لم يكن لمعهد «نور الإسلام» الأزهرى، بقرية بنى عدى فى أسيوط، نصيب من اسمه، أمس، بعد أن غطى السواد قلوب تلاميذه، وملابس معلماته، ووجوه معلميه، فى أول يوم دراسى بعد وقوع حادث القطار الذى قتل 53 طفلا. عادت الدراسة فى المعهد أمس متجاهلة الإعلان السابق عن أن الحداد 3 أيام، لأن القائمين على المعهد فضلوا استئناف العمل، تحسبا لتأثيرات سلبية لإطالة الحداد، وصعوبة إعادة الطلاب لأجواء الدراسة والمذاكرة مرة أخرى.
مع حلول السابعة والنصف صباحا بدأ توافد التلاميذ على فناء المعهد. ومن أصل 549 حضر 100 تلميذ وتلميذة فرقتهم مراحل الدراسة ومقاعد الدرس وجمعهم حزن مقيم على غياب دائم لزملائهم.
لم يشهد طابور الصباح تمارينه المعتادة ولا ألقى الطلبة أناشيدهم الحماسية، لم يكن هناك سوى حزن شديد، وعيون تترقب ما سيفعله ويقوله المعلمون.
بخطى ثقيلة وإرهاق واضح، وأقدام تأبى أن تخطو فى غياب زملائهم، دخل التلاميذ الفصول فى الثامنة إلا عشر دقائق.
تمالك مدير المعهد، محمد عبدالعزيز، نفسه وبدأ كلمته بالبسملة والصلاة على الرسول الكريم ثم قرأ من كتاب الله «إنك ميت وإنهم ميتون»، وانطلق ينقل تعازيه للطلبة أولا ثم للمدرسين، وأهالى الضحايا.
وشدد عبدالعزيز فى كلمته على ضرورة ألا يؤثر الحزن على الدراسة، وأهمية أن يتجاوز الطلبة أحزانهم بالتفوق الدراسى والعلمى والإخلاقى، مضيفا «دى كلها أعمار وآجال ومحدش يقول لو مكانوش ركبوا الاتوبيس كان زمانهم عايشين، فهذا قضاء الله وقدره ولا نقول إلا ما يرضيه تعالى».
بطفولتهم وبراءتهم صفق التلاميذ لمدير المعهد فور انتهائه من كلمته كما اعتادوا لكن التصفيق هذه المرة لم يكن بحماس المرات السابقة.
وقال عبدالعزيز ل«الشروق» إن جميع أعضاء هيئة تدريس المعهد يعيشون حزنا أليما بسبب فقدان ضحايا القطار، مشيرا إلى أن الحادثة كانت صدمة كبيرة.
وأضاف أنه يولى اهتماما خاصا لإخراج تلاميذ المعهد من الحالة النفسية السيئة التى انتابتهم جراء الحادث، موضحا أن «المعهد وضع مجموعة من الآليات التأهيلية الذى يسعى من خلالها إلى رفع الروح المعنوية لدى التلاميذ». وأكد أن إدراة المعهد قررت إطلاق اسم «قاعة الشهداء» على القاعة المخصصة لغرفة الحاسب الآلى تكريما لأرواح الضحايا، مطالبا بمحاسبة كل من يثبت تورطه فى حدوث تلك الواقعة سواء بالإهمال أو التسبب المباشر.
مدرس مادة القرآن بالمعهد، عبدالله على، قال إن «الحادث مثل بالنسبة لنا كارثة لم نكن نتوقعها فى يوم من الأيام، لكننا لا نملك سوى البكاء عليهم».
وأضاف «أحد الأطفال الضحايا، واسمه هشام حسين جاء إلى المعهد قبل الحادث بيومين دون أن يحفظ السورة المقررة عليه، فعنفته وقلت له أنا زعلان منك يا هشام، وبعد انتهاء الحصة حضر إلى يتأسف ويقول متزعلش منى يا أستاذ أنا هحفظ السورة».
أما الاستاذ عبدالعزيز عبدالهادى، مدرس مادة التفسير بالمعهد، قال «عندما رأيت منظر الكتب الدراسية المتناثرة على القضبان لم أتمالك نفسى ودخلت فى نوبة بكاء».
وانتقد موقف مشيخة الأزهر من عدم تكريم أسر التلاميذ، وإعلان الحداد العام عليهم فى جميع المعاهد الدينية التابعة للمشيخة حزنا على الضحايا.
وقال محمود سيدهم إبراهيم، مدرس مادة القرآن بالمعهد، وعيناه مجهدتان من شدة البكاء، إن جميع الأطفال الذين لقوا حتفهم كانوا بمثابة أبنائه، مضيفا أنه كان على علاقة أشبه بالصداقة ب6 من الضحايا، حيث كانوا هم أول من حفظ على يديه القرآن الكريم كاملا ولم تكن علاقته بهم مقتصرة على المعهد فقط، بل امتدت إلى خارج المعهد حيث كان يداوم على اللقاء بهم فى المسجد فى كل صلاة.