«يا عم أحمد متقلقش.. هو عارف إن مفيش جرايد النهاردة.. انت بس اللى مكنتش تعرف»، هكذا حاول بائع جرائد بميدان لبنان تهدئة الحاج أحمد الذى يعمل حارس عقار بالمنطقة وجاء لشراء الجرائد التى اعتاد شراءها لمالك العقار، والذى لا يتهاون أمام تأخرها صباحا، وإن كان يفضل أن تكون موجودة على باب شقته منذ ليلة صدورها.. لم يصدق الرجل البسيط رواية احتجاب الجرائد اعتراضا على الاعلان الدستورى والدستور، وقرر البحث عن الجرائد فى المنطقة بأكملها. احتجاب الجرائد، أمس، والشاشة السوداء اليوم، كانا من الاجراءات التى لجأت إليها بعض وسائل الإعلام، احتجاجا على الدستور الذى قدمته الجمعية التأسيسية للرئيس، وتقرر طرحه للاستفتاء يوم 15 ديسمبر، بعدما «نالت النصوص الجديدة من حرية الإعلاميين، وقيدت أعمالهم بالعقوبات المتراوحة بين الحبس أو اغلاق الصحف «على عكس الدساتير السابقة.
ويتواكب احتجاب الصحف مع الزحف صوب قصر «الاتحادية» فى مسيرات دعت إليها القوى السياسية فى محاولة لإجبار الرئيس على التراجع عن الإقدام فى طريق الدستور المعيب»، ومن بين تلك المسيرات، يتصدر جحافل الصحفيين، شيوخ مهنتهم فى مسيرة تقصد ميدان التحرير.
الفَرشة وحشة
لم تحتجب كل الصحف وإنما 11 صحيفة فقط، ليأتى صباح الثلاثاء دون الجرائد الحزبية والمستقلة، ليتبقى فقط لإصدارات المؤسسات الصحفية القومية، وبالرغم من ذلك، بدت أكشاك بيع الصحف خالية، دون أكوام كانت تفترش الأرض، قبل أن يتولى البائع عرضها على «الفَرشة» انتظارا للأيدى الممتدة لاختيار الصحيفة، التى اعتاد أصحابها على «تناولها» فى طقس لم يعتد غالبيتهم تبديله.
«أول مرة أنزل الصبح وانا عارف إنى مش هبيع زى كل يوم.. لأن فى الليل رُزم الجرايد ماجتش.. أول ليلة أنام من غير ما أنتظر العربيات الكبيرة اللى بتوزع علينا الجرايد.. بدر السواق ماجاش ينادى علىّ زى كل يوم وهو جايب الوجبة المعتادة من الجرايد»، يقول نور، بائع الصحف الشهير فى حى شبرا.
ويضيف: «الجرايد أكل عيشى.. والفرشة شكلها وحش أوى من غيرها.. انا اضطرت أغير شكل الفرشة عشان متبقاش قدامى فاضية كدة، ويمكن الناس اللى تيجى تسأل على جورنال ومتلقيهوش.. تاخد جورنال من اللى موجودين.. أنا لولا إنى عارف إنهم نازلين عشان بيقولوا الدستور هيحبس الصحفيين ويقفل الجرايد، أنا كنت قلت ده وقف حال.. لكن هم لما يقفلوا الجرايد، ولا يحبسوا صحفى، يبقى ده وقف الحال فعلا».
فى الوقت الذى لم يذهب عدد كبير من الناس لشراء الجرائد ذهب آخرون لعدم معرفتهم بقرار احتجاب الصحف، ومن لم تفلح محاولات بائع الجرائد فى إقناعهم بأسباب الاحتجاب، جاءت مسيرة شبرا الزاحفة لقصر الاتحادية شارحة أكثر لأسباب اعتراض الناس على الدستور، ومن ضمنهم الصحفيون الذين عززوا احتجاجهم بالاحتجاب.
إفطار بدون طعم
قراءة الجرائد على المائدة فى أثناء تناول وجبة الفطار، أو قراءتها فى الأتوبيس أثناء الذهاب للعمل، أو خلال تناول ساندوتشات أمام إحدى عربات الفول المنتشرة فى كل ربوع مصر.. كل ذلك من طقوس المصريين المعتادة، والتى لم يتغير منها على مدى السنوات الأخيرة، إلا نوع الصحيفة، إذ سحبت الصحف المستقلة والحزبية من رصيد قراء الصحف القومية، ليشعر القارئ، أمس، أن هناك شيئا ينقصه.
«برامج التوك شو بنشوفها ليلا.. وبنبقى عارفين تانى يوم هيحصل إيه.. والانترنت كمان بيخلينا نقرأ المواقع الالكترونية.. لكن اللى بيقول إن الجرائد الورقية راحت عليها.. أحب أقوله انت غلطان.. لأن الصبح لو مكنش الجورنال معايا أقراه من الصفحة الأولى للأخيرة.. وحتى الكلمات المتقاطعة العبها بليل.. يبقى اليوم فيه حاجة غلط.. وده اللى حصل.. النهاردة فى حاجة غلط من غير الجورنال.. لكن برضوا هرجع وأقول من حق الصحفيين يحافظوا على حقوقهم.. وياريت كل الفئات اللى الدستور بيظلمهم كانوا يعرفوا يعملوا حاجة زى الاحتجاب ده عشان نوصل رسالتنا كلنا يقول محمد اثناء توجهه لعمله فى أحد اتوبيسات النقل العام، ليشاركه الرأى معظم الركاب، بينما يردد آخرون أن الجرائد القومية تعكس الحقيقة أكثر من الحزبية والمستقلة»، ليندلع جدل كاد يتطور إلى مشاجرة، قبل أن يتوقف السائق، ويطالب الركاب بالهدوء «أو النزول.. الأتوبيس للمواصلة مش للسياسة والخناقات».
قنابل لتفجير «صاحبة الجلالة»
العربى: مسودة الدستور منحت الجماعة الصحفية 4 مكاسب