«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات حول مسودة الدستور: (2-2)
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 11 - 2012

لقد كنا فى لجنة تعديل دستور 1971 قد افترضنا تعديلا للمادة 73 بأن تكون رعاية الحدود بين السلطات «فى حدود الدستور والقانون»، حتى يصير الرئيس خاضعا لحكم المؤسسات الدستورية فيما يفعل ويصير خاضعا للقوانين التى تصدرها السلطة التشريعية فى ذلك أيضا. واقترحنا حذف المادة 74 برمتها من دستور 1971 ليفقد رئيس الجمهورية مكنه أن تكون له وسيلة «دستورية» تمكنه من اعتلاء مؤسسات الدولة والاستبداد بها.

وكان من خلفيات هذين الاقتراحين أن الرئيس أنور السادات استخدم هذين النصين لفرض استبداده الفردى الذى أدى به إلى إبرام معاهدة الصلح مع إسرائيل وإلى اعتقال من اعتقل فى خلال السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه، كما كانت هذه النصوص تمكن حسنى مبارك من ذات القدرات لولا أنه لم يجد مبررا لاستخدامها، لأن تزوير الانتخابات وحالة الطوارئ كانتا كافيتين لكفالة الاستبداد الفردى له.

وأن اقتراحات لجنة تعديل الدستور فى هذا الصدد مع غيرها من اقتراحات تحديد سلطات رئيس الجمهورية لم يشملها الاستفتاء الذى جرى فى 19 مارس سنة 2011 اكتفاء بموافقة المجلس العسكرى على أن يطرح فى الاستفتاء خطة إعداد دستور جديد تماما، تشكله لجنة مختارة اختيارا حرا من هيئة منتخبة انتخابا حرا ونزيها فى ظل مجلس شعب ورئيس جمهورية منتخبان انتخابا حرا ونزيها. ولم يكن يجول بالذهن أن يقفز هذان النصان رقمى 73، 74 إلى مشروع الدستور المطروح برقمين مختلفين هما م134 و148. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والنقطة الثانية فى سلطات رئيس الجمهورية تتعلق بالمادة 155 من مشروع الدستور التى نصت على أن «يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس الوزراء ونوابه والوزراء فيما عدا تلك المنصوص عليها بالمواد...» (وهى المواد المتعلقة بالوضع المالى لرئيس الجمهورية وتسميته رئيس الوزراء وحله مجلس النواب وإصدار القوانين وتعيين العسكريين والدبلوماسيين وإعلان حالة الطوارئ). وهذا النص (فيما عدا الاستثناءات) مأخوذ من دستور 1923، إذ كانت المادة 48 منه تنص على أن «الملك يتولى سلطته بواسطة وزرائه». وكانت نصا يعكس حالة الصراع السياسى العنيف عند وضع الدستوريين من يريدون الملك أن يملك ولا يحكم فيكون رمزا فقط وهؤلاء ينشدون أن تكون السلطة كلها فى أيدى الوزراء المسئولين أمام مجلس النواب، كان الصراع يقوم بين هؤلاء وبين من ينشدون أن تبقى السلطات كلها وعلى الوزراء أنفسهم فى أيدى الملك، وكان احتدم الصراع بين الفريقين حتى لم يستطع أحدهما أن يتفوق على الآخر، فتضمن الدستور نصوصا تعطى الملك سلطات التعيين والسيطرة كما تضمن هذا النص السابق، وترك الفريقان للمستقبل والصراع المستقبل أن يحسم «التفسير القانونى» لكل هذه النصوص، هل ستبقى السلطة للملك أم ستنتقل إلى وزراء مجلس النواب. هذا النص وضع فى ظرف سياسى مغاير تماما للظرف الذى نحياه.

ولا ندرى كيف يمكن تطبيق هذا النص فى ظل سلطات معطاة فعلا للوزراء ورئيسهم أوردها الدستور وفى ظل رئيس جمهورية ينتخب كل أربع سنوات ولمدتين فقط. كما لا ندرى كيف يمكن أعمال هذا النص مع نص آخر ورد بالمشروع ذاته برقم 157 وقضى بأنه «يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض أيا من اختصاصاته إلى رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو المحافظين، وذلك على الوجه الذى ينظمه القانون» وما دام أن القانون هو الأداة التى تنظم التفويض، فكيف يصدر قانون يجيز لرئيس الجمهورية أن يفوض ما ترك على سبيل الحصر والتخصيص له، سواء حل مجلس النواب أو تعيين العسكريين أو غير ذلك. وذلك ما دامت هذه الاختصاصات مستبعدة مما يتولاه رئيس الجمهورية بواسطة وزرائه، بمعنى أنه هل يجوز للقانون الذى تصدره السلطة التشريعية أن يجيز تقويض رئيس الجمهورية فى سلطاته المحتجزة دستوريا له، يجيز التفويض فيها للوزراء والمحافظين؟! وإن كان ذلك كذلك فلماذا استبعدت هذه الاختصاصات مما يتولاه رئيس الجمهورية بواسطة وزرائه طبقا لنص المادة 155. الأمر يدعو للحيرة.

النقطة الثالثة، أن المادة 136 من المشروع التى حددت شروط الترشيح لرئيس الجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وبذلك فهى تسمح للرئيس أن يكون مزدوج الجنسية يحمل مع الجنسية المصرية جنيسة دولة أخرى حلف لها يمين الولاء وأقسم بانتمائه لها، وهى تجيز له أن يكون من أبوين مزدوجى الجنسية، وأن يكون متزوجا من أجنبية. رغم أن الدبلوماسيين حتى من أصغر الرتب ممنوع عليهم التزوج من أجنبية، فما بالك برأس الدولة الذى يمثلها بين دول العالم أجمع. ورغم أن العسكريين حتى من أصغر الرتب ممنوع عليهم ذلك أيضا، فما بالك بالقائد الأعلى للقوات المسلحة. ورغم أن ثمة أحكاما من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بمنع مزدوج الجنسية من أن يتولى منصبا ذا ولاية عامة وحرمت عضوا بمجلس الشعب من عضويته لهذا السبب، وسندت حكمها بأن حلف يمين الولاء لدولة أخرى يجرده من إمكانية توليه هذه الولاية العامة، وكان هذا عن عضو مجلس الشعب فما مالك برئيس الجمهورية، وكانت التعديلات الدستورية التى جرى الاستفتاء عليها فى 19 مارس سنة 2011 تتضمن استبعاد مزدوجى الجنسية وأبنائهم والمتزوجين من أجنبيات من إمكان الترشح لرئاسة الجمهورية، وكان ذلك استنادا لهذه الأسباب وهى كلها مثارة من سنين عديدة قبل الثورة فلا يمكن القول بأن كان المقصود بها مرشح بعينه.

والغريب أن مشروع الدستور ذاته الذى أجاز لمزوج الجنسية أن يكون رئيسا للجمهورية قد حرم فى المادة 163 رئيس الوزراء والوزراء من أن يكون أى منهم مزدوج الجنسية وشرط فيهم جميعا «أن يكون مصريا غير حامل لجنسية دولة أخرى». وأن التناقض بين النص واضح للقارئ.

بقيت نقطة أخيرة فى هذا السياق، وهى مسألة تتعلق بالصياغة الفنية، إذ توجب المادة 143 «على رئيس الجمهورية وأفراد أسرته، تقديم إقرارات ذمة مالية، وكذلك نصت المادة 168 بالنسبة لأعضاء الحكومة. وأن حسن الصياغة يقتضى أن تحدد الأسرة وينص على من تشملهم من زوجة وأولاد قصر أو غير قصر حتى لا يترك التعريف للاختلافات. وكذلك فإن الالزام بتقديم الإقرار يكون على رئيس الجمهورية ذاته أو عضو الحكومة، فلا يمكن إجبار من ليست له صلة مباشرة بالسلطة أن يقدم الإقرار، وإذا لم يقدمه من الذى سيحاسب؟ رئيس الجمهورية أم فرد الأسرة، وكيف يحاسب رئيس الجمهورية على عدم وفاء غيره بالتزامه حتى إن كان ابنه. ان الصياغة يجب أن تكون ملزمة للرئيس أو عضو الحكومة تقديم الإقرار عن نفسه وعن أفراد أسرته بالتعريف الذى يحدده النص. ويكون هو المسئول عما يرد بالاقرارات التى يقدمها عن نفسه وعنهم.

●●●
وبالنسبة للسلطة القضائية فثمة ملاحظتان أحسبهما مهمتين عن مجلس الدولة والمحكمة الدستورية، فبالنسبة لمجلس الدولة (المادة 181) أتصور انه يحسن ان يضاف إلى مهامه «تولى مراجعة مشروعات القوانين التى تتقدم بها الحكومة إلى البرلمان». لأن مجلس الدولة هو الجهة القضائية المختصة تاريخيا فى التوزيع المؤسسى للاختصاصات، أن تراجع مشروعات القوانين ولديه قسم خاص بالتشريع لهذه المهمة منذ وجد.

وبالنسبة للمحكمة الدستورية فثمة خطأ جسيم ورد بالمادة 183 المتعلقة بتعيين أعضائها واستقلالهم، ذلك أن الفقرة الثانية من هذه المادة أوكلت أمر التعيين فى المحكمة الدستورية للجمعيات العمومية الخاصة بالمحكمة الدستورية ومحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف. ووجه الغرابة هنا أننا لم نعرف من قبل أن تتولى جهات خارجية سلطة التعيين بجهة أخرى، أن الأصل أن من يملك التعيين لأية جهة مؤسسية هو هذه الجهة المؤسسية ذاتها إذا كانت جهة ذات استقلال عن غيرها، أو أن تكون جهة رئاسية لها إذا كانت مؤسسة من مؤسسات الإدارة التابعة للسلطة التنفيذية. أما ان كانت مستقلة خاصة أن كانت جهة قضائية، فإنه مما يتنافى مع استقلالها أن تكون جهات أخرى هى من يتولى التعيين بها فضلا عن مساس ذلك باستقلال هذه الجهة، فإنها هى الأقدر من حيث التخصص الفنى والمهنى والعلمى على أن تختار من ينضم إليها. وأن القانون رقم 48 لسنة 2011 الذى كان أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان أكثر مراعاة لاستقلال هذه المحكمة ممن وضعوا نص المشروع الحالى بالجمعية التأسيسية، وهذا وجه من وجوه التناقض الغريب.

(5)

انتقل إلى عدد من الملاحظات القصيرة ولكننى أحسبها مهمة، وذلك بالنسبة للنصوص والأحكام الواردة بالبابين الأول والثانى من مسودة الدستور، وهما الباب الخاص بالدولة والمجتمع والباب الخاص بالحقوق والحريات والواجبات العامة.

أولا: فالمادة 3 تنص على أن مبادئ شرائع المصريين المسيحيين واليهود هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية «وشئونهم الدينية» واختيار قياداتهم الروحية. وأحسب أن «الشئون الدينية» أكثر عموما مما يجوز، بمعنى أنه قد يظهر فى مستقبل غير منظور من يذكر أن الشئون الدينية تشمل معاملات الناس أو بعضها من أحوالهم المدنية التى تشملها فيما نظن عمومية التشريعات التى تصدق على المصريين جمعيا بجامع المواطنة. ومثل هذا الفهم قد يعود بنا إلى نظام الملة. وهذا أمر يتعين تفادى احتمالاته وإن كانت بعيدة، فنحن لا نعرف ما سيظهر فى المستقبل من أقوال وتفسيرات، والدستور هو صيغة نصوص تحكم الجميع لمراحل طويلة نسبيا. ونحن المواطنين أشد حرصا على روابط المواطنة ونعمل على تفادى أى احتمال ولو كان ضعيفا ولو كان بعيدا لعودة نظام الملة بين المواطنين. واقترح أن نستبدل بعبارة «شئونهم الدينية»، عبارة «شئونهم العبادية» أو التعبدية، وهى عبارة تتوافق مع العبارة الأخيرة الواردة بالنص وهى «اختيار قياداتهم الروحية» المتميزة عن القيادات المدنية والسياسية.

ثانيا: المادة 4 تتعلق بالأزهر الشريف، وقد أطلق النص جملة من العبارات بالغة العمومية وغير المحددة المعنى، مثل «يختص وحده بالقيام على جميع شئونه» ثم تليها عبارة «مجاله الأمة الإسلامية والعالم كله». فهل هذا يعنى أنه هيئة دولية، أو أنه خارج بوجه ما عن سيادة الدولة المصرية، وما مؤدى هذه العبارات بالغة العموم وغير محددة المعنى، وإذا كان بعيدا عن سيادة الدولة المصرية فكيف يلزم الدستور بأخذ رأيه فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية ومنها القوانين المطبقة فى مصر بطبيعة الحال. وعبارة «يختص وحده» يكفى عنها لفظ «يختص» لأن الاختصاص حسبما جرى الصياغات القانونية والتفسيرات اللغوية والاصطلاحية يفيد الاستبداد بالأمر فهى لا تحتاج إلى لفظ «وحده».

ثالثا: المادة 21 تتعلق بنصيب العاملين فى إدارة المشروعات وأرباحها وأنهم يمثلون بخمسين فى المائة فى عضوية مجالس إدارة وحدات القطاع العام، وبثمانين فى المائة فى مجالس الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية، ووجه الملاحظة بالنسبة للجمعيات التعاونية أن العاملين فيها هم الموظفون الإداريون وعمال الخدمات بالجمعية، وليسوا الزراع والصناع، والزراع والصناع هم أعضاء الجمعيات وليسوا عاملين بها وهم المقصودون بنسبة الثمانين فى المائة، لذلك يتعين تعديل النص بشأنهم ليكون كما يلى «كما يكون للمساهمين فى الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية نسبة ثمانين فى المائة على الأقل فى عضوية مجالس إدارتها».

رابعا: المادة 23 تتكلم عن أن الملكية الخاصة مصونة وتؤدى وظيفتها الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد الوطنى. وهو نص حسن ولكن كان يتعين أن يقترن به بعده أو قبله نصان آخران أحدهما يشير إلى الملكية العامة وصونها فهى ملكية الشعب كل، وملكية مصر كلها يتعين أن تشملها عين الرعاية الدستورية، ونص آخر يشير إلى الملكية التعاونية، وقد كان الدستور السابق لسنة 1971 يفرد لهذين النظامين من نظم الملكية المواد 30، 31، 33.

خامسا: المادة 29 من باب الحقوق والحريات والواجبات العامة تتكلم عن الجنسية المصرية وحظر إسقاطها عن مصرى ثم تذكر «ولا يجوز الإذن بتغييرها ممن اكتسبها إلا فى حدود القانون» ولفظ الاكتساب قد يعنى عند البعض وفى بعض التفسيرات أن النص حكمه قاصر على من اكتسب الجنسية المصرية من الأجانب دون من اتصف بها بالميلاد وهم السواد الأعظم من المصريين، وتفاديا لهذا التفسير الضيق الخاطئ يحسن أن يستبدل بهذه العبارة العبارة الآتية «ولا يجوز لمن يحملها أن يتخلى عنها إلا فى حدود القانون».

سادسا: المادة 38 «تحظر الإساءة أو التعرض إلى الرسل والأنبياء كافة» والمقصود طبعا حظر التعرض بما لا يليق ولا يتفق مع ما يلزم لكل منهم من توفير واحترام، ولكن لفظ «التعرض» وحده أعم مما يجوز، لأنه لا يحدد نوع التعرض. لذلك استحسن أن يكون الخطر عن «الإساءة أو التعرض بما لا يليق بمقام الرسل والأنبياء كافة».

سابعا: المادة 41 تنص على أن «حرية الحصول على المعلومات.. أيا كان مصدرها ومكانها حق...» وأن الدولة تلتزم بتمكين المواطنين «من مباشرة هذا الحق...» بما لا يتعارض مع الأمن القومى أو ينتهك الحياة الخاصة. والعبارة الأولى من النص غير دقيقة «فالحرية» تتعلق بما يمارسه الإنسان بمبادرة منه، والحق هو ما يطلبه من الغير، والحصول على المعلومات ليس حرية تمارس وإنما هى حق يستأدى أى يطلب من الغير، والقول بأنه حرية تمارس يعنى ان يكون لأى شخص حق اقتحام المصالح العامة مثلا وفتح الملفات والإطلاع على ما فيها. وهذا غير مقصود طبعا، إنما المقصود أن يطلب المعلومات وأن يجاب إلى طلبه من المختصين فى الدولة.

ووجه الاعتراض الثانى على النص، أن ثمة من المعلومات ما لا يتعارض مع الأمن القومى ولا يمس حرمة الحياة الخاصة، ومع ذلك يظل فى نطاق عدم السماح بالنسبة للاطلاع عليه إلا بالأوضاع التى يحددها القانون. مثال ذلك العطاءات المقدمة فى المناقصات العامة والمزايدات العامة، لا يجوز للمتنافسين من أصحاب العطاءات الاطلاع على عطاءات غيرهم إلا فى جلسة فض المظارف وإلا فسد نظام المنافسة، وكذلك ما يعده القضاة ويتداولونه سرا بين بعضهم البعض قبل النطق بالحكم، والأمثلة أكثر من تحصى فى هذا الشأن. لذلك فإنه يتعين أن يكون حق الحصول على المعلومات مقرر بعامة ومحال تنظيمه إلى القانون أو القوانين التى تصدر بشأنه.

ثامنا: المادة 46 تكفل للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب بمجرد الإخطار «وتكون لها الشخصية الاعتبارية». وأن تكون أى جماعة بالإخطار فقط ممكن، ولكن أن تكسب الجماعة «الشخصية الاعتبارية» بمجرد هذا الإخطار أمر فيه خطر، ولا أقصد بذلك التقييد لحق المواطنين فى تشكيل جمعياتهم ولكننى أقصد صون حق المواطنين الذين يتعاملون مع هذا الشخص الاعتبارى، لأن أصل شرعه الشخصى الاعتبارى أنه كيان قانونى ينظمه القانون لحماية الغير الذى يتعاملون معه وكذلك حماية للمساهمين فى هذا الشخص الاعتبارى فى علاقاتهم مع بعضهم البعض. فكيف تحل هذه المسائل وتوضح وتنظم بمجرد الإخطار الذى يقدمه من يشاء حسبما يشاء فى أى وقت يشاء، والسؤال هل يمكن أن ينشأ شخص اعتبارى يتعامل مع الناس ماليا ومعنويا بهذه الكيفية، بيعا أو إيجارا وممارسة للمهن وإصدار للتراخيص وغير ذلك. لابد أن تكون الشخصية الاعتبارية مما لا يكتسب إلا بالنظام الذى يضعه القانون، أما الحق الأصلى للنشاط الاجتماعى والسياسى من الجماعات فيكون متاحا بموجب الإخطار دون قيد جنائى عليه.

تاسعا: المادة 54 تقول فى أولها «الصحة حق مكفول لكل مواطن، وتوفر الدولة خدمات الرعاية والتأمين الصحى للمواطنين». والنص مقصود به أن توفر الدولة هذه الخدمات، أما العبارة التى تصدرت النص فهى ليست حكما تشريعيا، لأن «الصحة» فى ذاتها ليست حقا مكفولا لأى من البشير بموجب نص تشريعى، أنها فى ذاتها من قدر الله سبحانه، وأن بقاءها أو زوالها هما من أمور الغيب، ونحن ليست لنا حقوق تجاه الغيب، ولا يجدينا كبشر فى ذلك نصُ حتى لو كان دستوريا وأصدرته جمعية تأسيسية منتخبة من هيئات تمثل الشعب المصرى فى انتخابات نزيهة بعد ثورة شعبية طيبة. لذلك اقترح حذف العبارة الأولى من النص وهى «الصحة حق مكفول لكل مواطن» ويبقى النص بعد ذلك «توفر الدولة خدمات الرعاية....».

عاشرا: المادتان 7، 13 تحددان أن الأسس التى يقوم عليها الاقتصاد الوطنى. وأرجو أن تذيل كل مادة منهما عبارة «وترعى الدول تحقيق هذه الأسس الاجتماعية» وذلك فى آخر المادة 7، وعبارة «وترعى الدولة هذه الأهداف» فى آخر المادة 13. لانها أمور يتعين ان تلتزم الدولة بها، وقياسا على كل المبادئ التى جاءت فى المواد الأخرى المصاحبة، وحتى لا تكون مبادئ المادتين 7، 13 مبادئ يتيمة ليست من مؤسسات الدولة من يلتزم بواجب رعايتها.

حادى عشر: ان نص المادة 200 الخاصة بالقضاء العسكرى تحصر اختصاصه بحق فى اطار العسكريين وتنص فى آخر الفقرة الأولى منها «ولا يجوز بحال أن يحاكم امام القضاء العسكرى إلا العسكريون ومن فى حكمهم». والحكم بهذه الصياغة سليم ولكنه ناقص لأن المحاكم العسكرية فضلا عن اختصاصها بالقضاء على العسكريين، فهى يتعين أن تكون هى الجهة المختصة بمحاكمة أى شخص عما يرتكبه فى معسكرات القوات المسلحة، ونفوذ القضاء العسكرى يتعين أن يشمل العسكريين كما يشمل ما يرتكب من جرائم أو مخالفات فى المعسكرات الحربية وكذلك ما يتعلق بالتعرض للمعدات العسكرية، لأن ذلك كله يتعلق بشئون الجيش. لذلك استصوب أن يضاف إلى النص السابق الوارد بآخر الفقرة الأولى «ولا ما يرتكب من جرائم فى المعسكرات أو على المنشآت والمعدات والعسكرية».

ثانى عشر: المادة 146 تنص على ان يلقى رئيس الجمهورية بيانا حول السياسة العامة للدولة فى جلسة مشتركة بين مجلسى البرلمان عند افتتاح دور انقعادها. وكنت أظن أنه من الأصوب أن يرد بالنص أن يكون هذا البيان بعد الاتفاق مع الحكومة حتى تشمله المسئولية الوزارية أيضا، وهذا حكم يتفق مع النظرة العامة التى انتهجها مشروع الدستور من توزيع جوانب السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب وبين الحكومة رئيسا ووزراء المؤيدة من مجلس النواب.

ثالث عشر: المادة 58 تشير إلى كفالة الدولة الحياة الآمنة لكل إنسان مقيم على أراضيها وتوفر الحماية القانونية اللازمة له «وتكفل حصول المستحقين على تعويض عادل فى حالات القتل أو العجز الناشئ عن الجريمة...»، وأرجو أن تضبط عبارات النص حتى لا يفهم منه أحد فيما بعد أنها ملزمة من مال الدولة بتعويض ما لم يقع منها أو من تابعيها من جرائم قتل وعجز. ونتوخى وضوح النص حتى لا يساء فهمه فى تطبيق مستقبل.

رابع عشر: المادة 68 تتكلم عن مساواة المرأة بالرجل «دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية» وقد لوحظ تمسك من الغيورين على الشريعة بإيراد هذه العبارة كما لو أن عدم إيرادها سيمكن من خرق أحكام الشريعة فى هذا الأمر، كما لوحظ تمسك العديد من الليبراليين بحذفها كما لو أن إيرادها سيضعف حقوق المرأة إزاء الرجل، والظن لدى أن النصوص كلها يفسر بعضها بعضا، وأن نص المادة الثانية ضامن إعماله مع كل نصوص الدستور الأخرى لأن احكام الدستور مرتبط بعضها ببعض دلالات النصوص متساندة وتكرار أى حكم لا يفيد تأكيدا زائدا له فى التطبيق وعدم التكرار لا يفيد نقصا فى التأكيد. لذلك أرى هذا الخلاف ليس بذى نتيجة عملية تطبيقية وهذا ما تعلمناه فى صياغة التشريعات وتفسيرها. وقد لاحظت أحيانا فى صياغة بعض النصوص استعمال عبارات مثل «لا يجوز بحال»، وهذا تأكيد لا محل له لأنه لا مراتب فى المنع، وينبغى للمشروع أن يعلو عنه لأن لفظ (لا يجوز) كاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.