع الأخيرة لجمهورهم. فصرح جبريل رجوب للصحفيين الإسرائيليين بأن هجمات المستوطنين لن تمر بعد اليوم دون رد فلسطينى، وأنه بعد رفع مستوى التمثيل الفلسطينى فى الأممالمتحدة، فإن الفلسطينيين سيتوجهون إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهناك أخيرا الوعد/ التحذير الذى أطلقه محمود عباس على مسامع مراسل «هاآرتس» باراك رابيد الأسبوع الماضى ومفاده أنه فى حال استمر الجمود السياسى بعد الانتخابات فإنه (سيحل السلطة الفلسطينية) ويسلم المفاتيح إلى بنيامين نتنياهو.
والسؤال هل هذه الوعود تخفى وراءها خطة أو تحركا بالاضافة إلى كونها تعبر عن قلق المسئولين الفلسطينيين؟ تجدر الإشارة إلى أن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الفلسطينيين للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية هى تلك المتعلقة بموضوع المستوطنات (وتدل تجربة الدول الأفريقية على أن رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب قد يتحول إلى سيف ذى حدين، ويمكن أن ينتهى مثلا بتقديم إسرائيل دعاوى ضد المخططين للعمليات الانتحارية الفلسطينية). كما أن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب اختيارا لأفضل القضاة الفلسطينيين وفقا لمؤهلاتهم والتزامهم وليس وفقا لعلاقاتهم الشخصية مع شخصية مهمة. كما سيكون على هؤلاء القضاة العمل معا والتنسيق مع عدد من الهيئات المدنية التى لديها خبرة طويلة فى موضوع المستوطنات. وهذا يتطلب الكثير من التنسيق وجمع المعلومات والعمل الجماعى دون منافسة، وهذا ما يفتقر إليه أسلوب العمل الفلسطينى، ومن الصعب تحقيقه فى فترة قصيرة من الزمن.
●●●
أما فيما يتعلق بالوعد بالرد على تعديات المستوطنين، فإن ما قصده رجوب، الذى حرص على الغموض، هو الردود الفردية على هذه التعديات التى تحدث حاليا، أما إذا كان يقصد بكلامه أن الشرطة الفلسطينية لن تتدرب بعد اليوم على توقيف أبناء شعبها والتحقيق معهم وإنما على كيفية الدفاع عنهم وصد هجمات المستوطنين ضدهم، فلماذا الانتظار وإلى متى؟ ثمة ما هو أكثر من ذلك، إذ كل حديث عن «رد» معناه اعتقال أجهزة الأمن الإسرائيلية لمزيد من الفلسطينيين، فى الوقت الذى لم تنجح فيه السلطة الفلسطينية حتى الآن فى تدريب هؤلاء المعتقلين المتمردين ضد الاحتلال الإسرائيلى على كيفية التصرف فى غرف التحقيق، وفى المحاكم العسكرية الإسرائيلية. وفى الواقع فإن السلطة الفلسطينية والتنظيمات الأخرى تواصل تسهيل عمل الأجهزة القضائية العسكرية الإسرائيلية بسبب عدم مقاطعتها لها. لذا يمكن القول إنه دون تغيير جذرى فى آليات عمل الأجهزة القضائية العسكرية الإسرائيلية ليس من المتوقع حصول رد فلسطينى حقيقى ومنظم ضد عنف المستوطنين.
أما فيما يتعلق بتصريح أبومازن حل السلطة الفلسطينية، فهناك ناطقون رسميون فلسطينيون يقولون العكس تماما. والأكثر احتمالا هو انهيار السلطة بصورة خاصة بسبب العقوبات الاقتصادية التى فرضتها إسرائيل عليها والتى تتعارض مع الاتفاقات الموقعة كلها ومواقف العالم.
●●●
إن تهديدات محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية تكشف مدى تمسكه بالأسلوب الدبلوماسى النخبوى، فهو مستعد لتصور حل السلطة وتسليم مفاتيحها، لكنه لا يتصور نضالا شعبيا، الذى هو بعكس الكفاح المسلح، يتطلب تنسيقا وتخطيطا وتنظيما وإيمانا بقوة الشعب.