رسميًا بعد انخفاضه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 8-5-2025 بالبنوك    الخارجية الألمانية تنشر بيانا باللغة الروسية في الذكرى السنوية لنهاية الحرب العالمية الثانية    بث مباشر يلا كورة.. إمام يقود الأهلي لفوز مثير على المصري ويعتلي صدارة الدوري    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ الكنيسة الكاثوليكية بانتخاب البابا روبرت فرنسيس بريفوست    أخبار مصر اليوم.. بوتين يستقبل السيسي في الكرملين    محافظ سوهاج يبحث تطبيق الهوية البصرية على الكوبري الجديد بالكورنيش الغربي    هيبة: مصر أنفقت 550 مليار دولار على تحسين البنية التحتية خلال 10 سنوات| خاص    مستشار وزيرة التخطيط: 44% من القوى العاملة بحلول 2030 ستكون من الجيل التكنولوجيا الحديثة    محافظ سوهاج يتفقد مركز الكوثر الطبى ويوجه بخطة عاجلة لتشغيله    النواب يناقش تعديل قانون مهنة الصيدلة وتنظيم إصدار الفتوى الشرعية    ريتشارليسون يتصدر تشكيل توتنهام أمام بودو جليمت بنصف نهائي الدوري الأوروبي    محمد فوزى: التحركات المصرية القطرية الهامة تأتى فى ظل وضع إنسانى صعب بغزة    ترامب: انتخاب بابا للفاتيكان أمريكى للمرة الأولى شرف عظيم    "أوتشا": عنف المستوطنين بالضفة الغربية فى تزايد    انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية بالأقصر (صور)    بعد قليل.. الأهلي والاتحاد.. نهائي كأس مصر لكرة السلة    نفس توقيت نهائي الكأس.. ديسابر يعلن ضم ماييلي لقائمة الكونغو الديمقراطية في يونيو    كرة يد - قبل مواجهة الأهلي.. الزمالك يتعاقد مع 3 لاعبين    ضربها بحزام وصورها عارية.. علاقة عاطفية تنتهي في جنايات كفر الشيخ    محافظة القاهرة: حريق شركة الأدوية لم يسفر عن إصابات    معدات ثقيلة لرفع سقف موقف قوص المنهار فوق 40 سيارة (صور)    انتشال جثمان عامل من غرفة تفتيش صرف صحي بالمنيا    تقرر مد مسابقة توفيق الحكيم لتأليف المسرحي .. اعرف تفاصيل    «كان يخاف ربه».. هالة صدقي تحسم جدل أزمة طلاق بوسي شلبي من الراحل محمود عبد العزيز    ما تأثير الحالة الفلكية على مواليد برج الحمل في الأسبوع الثاني من مايو 2025؟    أكشن بتقنيات عالية.. الإعلان التشويقي لفيلم المشروع X ل كريم عبد العزيز    MBC مصر تعلن موعد عرض مسلسل "بطن الحوت"    فعاليات تثقيفية متنوعة ضمن دوري المكتبات بثقافة الغربية    مسابقة قرائية بمكتبة مصر العامة    ياسمينا العبد: كنت متأكدة إني هبقى سبب فشل مسلسل «موضوع عائلي 3» (فيديو)    أمين الفتوى: لا يجوز للزوج أخذ "الشبكة" من زوجته رغمًا عنها بعد الزواج    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    السبت المقبل.. 23 ألف طالب يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة أسوان    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    القومى للبحوث: اكتشاف إنزيم مهم من فطر الاسبرجليس لتقليل الكوليستيرول بالدم    الدخان الأبيض يعلن بدء رحلة بابا الفاتيكان الجديد.. الأجراس تدق والاحتفالات تملأ الشوارع    رابط نتيجة الاختبارات الإلكترونية للمتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة رياضيات    خبراء يحذرون: الزمن هو الخطر الحقيقي في النزاع النووي الهندي الباكستاني    محافظ الجيزة: تحسين كفاءة النظافة بمحيط المدارس استعدادا للامتحانات    الرياضية تكشف موعد انضمام ماركوس ليوناردو لتدريبات الهلال    وزارة الشباب والرياضة ... شكراً    طلاب جامعة الدلتا التكنولوجية يشاركون في معرض HVAC-R.. صور    محافظة الجيزة ترفع 150 طن مخلفات في حملات نظافة مكبرة    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    تكثيف جهود البحث عن فتاة متغيبة منذ يومين في القليوبية    تركيا: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات الإنسانية وتحاول تهجير الفلسطينيين وتثبيت وجودها في غزة بشكل دائم عبر توسيع هجماتها    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستفتاء على الدستور .. و «خرافة» تقسيم مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2012

•اختلاف الآراء فى التصويت لا يعنى أننا منقسمون وهو دليل على تعافى مجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه لا فى التاريخ القديم أو الحديث

•التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة 99.9٪ على الاستفتاء باتجاه معين وإنما يعنى قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى

•لم يدع بعض الفرنسيين أن مشروع الدستور الذى أنجز فى 6 أشهر أو فى ال3 أشهر فى المرة الثانية تم «سلقه»

استرعى انتباهى بشدة فى حملة الترويج ب«لا» لمشروع الدستور، وهو بكل تأكيد حق مكفول للجميع أن يدعو بحرية لما يراه صحيحاً، كم المغالطات ومحاولة لى الحقائق إذ إنه من غير المتصور لدى أن تشرف بعض النخب المصرية على حملة كهذه بها قدر كبير من التشويه لوجه الحقيقة لتفزيع المصريين حتى يصوتوا باتجاه معين .

وقد دفعنى هذا الانزعاج لأسأل نفسى صراحةً لأحاسب ضميرى : هل ساهمت فى كتابة دستور يقسم مصر كما تزعم هذه الحملة ؟ هل هذا الجهد والاجتهاد البشرى الوطنى الذى وضعته هذه الجمعية يدفع إلى ذلك التقسيم؟

فبحثت فى مواد الدستور لأجد إجابة وبدأت بالمادة الأولى ونصها «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديموقراطى» والتى ترد على هذا الزعم وتنفى صراحةً بنصٍ لا لبس فيه مسألة أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء للشعب المصرى يسمح بأى من مواده بتقسيم مصر. وبدأت أرد على هذا الزعم بهذا الشكل، إلى أن استوقفنى أحد المتحاورين، ويبدو أنه له علاقة بهذا الإعلان ولفت نظرى أيضا أن المقصود أنهم يطلقون على هذا الدستور «دستور تقسيم مصر» لأن الشعب المصرى لن يوافق على هذا الدستور بنسبة كبيرة كما أن هناك قطاعا كبيرا من المصريين سيصوتون ب«لا» وبالتالى ستنقسم مصر فسطاطين وهذا لم يحدث من قبل.

وفى إحدى القنوات الفضائية الشهيرة، استمعت إلى حوار لأحد القضاة الرافضين للمشاركة فى الإشراف على الاستفتاء والذى أشار بدوره إلى أن هذا الدستور « سيقسم» المصريين لأن هناك من سيصوتون ب«لا»، وهو منهم، فكيف لمن صوت ب«لا» أن يعمل على قبول الدستور و«إنفاذه» فى المجتمع لو كانت النتيجة ب«نعم» وزعم أنه حتى يجب على الجميع قبول الدستور يجب على الأقل أن تكون نسبة التصويت ب«نعم» تتعدى الخمسة وسبعين فى المائة حتى يقبله الجميع، لذلك فإنه من منطلق رفضه لأن تُقسم مصر فلن يشارك هو وفريق معه فى الإشراف على الاستفتاء.

رأيت ذلك مخالفاً لكل قواعد الديموقراطية، فبحثت فى التاريخ السياسى للدول الراسخة والمستقرة ديمقراطياً لإجد إجابة موضوعية على هذه التساؤلات التى جاءت بهذه الحملة الإعلامية المذكورة والتى طرحها القاضى المحترم بتصريحاته. واخترت دولاً تشترك مع الحالة المصرية فى عدة نواح منها: دقة اللحظة وخطورتها كون مصر تؤسس لنظام ديموقراطى جديد عقب ثورة، وأن تكون دول ذات ثقافة وحضارة عريقة ممتدة الجذور مثل مصر بالإضافة إلى التعداد السكانى والقرب الجغرافى وأخيراً أن هذه الدول كانت دولاً موحدة وليست كونفيدراليات أو جزر توحدت.

ومن ثم وقع اختيارى على فرنسا وإيطاليا لأنهما دولتان أصحاب حضارة عريقة ومن الديموقراطيات الحديثة المستقرة وهما بالأساس دولاً موحدة ليست كونفيدرالية وتعداد شعوبهما كبير يقترب من تعداد الشعب المصرى كما أنهم كتبوا دساتيرهم الحديثة عقب الحرب العالمية الثانية فى فترة سياسية شديدة الحساسية، ثم أسست دساتير هذه الشعوب لأن تجعلها فى مصاف الدول الصناعية الكبرى الثمانى.

ففى فرنسا وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة وتحديدا فى الحادى والعشرين من أكتوبر 1945 انتخبت فرنسا جمعية تأسيسية لوضع الدستور وعملت هذه الجمعية لمدة ستة أشهر تقريبا ثم أجرى استفتاء على مشروع الدستور فى الخامس من مايو 1946 والذى تم رفضه بنسبة 52.8٪ من إجمالى أصوات الفرنسيين، فأعيد انتخاب جمعية تأسيسية جديدة فى الثانى من يونيو1946 وعملت الجمعية لمدة ثلاثة أشهر تقريبا قبل أن يُطرح مشروع دستورها لاستفتاء حر مباشر فى الثالث عشر من أكتوبر 1946 والذى أسس للجمهورية الفرنسية الرابعة بعد أن نجح للاستفتاء عليه ب « نعم» بنسبة 53.2٪.

لم يدع بعض الفرنسيين فى حينها أن مشروع الدستور الذى أنجز فى ستة أشهر فى المرة الأولى أو فى الثلاثة أشهر فى المرة الثانية أنه تم « سلقه » ولم يذكر التاريخ أن نخب فرنسا تحدثت إلى الشعب الفرنسى بخرافات تقسيم فرنسا لأن 46.8٪ صوتوا ب « لا » بل اصطف الشعب الفرنسى كله خلف دستوره الجديد الذى أسس للجمهورية الرابعة.

وفى عام 1958 أى بعد اثنى عشر عاما من إقرار دستور الجمهورية الرابعة لفرنسا، قاد شارل ديجول جهد كتابة مسودة دستور جديد لفرنسا الذى طرحه للاستفتاء فى الثامن والعشرين من سبتمبر من نفس العام وحصل هذا الدستور على أغلبية بلغت 83% وأسس هذا الدستور للجمهورية الخامسة لفرنسا, إلا أن هذا الدستور الذى صوتت الأغلبية الكبيرة له أعاق شارل ديجول الذى قاد جهد صياغته عن تحقيق التطور الذى كان يأمله لفرنسا بعد، رئيسا للفرنسيين فى التاسع عشر من ديسمبر عام 1965 بالانتخاب الحر المباشر ونجح بنسبة 78% .

اكتشف ديجول وهو على رأس السلطة التنفيذية كرئيس منتخب أن هذا الدستور الذى قاد صناعته قيد من سلطات السلطة التنفيذية لحساب السلطة التشريعية فاقترح ديجول تعديلات دستورية مهمة وطرحها للاستفتاء فى السابع والعشرين من أبريل عام 1969 أى بعد أرْبع سنوات من إقرار الدستور الجديد فكانت النتيجة أن رفضت التعديلات الدستورية التى طرحها ديجول وصوت عليها الفرنسيون ب«لا» بنسبة 52,4% واضطر رئيس الجمهورية شارل ديجول الذى كتب الدستور إلى الاستقالة فى نفس اليوم.

وفى التاريخ القريب وبالتحديد فى التاسع والعشرين من مايو 2005 أُجرى استفتاء فى فرنسا على قبول دستور أوروبى موحد ورفض مشروع الدستور هذا وصوت عليه الفرنسيون ب«لا» بنسبة 55% .

لم يقسم الاستفتاء على هذا الدستور الأوروبى الموحد فرنسا، إذ لم يخرج ال45% من الفرنسيين الذين أرادوا دستورا موحدا لأوروبا ليتحدثوا عن أن فرنسا انقسمت بل على العكس عمل الشعب الفرنسى سويا يدا بيد لإنجاح دولتهم.

أما عن إيطاليا فالوضع لم يختلف كثيرا، ففى الثانى من يونيو عام 1946 كان موعد الاستفتاء الدستورى المهم وأحد أهم الاحداث فى التاريخ الايطالى المعاصر، لأن إيطاليا كانت مملكة حتى هذا التاريخ واختارت أن تؤسس للجمهورية الايطالية بعد أن صوت 54.3٪ من الايطاليين لصالح الجمهورية فى حين صوت 45.7٪ من الايطاليين لصالح ايطاليا الدولة الملكية وتم انتخاب أول برلمان لإيطاليا فى نفس تاريخ الاستفتاء. لم يقسم هذا الاستفتاء ايطاليا ولم يقسم الشعب الايطالى ولم يذكر التاريخ أن النخب الايطالية أعلنت أن هذا الاستفتاء باطل أو ان النسبة التى صوتت لصالح الجمهورية الايطالية نسبة بسيطة بل قبل الشعب الايطالى كله هذا التحول المحورى الجوهرى فى تاريخ ايطاليا بهذه الاغلبية البسيطة.

تقدمت فرنسا وإيطاليا، ولم ينقسما رغم أن نتيجة استفتاءاتهما جاءت بأغلبية بسيطة فى كثير من الأحيان، وأسستا مجتمعات ديموقراطية حديثة تناسب ثقافتهما وحضارتهما وتاريخهما وتقدمتا اقتصادياً وصناعياً وأصبحتا دولاً من الدول صاحبة أكبر اقتصاديات فى العالم والمعروفة بال (G8) حين وقفتا خلف إرادة شعوبهما الحرة.

وأخيراً، إذا أردنا أن تلحق مصر بركب الدول الديمقراطية كما ننادى ليل نهار علينا جميعاً أن نطبق الديمقراطية برمتها نظريا وفعليا على المسئولين والنخبة والشعب دون ان نجتزئ ما يخالف هوانا...والسؤال لحضاراتكم بعد عرض نموذجين من أكثر الدولة ديمقراطية وأكثرهما تشابهاً بالواقع الذى نعيشه من النواحى المذكورة، هل ترون أن التصويت بنعم أو ب لا المفترض أن يقسم مصر؟.

أتمنى على الذين يربكون المجتمع بالحديث عن «تقسيم مصر» أن يتحدثوا عن قبول نتائج الديموقراطية علناً وسراً والوقوف خلف هذا الدستور، وإن خالف آراءهم الشخصية، لتنهض مصر وتتقدم. هذا لا ينفى عن أى إنسان حر أن يعمل على تعديل أو تغيير بعض مواد الدستور، أو الدستور كله، بكل الوسائل السياسية الديموقراطية ..لكن دون أن يفزعوا الشعب وينشروا روح الفرقة بين صفوف المجتمع بالحديث عن خرافة « تقسيم مصر» أو أن يصرحوا تصريحات لا تحترم الديموقراطية وإرادة الشعب.

اختلاف الآراء فى التصويت تعنى أننا مختلفون فى الرأى، ولا يعنى أننا منقسمون، وهذا دليل صحة وعافية وتعافى لمجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه فى التاريخ الحديث ولا القديم. التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة 99.9٪ على الاستفتاء باتجاه معين، ولكن التوافق معناه أن يتوحد المجتمع على قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى بالاستفتاء على الدستور أياً كانت وأيا كانت نسبتها، وأن نمضى فى بناء دولة المؤسسات الديموقراطية المنتخبة ويحتفظ كل منا بأفكاره السياسية ويدافع عنها ويسعى إلى تطبيقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.