«مستقبل وطن» يختتم اجتماعاته اليوم بلقاء مرشحي الشيوخ 2025    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    الهيئة العليا للوفد توافق على طرح الثقة في رئيس الحزب و"عمومية" غير عادية 25 يوليو    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم ب السعوديه ب بداية تعاملات الخميس 10 يوليو 2025    سعر السمك والكابوريا والجمبري ب الأسواق اليوم الخميس 10 يوليو 2025    أسعار الخضروات اليوم الخميس 10-7-2025 في قنا    بورصة الدواجن.. أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 10-7-2025 في قنا    جامعة كفر الشيخ: مركز التطوير المهنى نموذج خدمى متكامل    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 10-7-2025 في قنا    لوكا مودريتش يُودّع ريال مدريد بعد مسيرة تاريخية قبل الانضمام إلي ميلان    المبعوث الأمريكي لسوريا : لا خيار أمام قسد إلا الاسسلام لدمشق    نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: العوائق كانت كثيرة في قطاع غزة    البرازيل: الحكومة ستناقش الرد على رسوم أمريكا الجمركية    مسؤولان أمريكيان لرويترز: الجيش الأمريكي يسلم قذائف مدفعية وأسلحة إلى أوكرانيا    ترامب يعلق على أنباء "الاجتماع السري" بشأن غزة    موعد نهائي كأس العالم للأندية بين باريس سان جيرمان وتشيلسي    كأس العالم للأندية، أشرف حكيمي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي بالمونديال    هشام حنفي: لن يكون هناك منافس للأهلي في الدوري وسيكون مثل بايرن ميونخ في ألمانيا    إنريكي: بذلنا جهدا أمام ريال مدريد.. وباريس يقترب من لقب مونديال الأندية    موقف صلاح مصدق من الرحيل عن الزمالك    رسميًا.. غزل المحلة يكشف عن ثاني صفقاته الصيفية    إمام عاشور يضع الأهلي في مأزق بسبب زيزو.. مهيب عبد الهادي يكشف التفاصيل    إصابة 4 أشخاص في انفجار أسطوانة فريون داخل مركز صيانة بالفيوم    حالة الطقس اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    أهالي المفقودين في «غرق الحفار»: «منتظرين جثامينهم.. عايزين ندفنهم»    انفوجراف.. آخر مستجدات التحقيق فى حريق سنترال رمسيس الرئيسى    النائب العام يشارك في اجتماعات «اليوروميد» بلاهاي ويبحث مع رئيس «يوروچست» تعزيز التعاون القضائي والتدريب المشترك    المشدد 6 سنوات لتاجر الكيف لإتجاره في الترامادول بالمنيرة    بسبب الإنترنت.. تامر حسني يؤجل موعد طرح ألبومه الجديد إلى الثلاثاء المقبل    «مش مطلوب نشوف شماتة».. شيكابالا يوجّه رسالة ل إبراهيم سعيد بعد أزمة سجنه    ضياء رشوان: الرؤية المصرية بشأن "اليوم التالي" في غزة الأكثر واقعية    أكرم القصاص: رجال الحماية المدنية سطروا بطولات وتضحيات فى إخماد حريق سنترال رمسيس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    عميد القلب السابق يكشف المؤشرات الأولية ل الإصابة ب الجلطات (فيديو)    منذ أكثر من 30 عاما..الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة    ضمن المفاوضات.. ويتكوف: خريطة الانسحاب التي قدّمتها إسرائيل غير مقبولة    أحدث ظهور ل آمال ماهر على السوشيال ميديا بفستان زفاف    تركيا.. حكم بحظر "جروك" بعد إساءته لأردوغان    أحمد سعد يثير الجدل بحقيبة هيرمس.. لن تتوقع سعرها    أحمد سالم: منصب جون إدوارد غريب على البعض.. وتواجد شيكابالا مهم بأي مكان    نتنياهو: ترامب يريد التوصل إلى اتفاق في غزة لكن ليس بأي ثمن    أصيب به الفنان إدوارد.. 5 علامات تكشف إصابتك بسرطان الكلى    «الدفع كاش فقط».. ارتباك في بنزينات القاهرة بعد حريق سنترال رمسيس    «ترقب ومعاناة».. طلاب الثانوية العامة يروون ل«المصري اليوم» رحلة البحث عن الإنترنت    سعر طن الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الخميس 10 يوليو 2025    افتتح مزار شهداء القديسين.. البابا تواضروس يصلي العشية ويلقي عظة روحية في الإسكندرية    أبطال مسلسل المداح يسافرون إلى تركيا لتصوير المشاهد الخارجية    شهادات عمال وفنيون على رصيف سنترال رمسيس: «كلنا نازلين نِلحَق نِرجَّع الخدمة»    «كورونا لم ينته».. أمجد الحداد: أمطار الصيف تُنشر الفيروسات التنفسية (فيديو)    ارتفاع نسب السرطان بين الشباب.. عميد القلب السابق يحذر من الموبايل (فيديو)    فتح باب التقدم للالتحاق بمدارس التمريض «بنين وبنات» في الشرقية (الشروط والأماكن)    رئيس محكمة النقض يستقبل نقيب المحامين    77 مترشحًا يتقدمون لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في اليوم الخامس لتلقي الأوراق    الأزهر للفتوى الإلكترونية: الالتزام بقوانين ضبط أحوال السير والارتفاق بالطرق من الضرورات الدينية والإنسانية    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفى القرآنى» مبادرة تعزز دور الأزهر فى خدمة كتاب الله    بدايًة من 12 يوليو.. أماكن امتحانات كلية التربية الفنية في المحافظات لتأدية اختبارات القدرات لعام 2025-2026    أفضل دعاء للرزق بالولد وفقًا للقرآن والسنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستفتاء على الدستور .. و «خرافة» تقسيم مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2012

•اختلاف الآراء فى التصويت لا يعنى أننا منقسمون وهو دليل على تعافى مجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه لا فى التاريخ القديم أو الحديث

•التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة 99.9٪ على الاستفتاء باتجاه معين وإنما يعنى قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى

•لم يدع بعض الفرنسيين أن مشروع الدستور الذى أنجز فى 6 أشهر أو فى ال3 أشهر فى المرة الثانية تم «سلقه»

استرعى انتباهى بشدة فى حملة الترويج ب«لا» لمشروع الدستور، وهو بكل تأكيد حق مكفول للجميع أن يدعو بحرية لما يراه صحيحاً، كم المغالطات ومحاولة لى الحقائق إذ إنه من غير المتصور لدى أن تشرف بعض النخب المصرية على حملة كهذه بها قدر كبير من التشويه لوجه الحقيقة لتفزيع المصريين حتى يصوتوا باتجاه معين .

وقد دفعنى هذا الانزعاج لأسأل نفسى صراحةً لأحاسب ضميرى : هل ساهمت فى كتابة دستور يقسم مصر كما تزعم هذه الحملة ؟ هل هذا الجهد والاجتهاد البشرى الوطنى الذى وضعته هذه الجمعية يدفع إلى ذلك التقسيم؟

فبحثت فى مواد الدستور لأجد إجابة وبدأت بالمادة الأولى ونصها «جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديموقراطى» والتى ترد على هذا الزعم وتنفى صراحةً بنصٍ لا لبس فيه مسألة أن مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء للشعب المصرى يسمح بأى من مواده بتقسيم مصر. وبدأت أرد على هذا الزعم بهذا الشكل، إلى أن استوقفنى أحد المتحاورين، ويبدو أنه له علاقة بهذا الإعلان ولفت نظرى أيضا أن المقصود أنهم يطلقون على هذا الدستور «دستور تقسيم مصر» لأن الشعب المصرى لن يوافق على هذا الدستور بنسبة كبيرة كما أن هناك قطاعا كبيرا من المصريين سيصوتون ب«لا» وبالتالى ستنقسم مصر فسطاطين وهذا لم يحدث من قبل.

وفى إحدى القنوات الفضائية الشهيرة، استمعت إلى حوار لأحد القضاة الرافضين للمشاركة فى الإشراف على الاستفتاء والذى أشار بدوره إلى أن هذا الدستور « سيقسم» المصريين لأن هناك من سيصوتون ب«لا»، وهو منهم، فكيف لمن صوت ب«لا» أن يعمل على قبول الدستور و«إنفاذه» فى المجتمع لو كانت النتيجة ب«نعم» وزعم أنه حتى يجب على الجميع قبول الدستور يجب على الأقل أن تكون نسبة التصويت ب«نعم» تتعدى الخمسة وسبعين فى المائة حتى يقبله الجميع، لذلك فإنه من منطلق رفضه لأن تُقسم مصر فلن يشارك هو وفريق معه فى الإشراف على الاستفتاء.

رأيت ذلك مخالفاً لكل قواعد الديموقراطية، فبحثت فى التاريخ السياسى للدول الراسخة والمستقرة ديمقراطياً لإجد إجابة موضوعية على هذه التساؤلات التى جاءت بهذه الحملة الإعلامية المذكورة والتى طرحها القاضى المحترم بتصريحاته. واخترت دولاً تشترك مع الحالة المصرية فى عدة نواح منها: دقة اللحظة وخطورتها كون مصر تؤسس لنظام ديموقراطى جديد عقب ثورة، وأن تكون دول ذات ثقافة وحضارة عريقة ممتدة الجذور مثل مصر بالإضافة إلى التعداد السكانى والقرب الجغرافى وأخيراً أن هذه الدول كانت دولاً موحدة وليست كونفيدراليات أو جزر توحدت.

ومن ثم وقع اختيارى على فرنسا وإيطاليا لأنهما دولتان أصحاب حضارة عريقة ومن الديموقراطيات الحديثة المستقرة وهما بالأساس دولاً موحدة ليست كونفيدرالية وتعداد شعوبهما كبير يقترب من تعداد الشعب المصرى كما أنهم كتبوا دساتيرهم الحديثة عقب الحرب العالمية الثانية فى فترة سياسية شديدة الحساسية، ثم أسست دساتير هذه الشعوب لأن تجعلها فى مصاف الدول الصناعية الكبرى الثمانى.

ففى فرنسا وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة وتحديدا فى الحادى والعشرين من أكتوبر 1945 انتخبت فرنسا جمعية تأسيسية لوضع الدستور وعملت هذه الجمعية لمدة ستة أشهر تقريبا ثم أجرى استفتاء على مشروع الدستور فى الخامس من مايو 1946 والذى تم رفضه بنسبة 52.8٪ من إجمالى أصوات الفرنسيين، فأعيد انتخاب جمعية تأسيسية جديدة فى الثانى من يونيو1946 وعملت الجمعية لمدة ثلاثة أشهر تقريبا قبل أن يُطرح مشروع دستورها لاستفتاء حر مباشر فى الثالث عشر من أكتوبر 1946 والذى أسس للجمهورية الفرنسية الرابعة بعد أن نجح للاستفتاء عليه ب « نعم» بنسبة 53.2٪.

لم يدع بعض الفرنسيين فى حينها أن مشروع الدستور الذى أنجز فى ستة أشهر فى المرة الأولى أو فى الثلاثة أشهر فى المرة الثانية أنه تم « سلقه » ولم يذكر التاريخ أن نخب فرنسا تحدثت إلى الشعب الفرنسى بخرافات تقسيم فرنسا لأن 46.8٪ صوتوا ب « لا » بل اصطف الشعب الفرنسى كله خلف دستوره الجديد الذى أسس للجمهورية الرابعة.

وفى عام 1958 أى بعد اثنى عشر عاما من إقرار دستور الجمهورية الرابعة لفرنسا، قاد شارل ديجول جهد كتابة مسودة دستور جديد لفرنسا الذى طرحه للاستفتاء فى الثامن والعشرين من سبتمبر من نفس العام وحصل هذا الدستور على أغلبية بلغت 83% وأسس هذا الدستور للجمهورية الخامسة لفرنسا, إلا أن هذا الدستور الذى صوتت الأغلبية الكبيرة له أعاق شارل ديجول الذى قاد جهد صياغته عن تحقيق التطور الذى كان يأمله لفرنسا بعد، رئيسا للفرنسيين فى التاسع عشر من ديسمبر عام 1965 بالانتخاب الحر المباشر ونجح بنسبة 78% .

اكتشف ديجول وهو على رأس السلطة التنفيذية كرئيس منتخب أن هذا الدستور الذى قاد صناعته قيد من سلطات السلطة التنفيذية لحساب السلطة التشريعية فاقترح ديجول تعديلات دستورية مهمة وطرحها للاستفتاء فى السابع والعشرين من أبريل عام 1969 أى بعد أرْبع سنوات من إقرار الدستور الجديد فكانت النتيجة أن رفضت التعديلات الدستورية التى طرحها ديجول وصوت عليها الفرنسيون ب«لا» بنسبة 52,4% واضطر رئيس الجمهورية شارل ديجول الذى كتب الدستور إلى الاستقالة فى نفس اليوم.

وفى التاريخ القريب وبالتحديد فى التاسع والعشرين من مايو 2005 أُجرى استفتاء فى فرنسا على قبول دستور أوروبى موحد ورفض مشروع الدستور هذا وصوت عليه الفرنسيون ب«لا» بنسبة 55% .

لم يقسم الاستفتاء على هذا الدستور الأوروبى الموحد فرنسا، إذ لم يخرج ال45% من الفرنسيين الذين أرادوا دستورا موحدا لأوروبا ليتحدثوا عن أن فرنسا انقسمت بل على العكس عمل الشعب الفرنسى سويا يدا بيد لإنجاح دولتهم.

أما عن إيطاليا فالوضع لم يختلف كثيرا، ففى الثانى من يونيو عام 1946 كان موعد الاستفتاء الدستورى المهم وأحد أهم الاحداث فى التاريخ الايطالى المعاصر، لأن إيطاليا كانت مملكة حتى هذا التاريخ واختارت أن تؤسس للجمهورية الايطالية بعد أن صوت 54.3٪ من الايطاليين لصالح الجمهورية فى حين صوت 45.7٪ من الايطاليين لصالح ايطاليا الدولة الملكية وتم انتخاب أول برلمان لإيطاليا فى نفس تاريخ الاستفتاء. لم يقسم هذا الاستفتاء ايطاليا ولم يقسم الشعب الايطالى ولم يذكر التاريخ أن النخب الايطالية أعلنت أن هذا الاستفتاء باطل أو ان النسبة التى صوتت لصالح الجمهورية الايطالية نسبة بسيطة بل قبل الشعب الايطالى كله هذا التحول المحورى الجوهرى فى تاريخ ايطاليا بهذه الاغلبية البسيطة.

تقدمت فرنسا وإيطاليا، ولم ينقسما رغم أن نتيجة استفتاءاتهما جاءت بأغلبية بسيطة فى كثير من الأحيان، وأسستا مجتمعات ديموقراطية حديثة تناسب ثقافتهما وحضارتهما وتاريخهما وتقدمتا اقتصادياً وصناعياً وأصبحتا دولاً من الدول صاحبة أكبر اقتصاديات فى العالم والمعروفة بال (G8) حين وقفتا خلف إرادة شعوبهما الحرة.

وأخيراً، إذا أردنا أن تلحق مصر بركب الدول الديمقراطية كما ننادى ليل نهار علينا جميعاً أن نطبق الديمقراطية برمتها نظريا وفعليا على المسئولين والنخبة والشعب دون ان نجتزئ ما يخالف هوانا...والسؤال لحضاراتكم بعد عرض نموذجين من أكثر الدولة ديمقراطية وأكثرهما تشابهاً بالواقع الذى نعيشه من النواحى المذكورة، هل ترون أن التصويت بنعم أو ب لا المفترض أن يقسم مصر؟.

أتمنى على الذين يربكون المجتمع بالحديث عن «تقسيم مصر» أن يتحدثوا عن قبول نتائج الديموقراطية علناً وسراً والوقوف خلف هذا الدستور، وإن خالف آراءهم الشخصية، لتنهض مصر وتتقدم. هذا لا ينفى عن أى إنسان حر أن يعمل على تعديل أو تغيير بعض مواد الدستور، أو الدستور كله، بكل الوسائل السياسية الديموقراطية ..لكن دون أن يفزعوا الشعب وينشروا روح الفرقة بين صفوف المجتمع بالحديث عن خرافة « تقسيم مصر» أو أن يصرحوا تصريحات لا تحترم الديموقراطية وإرادة الشعب.

اختلاف الآراء فى التصويت تعنى أننا مختلفون فى الرأى، ولا يعنى أننا منقسمون، وهذا دليل صحة وعافية وتعافى لمجتمع لم يتعود أن يقرر مصيره بنفسه فى التاريخ الحديث ولا القديم. التوافق لا يعنى أن يصوت المصريون بنسبة 99.9٪ على الاستفتاء باتجاه معين، ولكن التوافق معناه أن يتوحد المجتمع على قبول نتيجة الاستحقاق الديموقراطى بالاستفتاء على الدستور أياً كانت وأيا كانت نسبتها، وأن نمضى فى بناء دولة المؤسسات الديموقراطية المنتخبة ويحتفظ كل منا بأفكاره السياسية ويدافع عنها ويسعى إلى تطبيقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.