«إحنا بنموت وهما قاعدين فى المكاتب والمكيفات»، هكذا بدأ أمناء الشرطة وأفرادها من العاملين فى شمال سيناء الكلام عن أسباب اعتصامهم أمام مديرية الأمن أمس الأول، وهو الاعتصام الذى نقلوه إلى الأقسام الشرطية المختلفة حتى فجر أمس. توقف الوجود الأمنى فى مظاهر الحياة بمدن شمال سيناء فيما يشبه الإضراب عن العمل، لكن هذا التوقف لم يمنع السكان من العيش بسلام كما لم تتعرض أى ممتلكات للسرقة، رغم أن دوريات الشرطة اختفت من الشوارع واكتفت بالوقوف أمام مقار الاقسام بلا عمل.كان الطريق الى سيناء سهلا، فيكفى أن يتصادف وجود أمين شرطة بالسيارة التى تستقلها لتعبر كمين التفتيش الموجود قبل مطلع كوبرى السلام بسهولة ودون تفتيش، على الرغم من أنه الكمين الوحيد الموجود فى طريق يمتد طوله إلى أكثر من 200 كيلومتر تنتهى بمدينة رفح المصرية ثم الحدود مع فلسطين والطرق المؤدية للأردن والعراق.
4 كمائن شرطة موجودة فى الطريق شبه خالية من رجال الشرطة والجيش، وخلال سفرك قد تلاحظ سيارات شرطة تسير برفقتك على الطريق متوجهة للعريش على طريق يسيطر الظلام الدامس على غالبيته، فأعمدة الإنارة لا تضاء، ومع غياب رادارات رصد السرعة؛ تتجاوز سرعة السيارات 140 كيلومترا فى الساعة، حيث تتسابق سيارات الأجرة فى سرعة عبور بعض الأماكن الوعرة جغرافيا.
يقسم السكان بالعريش أنفسهم إلى 3 أنواع، فمنهم البدو الذين يعيشون فى الصحراء على الرعى والزراعة، والمصريون الذين يمثلون الاسر والعائلات القادمة من الدلتا لتعمير سيناء ويقيم غالبيتهم فى عقارات شيدتها الدولة من 5 طوابق وجاءوا بعد الحرب إلى سيناء، ثم العرايشية المقيمون فى العريش وهم الذين أمضوا حياتهم فى المدينة منذ سنوات طويلة، ولكل منهم طباعه وعاداته.
«وافقنا على طلب الوزير بفض الاعتصام أمام مديرية الأمن ونقلناه للأقسام ولن نتحرك قبل لقاء مدير الأمن الجديد وكيف سيتعامل معنا»، يقولها الأمين محمد الموجود بإدارة المرور بالعريش بعد قرار تعليق العمل والاعتصام بمقر الادارة خلال مواعيد عملهم وإغلاق الإدارة فى وجه المواطنين لليوم الثانى على التوالى.
يصف الأمين مشهد مغادرته لمنزله وعائلته قائلا: «أنا بأبقى خارج من بيتى فى الشرقية وجاى العريش علشان اقضى مدة ال15 يوم بتوعى وزمايلى فى البلد بيقولولى ربنا معاك فى الجبهة»، مضيفا «انا لما بأسيب بيتى بأبقى عارف انى ممكن ما ارجعش تانى من اللى بشوفه هنا، وممكن آخد لى أى طلقة وأنا ماشى وآخر مرة جيت من يومين كان فى عائلتين قاطعين الطريق وفضلت متعلق فى الطريق 6 ساعات لأن الشرطة خافت تيجى بسبب السلاح اللى معاهم».
يؤكد محمد على أنهم يتعرضون لضغوط ومتاعب عصبية بشكل كبير بسبب الاوضاع الامنية المضطربة وتراخى القيادات فى القبض على المجرمين من البدو خوفا من رد فعل قبائلهم والسلاح الذى بين أيديهم، مشيرا إلى أن مديرية الامن بحاجة إلى هيكلة كاملة حتى يمكنها السيطرة على الاوضاع والتعامل بحزم مع الخارجين عن القانون.
العاصفة التى استقبلت وزير الداخلية باعتصام أمناء الشرطة وافرادها صباح أمس الاول هدأت ليلا، فمباراة الاهلى والترجى جعلت المدينة شبه خالية من الحركة لكن المقاهى كانت مكتظة بروادها لمتابعة مباراة الفريق المصرى بالبطولة الافريقية، لكن الأمناء المعتصمين بأقسامهم ظلوا مضربين عن العمل كما علق بعضهم لافتات تطالب بتطهير الوزارة.
المشهد أمام مديرية أمن شمال سيناء اختلف كثيرا عن ذى قبل، 4 مدرعات من القوات المسلحة تقف أمامها لحمايتها ورمال تغلق كل الطرق والمناطق المحيطة لتمنع وصول السيارات إلى أبوابها باستثناء السيارة التى يسمح لها باجتياز بوابة التفتيش، فيما يجلس عدد كبير من الضباط بجوار إحدى المدرعات يتابعون فيلم سينمائى على جهاز لاب توب.
إجراءات الأمن المشددة حول المديرية بدأت بعد الثورة حيث تم بناء سور مضاد للرصاص وإيقاف مدرعتى شرطة وغلق الشوارع الجانبية المؤدية لها بارتفاع نحو نصف متر من الرمال، وانتشار الحزام الذى يقوم بتعطيل كاوتشات السيارات.
الاوضاع المضطربة بالمحافظة لم تمنع المجندين من متابعة المباراة، أيضا، حيث جلس أكثر من 500 مجند على المقهى القريب لمتابعتها وعادوا سريعا بعد انتهائها لمكان عملهم، وكان الهدوء سيد الموقف باستثناء صوت أحد الضباط الذى علا ليعنف مجندا أحضر له نوع سجائر خلاف التى يدخنها.
سيارات شرطة حديثة وسيارات أمن مركزى بدأت تصل الى مديرية الامن ضمن التعزيزات القادمة من مناطق متفرقة، حيث وصل ضباط من الوزارة بالقاهرة ومجندون من قطاعات اخرى ليأخذوا أماكنهم أمام مديرية الامن ضمن قوات التأمين، فى وقت غاب فيه التأمين عن باقى شوارع المدينة التى اطفأت انوارها مبكرا.
«كل شوية من ده، وساعات بتوصل للضرب مش الشتيمة بس كمان» يقولها أحد المجندين رفض ذكر اسمه بحسرة حزنا على الوضع الذين وصلوا إليه، مشيرا إلى أنهم عندما يخرجون فى مأمورية لتفتيش السيارات يقف المجندون والافراد لتفتيش السيارات فى حين يجلس الضابط فى منطقة بعيدة عن الشمس.
يشير المجند الى الضباط الجالسين أمام جهاز لاب توب «كل يوم من ده خصوصا اللى جايين مأموريات 15 يوم وراجعين، يقعدوا يتفرجوا على الافلام ويكلموا بنات، ولما يخلصوا يقوموا يروحوا أو يتفسحوا بالعربيات، وفى أى اشتباكات بتلاقيهم جروا يستخبوا جوه المديرية او العربيات».
ويتابع: «سأروى قصة اغرب من الخيال لكنها تحدث فى سيناء، خلال وقوفنا بأحد الأكمنة ضبطنا سيارة نقل كبيرة قادمة من رفح وتحمل لوحات معدنية لسيارة ملاكى فاستوقفها الضابط وقام بتفتيشها وتبين أن قائدها لا يحمل أوراقا وأن بها 3 اسلحة الية وطبنجة صغيرة، فتم إيقافها والاتصال بالمديرية للإبلاغ وفى نفس الوقت كان تباع السيارة يقوم بالاتصال بأهله».
وأضاف: «رغم الفارق فى المسافة فمديرية الامن كانت اقرب من شيخ القبيلة إلا أن شيخها وصل قبل أن يصل ضابط المديرية وعند وصوله اعتذر العقيد لشيخ القبيلة عما حدث بعد حديث بينهم عن أحقيتهم فى السلاح والحصول عليه وتم السماح للسيارة بالمرور وإلقاء اللوم على الضابط حديث التخرج الذى لم يعرف على من يلقى القبض»، وبعد هذا الموقف مطلوب منى أن اقف واتعرض للخطر فى وقت تتنازل فيه القيادات عن تطبيق القانون وحقوقنا كمجندين.
واصل أمين شرطة، من ابناء الدلتا، الكلام مؤكدا أن ترشيحهم للواء سميح بشندى لمنصب مدير الامن الجديد راجع إلى كونه القيادة الامنية الوحيدة بالمديرية التى تتواجد معهم فى الأكمنة وقيامه بالتفتيش المفاجئ اكثر من مرة وزيارته لهم إذ تعرضوا لأى اعتداءات وغيرها.
وأشار إلى أن الضباط دائما ما يتعاملون معهم بطريقة سيئة للغاية، ويتجاهلون جهودهم، رغم ان الضابط يجلس فى مكانه ولا يتحرك مستشهدا بأن جميع الشهداء والمصابين تقريبا فى وقائع إطلاق النار من الجنود والامناء وليس من بينهم ضباط.
يؤكد أن المشكلة الكبرى فى الضباط والامناء الذين يأتون فى مأمورية لمدة 15 يوما ولا يعرفون طبيعة المكان وخريطته الجغرافية، مما يوقعهم بالعديد من المشكلات ويعرض الموجودين بالخدمة للخطر، فالبدو يتعاملون مع الشرطة كجهاز واحد وأى تصرف غير مسئول من ضابط قد يدفعهم لمهاجمة كمين أمنى وإطلاق النار على الموجودين فيه باعتبارهم من نفس الجهاز.
«من المفترض ألا تتحرك سيارة شرطة إلا وبرفقتها مدرعة» هكذا يتحدث الامين عبدالعزيز، مشيرا إلى أن الواقعة الاخيرة التى استشهد فيها 3 من زملائه كان بالفعل برفقتها مدرعة لكن ابتعاد سيارة النجدة عنها مكن الملثمون من اطلاق الرصاص خاصة أن قائد المدرعة عندما شاهد الموقف هرب بها إلى أحد الشوارع الجانبية خوفا من ان يكون بحوزتهم قذائف ار بى جى او هون يلقونها عليه.
من خلال كشك صغير يرى الشيخ طارق إمام وخطيب الاوقاف بالمنطقة المحيطة بمديرية الامن القادم من الشرقية والمقيم بالعريش منذ 22 عاما، الحياة من زاوية اخرى، فرغم اتهامه للأمن بالتقصير فى حماية الاهالى لكنه يتهم البدو أيضا بالتصعيد ضد المصريين المقيمين ورغبتهم فى فرض إرادتهم على الأمن وساعدهم على ذلك القيادات الامنية الموجودة.
فالبدو، حسبما قال، لديهم قوة كبيرة فى عددهم ومعرفتهم بتفاصيل وخريطة المنطقة لدرجة أنهم يضعون يدهم على مساحات شاسعة من الاراضى دون ان يتحدث أحد معهم، ويقومون ببيعها للمواطنين بعقود، ولا تملك الشرطة الاعتراض موضحا أن سعر الارض وصل إلى 1000 و1500 جنيه للمتر، وعندما يحاول أحد المصريين وضع يده على قطعة ارض يتم طرده منها على الرغم من ملكيتها للدولة وليس لإحدى القبائل.
يجلس الشيخ طارق متذكرا وقائع تبادل إطلاق النار أمام المديرية مع مجموعة من البدو المسلحين حيث اعتلوا اسطح العقارات المجاورة للمديرية وأطلقوا الاعيرة النارية بينما دخلت قوات الامن للاختباء فى المديرية ولم يتم القاء القبض على أى منهم حتى قرروا الفرار هاربين.
ويوضح أن المدرعات وسيارات الشرطة لا تقوم إلا بحماية المنشآت الشرطية فقط وتترك المدينة بلا امن موضحا أن وجودهم لا يتعدى حدود التواجد الشكلى الامر الذى يظهر فى الازمات بوضوح، حيث يفر الجميع هاربا ومحتميا بأقرب نقطة حصينة، بينما يصاب الاطفال الصغار بالصرع نتيجة مشاهد الرصاص.
على بعد أمتار من مديرية الأمن وفى الجهة الخلفية لها، يوجد مبنى المحافظة الذى تخلى عنه افراد الشرطة وتولت تأمينه قوات الجيش بعدما أعادت انتشارها فى الشارع مرة اخرى ووسط ظلام دامس يغطى الشارع وقفت مدرعة عسكرية للتأمين.
قوات التأمين المسئولة عن المحافظة قررت الاضراب عن العمل والاعتصام بأقسام الشرطة التابعين لها، فيما تقدم عدد من الامناء بطلبات للحصول على إجازات من عملهم، وهو الأمر الذى تم رفضه خاصة مع وصول تعزيزات أمنية للمحافظة.