اغتيل يوم الأربعاء بصواريخ إسرائيلية حامد الجعبرى رجل حماس القوى ورئيس جناحها العسكرى والمسئول عن اختطاف الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط. لماذا؟ أعلنت إسرائيل أن هدف الضربات ضد غزة هى إعادة بناء الردع كى لا تُطلق الصواريخ على إسرائيل. وكانت أعمال القتل المستهدف التى قامت بها إسرائيل من قبل قد جعلت قيادات حماس تعمل فى الخفاء ومنعتهم من شن الهجمات الصاروخية على إسرائيل بشكل مؤقت. وطبقا لما قاله القادة الإسرائيليون، فسوف يتحقق الردع مرة أخرى باستهداف القادة العسكريين والسياسيين فى غزة وقتلهم وضرب البنية التحتية العسكرية لحماس بقوة. لكن هذه السياسة لم تكن فعالة قط على المدى الطويل، حتى عندما قتلت إسرائيل مؤسس حماس وقائدها الروحى الشيخ أحمد ياسين. إذ لم تُلقِ حماس بسلاحها حينذاك، وهى لن توقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل الآن دون اتفاق لوقف إطلاق النار.
عندما كنا نتفاوض مع حماس على إطلاق سراح السيد شاليط، كان أعضاء الفريق الإسرائيلى يعتقدون أن السيد الجعبرى لن يعقد صفقة لأن احتجاز السيد شاليط بمثابة «بوليصة تأمين على الحياة». وكان الإسرائيليون يعتقدون أنه مادام السيد الجعبرى يحتجز السيد شاليط فإن قائد حماس يعرف أنه آمن. وكان للحكومة الإسرائيلية حرية أكبر فى قتل السيد الجعبرى بعد إطلاق سراح السيد شاليط فى أكتوبر من عام 2011. إذ كانت بوليصة التأمين الخاصة به مربوطة بتقديرهم لقيمة إبقائه حيّا. وهذا الأسبوع انتهى أجل هذه السياسة.
●●● أعتقد أن إسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجيّا خطيرا وغير مسئول بتقريرها قتل السيد الجعبرى. لكن ليس معنى هذا أن السيد الجعبرى كان رجل سلام، كلا، فهو لم يكن يؤمن بالسلام مع إسرائيل ورفض الدخول فى أى اتصال مباشر مع القادة الإسرائيليين، بل وغير الرسميين مثلى. إذ كانت تعاملاتى غير المباشرة مع السيد الجعبرى تتم من خلال نظير حمساوى، هو غازى حمد نائب وزير خارجية حماس الذى حصل على تصريح السيد الجعبرى بالتعامل المباشر معى. ومنذ تولى السيد الجعبرى قيادة الجناح العسكرى لحماس كان الإسرائيلى الوحيد الذى تحدث معه بشكل مباشر هو السيد شاليط الذى اصطحبه إلى خارج غزة السيد الجعبرى نفسه. (من المهم تذكر أن السيد الجعبرى لم يختطف السيد شاليط فحسب، بل احتفظ به حيّا وضمن الاهتمام به خلال أسره).
عندما كنت أنقل الرسائل بين الجانبين تمكنت أولا من معرفة أن السيد الجعبرى لم يكن مهتما بوجود وقف لإطلاق النار طويل المدى. كما أنه كان الشخص المسئول عن تطبيق تفاهمات وقف إطلاق النار السابقة التى رعتها الاستخبارات المصرية. وقد طبق السيد الجعبرى وقف إطلاق النار فى تلك المرات فقط بعد التأكيد أن إسرائيل مستعدة لوقف الهجمات على غزة. وفى صباح اليوم الذى قُتِل فيه، تلقى السيد الجعبرى مسودة اقتراح لوقف ممتد لإطلاق النار مع إسرائيل يتضمن آليات تؤكد النوايا وتضمن الالتزام به. ووافقت أنا ونائب وزير خارجية حماس السيد حمد على هذه المسودة عندما التقينا الأسبوع الماضى فى مصر.
●●●
كان الهدف هو التحرك على نحو يتجاوز أنماط الماضى. فطوال سنوات كانت القصة هى نفسها: تكتشف الاستخبارات الإسرائيلية معلومات بشأن هجوم إرهابى وشيك من غزة. يتخذ الجيش الإسرائيلى إجراء استباقيّا بتوجيه ضربة جوية ضد الخلايا الإرهابية المشتبه بها وغالبا ما تضم مقاتلين من جماعات مثل الجهاد الإسلامى أو لجان المقاومة الشعبية أو الجماعات السلفية غير الخاضعة لسيطرة حماس، لكنها تعمل فى منطقتها. وتطلق هذه الخلايا الصواريخ على المدن الإسرائيلية القريبة من غزة وغالبا ما تخطئ أهدافها. وترد القوات الجوية الإسرائيلية بسرعة. والنتيجة النمطية خسائر فى الأفراد ما بين 10 و25 دون أن تكون هناك خسارة واحدة فى إسرائيل، مع حدوث أضرار فى كميات هائلة من الأملاك على الجانبين.
كان قادة حماس الرئيسيون الآخرون وأعضاء مجلس الشورى، وهو جهة اتخاذ القرار العليا، يؤيدون مسعى وقف إطلاق النار الجديد لأنهم، شأنهم شأن السيد الجعبرى، يفهمون عدم جدوى الهجمات الصاروخية المتعاقبة على إسرائيل التى لا تلحق ضررا حقيقيّا بإسرائيل وتخلف عشرات القتلى فى غزة. أما السيد الجعبرى فلم يكن مستعدا للتخلى عن استراتيجية «المقاومة»، وتعنى محاربة إسرائيل، لكنه كان يرى أن هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة وكان مستعدا للموافقة على وقف طويل المدى لإطلاق النار.
●●●
تُعرض هذه الحرب فى إسرائيل، على أنها حرب «لا اختيار». فشعب إسرائيل يحتشد حول العلم مثلما هو متوقع فى أى مكان فى العالم. وقد أعربت حكومة الولاياتالمتحدة عن تأييدها للعملية الإسرائيلية بقولها إن «إسرائيل لها كل الحق فى الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها». وهى بالتأكيد لها هذا الحق، لا بد أن نسأل عما إذا كانت هناك طريقة أخرى لتحقيق الهدف ذاته دون استخدام القوة أم لا.
لقد استخدمت إسرائيل أعمال القتل المستهدف والغزو البرى والطائرات بلا طيار وطائرات الإف ستة عشر والحصار الاقتصادى والمقاطعة السياسية. الشىء الوحيد الذى لم تجربه هو التوصل إلى اتفاق (من خلال طرف ثالث) على وقف طويل المدى لإطلاق النار.
لا تتغاضى حكومة على مهاجمة سكانها المدنيين بالصواريخ من أرض مجاورة. وإطلاق آلاف الصواريخ من غزة على داخل إسرائيل لابد أن يتوقف. وكانت هناك فرصة لوقف إطلاق نار يتم الاتفاق عليه بشكل متبادل. والفرق بين المقترح الذى أعددت مسودته بالتعاون مع نظيرى الحمساوى والمقترحات السابقة هو أنه تضمن كلا من آلية التعامل مع التهديدات الإرهابية الوشيكة وتعريف واضح للخروق. وكان من المقرر ترجمة هذه المسودة ومشاركة السيد الجعبرى ومسئولى الأمن الإسرائيليون، الذى كانوا على علم بجهود وساطتنا، فيها.
فى المسودة، التى أفهم أن السيد الجعبرى رآها قبل ساعات من قتله، اقتُرِح تسليم المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية المنقولة من خلال المصريين للسيد الجعبرى كى يمكنه اتخاذ إجراء يهدف إلى منع الهجوم ضد إسرائيل. وكانت ستصبح لدى السيد الجعبرى وقواته فرصة لإثبات أنهم جادون عندما أبلغوا مسئولى الاستخبارات المصرية أنه لا رغبة لهم فى التصعيد. ولو وافق السيد الجعبرى على المسودة لمنعنا هذه الجولة الجديدة من العنف. ولو رفض لكان من المرجح أن تهاجم إسرائيل بالطريقة التى تهاجم بها الآن.
●●●
كان المقترح جديرا بالاختبار على أقل تقدير. وعلاوة على ذلك، فقد تضمن فهم أنه إذا كان على إسرائيل إبطال مفعول قنبلة موقوتة أى الأشخاص الذين يوشكون على الاستعداد لإطلاق صاروخ فلن تُعتبَر هذه الضربة خرقا لوقف إطلاق النار ولن تؤدى إلى تصعيد.
بدلا من ذلك مات السيد الجعبرى وماتت معه إمكانية وجود اتفاق وقف إطلاق نار طويل المدى. وربما تكون إسرائيل قد ألحقت كذلك ضررا بقدرة مسئولى الاستخبارات المصرية على الوساطة لوقف قصير المدى لإطلاق النار وجعلت اتفاقية سلام إسرائيل مع مصر فى خطر.
لم يكن ذلك حتميّا، وكان من الممكن أن تكون الغلبة للتفكير الأكثر هدوءا. إن اغتيال السيد الجعبرى يزيل أحد الأطراف الفاعلة الأكثر عملية على الجانب الحمساوى.
فمن الذى سيحل محله؟ لست مقتنعا بأن قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين قد أجابوا عن هذا السؤال الإجابة اللائقة.
2012 كل الحقوق محفوظة لشركة النيويورك تايمز لمبيعات الخدمات الصحفية . يحظر نشر هذه المادة او اذاعتها او توزيعها باى صورة من الصور .