«الشىء الوحيد الذى تفهمه تلك النظم هو الضغوط الاقتصادية»، هكذا علق رئيس البرلمان الأوروبى، مارتن شولز، على الأزمة السياسية التى تشهدها مصر هذه الأيام، وهدد بوضع ضغوط اقتصادية فى ظل الاحتجاجات الحالية على سياسات غير ديمقراطية للرئيس المصرى، داعيا أن يتعامل الاتحاد الأوروبى «بجدية» مع تطلعات مرسى للاستحواذ على السلطة. وأضاف شولز فى حوار له مع صحيفة ألمانية «يجب أن يتخذ الاتحاد الأوروبى موقفا واضحا تجاه مصر، فلا يمكن أن يكون هناك تعاون اقتصادى معها حتى تكون بها ديمقراطية تعددية.. لا يمكن ان ندعم عملا انقلابيا».
كان وفد الاتحاد الأوروبى الذى زار مصر مؤخرا قد أعلن، أنه سيتم ضخ 200 مليون يورو فى الموازنة المصرية خلال الشهر الجارى، وذلك ضمن المساعدات التى سيقدمها الاتحاد الأوروبى لمصر بقيمة 5 مليارات يورو.
ووعود الاتحاد الأوروبى بتقديم مساعدة مالية لمصر ليست الوحيدة، فقد وعد عدد من المانحون الدوليون أيضا بتقديم حزمة من المساندة المالية تصل إلى 14.5 مليار دولار وذلك بعد تدهور الوضع الاقتصادى خلال الاشهر الماضية، وهى الحزمة التى تمثل نحو 50% من حجم الدين الحكومى الخارجى فى البلد الذى ظل محافظا على معدلات منخفضة للاستدانة من الخارج لمدة عقدين، بعد تجربته المؤلمة مع الدائنين الاجانب فى الثمانينيات.
وبينما تواجه الحكومة انتقادات من خبراء فى المعارضة بسبب هذا التحول فى سياسات الاستدانة من الخارج وإمكانية تأثيره على السياسات الاقتصادية المحلية، تجد الحكومة نفسها أمام مأزق آخر بعد التصريحات التى صدرت من جهات دولية بالتهديد بعدم مساندة مصر ماليا بعد الاجراءات الأخيرة للرئيس المصرى والتى وُصفت بأنها تعيد انتاج الديكتاتورية.
ويعتبر قرض صندوق النقد الدولى لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار، أحد أبرز مكونات حزمة المساندة المالية المتوقعة ب14.5 مليار دولار، لذا كان توقيع خطاب نوايا بشأنه مع الحكومة المصرية مؤخرا دافعا ايجابيا للمحللين لتوقع تدفق جزء مهم من تلك المساندة التى تدعم موقف الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى استنزف على مدار الأشهر الماضية.
القشة التى تسند الاقتصاد
وتتوقع عالية مبيض، الرئيس الاقليمى لقطاع البحوث الاقتصادية ببنك باركليز، أنه إذا ما تم الاتفاق مع الصندوق والمضى قدما بتطبيق الاصلاحات الاقتصادية المتفق عليها فى الاشهر الستة المقبلة فإن «مصر ستحصل على الدفعة الأولى من قرض الصندوق والبنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى، والمفوضية الأوروبية، والولايات المتحدة، والودائع القطرية والتركية، والتى قد تصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار»، وهى المبالغ التى يبنى على أساسها المحللون الاقتصاديون توقعات متفائلة بتخفيض عجز الموازنة إلى 8.5% من الناتج المحلى الاجمالى بنهاية العام المالى المقبل.
وبينما تضع تلك الحزمة الوضع المالى الحرج على طريق الاستقرار، فإن الأزمة السياسية التى نشبت بسبب هيمنة التيار الدينى على عملية إخراج الدستور فى مصر تهدد بتعطلها مما يزيد من تفاقم الوضع المالى، كما يقول بعض الخبراء، «هذا وقت مناسب للغاية للاستدانة من الخارج، ولكن الأزمة السياسية الحالية تضع أمامه تحديات قوية» بحسب تعبير هانى جنينة، رئيس قطاع البحوث ببنك الاستثمار فاروس.
ويرى جنينة أن «الديون الاجنبية تعد خيارا تمويليا ملائما فى الوقت الحالى بعد أن اصبح صعبا الاستدانة من جهات محلية بسبب التوسع القوى فى هذا الاتجاه خلال السنوات الماضية، إلى جانب أن اسعار الفائدة العالمية منخفضة عند مستويات تاريخية ونسبة الدين الخارجى من الناتج المحلى 13.5% وهى نسبة منخفضة».
درس أزمة الثمانينات؟
على الجانب الآخر يحذر آخرون من أن نجاح الحكومة فى اقناع المانحين الدوليين بتقديم التمويل المزمع لمصر قد يفقد صانع القرار الاقتصادى المصرى استقلاليته أمام تلك الجهات الدولية «لقد تسببت أزمة الديون الخارجية فى الثمانينيات فى دفع مصر لبرنامج إعادة هيكلة الاقتصاد فى بداية التسعينيات والذى جاء بدفع من المقرضين الدوليين، وعودة التوسع فى الديون الخارجية يثير القلق بشأن تدخل الجهات المقرضة فى وضع السياسات الاقتصادية مجددا»، يقول عمرو عادلى، الخبير الاقتصادى ورئيس وحدة العدالة الاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وكانت حقبة الانفتاح الاقتصادى قد شهدت بداية تفاقم الديون الخارجية المصرية، ومع تطور الأزمة اتجهت الحكومة المصرية إلى الاتفاق مع كبار دائنيها على اعادة جدولة التزاماتها من خلال ما يعرف ب«نادى باريس»، وتطبيق سياسات تحررية بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
«اعادة جدولة ديوننا الخارجية لم يخفف الضغط على الاقتصاد المصرى الا لحوالى 5 سنوات بعدها تزايدت الضغوط مجددا مع عدم القدرة على تنمية ايرادات الاقتصاد المصرى، وهى المشاكل الهيكلية التى نحاول علاجها الان بالاستدانة من غير ان نرى اصلاحات فى الاقتصاد المصرى» كما يضيف عادلى.
وتشير بعض الدراسات، المعروضة فى ورقة لصندوق النقد الدولى، إلى أن التوسع فى الديون الخارجية قد يكون عاملا مثبطا لتبنى الدولة سياسات اصلاحية نظرا إلى توقع الحكومات ان الايرادات الزائدة الناتجة عن تلك الاصلاحات ستوجه إلى سداد الديون، علاوة على أنها تقيد قدرة الدول منخفضة الدخل على تطبيق سياسات اجتماعية مثل تطوير التعليم، إلى جانب ما يسببه تفاقم الديون من اشاعة مناخ من عدم الاستقرار يدفع المستثمرين إلى التوجه إلى القطاعات ذات العائد السريع.
«بالرغم من أن نسبة الديون الخارجية للناتج الاجمالى منخفضة الا أنه يقابلها دين محلى مرتفع، بنسبة 69.7% من الناتج، والتوسع فى الاقتراض دون اللجوء لإصلاحات داخلية مثل سياسات رفع الشرائح التصاعدية على الفئات الاكثر ثراء يزيد من مخاطر الوضع الاقتصادية»، كما يضيف عادلى.
ويضع تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سى أى ايه) الدين العام المصرى فى المرتبة 21 على مستوى العالم من حيث ارتفاع قيمته كنسبة من الناتج الاجمالى، مقارنة ب150 دولة، وبينما بلغ نصيب الفرد فى مصر من الناتج الاجمالى خلال الفترة من 2007 إلى 2011 2781 دولار وفقا لتقديرات البنك العربى، يبلغ نصيبه السنوى من الدين العام 2422 دولارا خلال 2012 بحسب تقديرات الإيكونومست.
إلا أن جنينة يشير إلى أن مخاطر حزمة المساندة المالية تقل مخاطرها نظرا إلى أن «نسبة كبيرة منها موجهة لمشروعات تنموية لها عائد متوقع، ونسبة أخرى ستوجه إلى تمويل القطاع الخاص ولن يضاف إلى اعباء الدين العام» كما يضيف جنينة.