«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة والدين فى الوطن العربى «الحلقةالثالثة»
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 10 - 2012

«عقب نجاح ثورات الربيع العربى، وصعود نجم التيار الإسلامى، حضرت العلاقة بين الدين والدولة فى الوطن العربى بقوة، وفى خضم المعارك السياسية التى لا تنتهى بين القوى والأحزاب والحركات السياسية المصرية، يغوص المفكر والفقيه الدستورى المستشار طارق البشرى فى «حالة مصر ما بعد الثورة» شارحا لنظام لا تزال ملامحه تتشكل، من خلال ورقة قدمها فى الندوة التى عقدها مركز دراسات الوحدة العربية عن «الدين والدولة فى الوطن العربى» التى عقدت خلال الفترة من 15: 17 أكتوبر فى تونس، والتى تنشرها «الشروق» على حلقات..

الحاصل أن ما أسفر عنه المقياس الانتخابى من تأييد شعبى لجماعة الإخوان المسلمين، لا يتأتى من النظر فى نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجارية فى 19 مارس 2011 بعد الثورة، التى كانت تتمثل فى 77.2٪ للمؤيدين للتعديلات و22.08٪ للمعارضين لها، لأن هذه التعديلات كانت تتعلق فقط بأحكام دستورية تتوخى بناء مؤسسات سياسية للدولة بطريق ديمقراطى نزيه، سواء المجلسان النيابيان أو رئاسة الجمهورية، مع ضمان نزاهة الانتخابات، وإن تنتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، تختار هى من المجلسين المنتخبين بطريقة ديمقراطية، ولا تكون هذه الجمعية مشكلة بالتعيين من غير منتخبين. ولم يكن بالأحكام المستفتى عليها أى نص يشير ولو من بعيد إلى ما يتعلق بهوية الدولة، ولا بالشعارات والنداءات التى تميز التشكيلات الدعوية الإسلامية، ومن ثم فإن أغلبية 77.2٪ وإن شملت الإسلاميين إلا أنها لم تقتصر على مؤيدى التنظيمات الدعوية الإسلامية، وليس من معيار يمكن به تحديد مدى أثرهم فى هذا الاستفتاء.

إنما ما يمكن أن يرشد إلى حجم التأييد الشعبى الذى حصلت عليه جماعة الإخوان هو انتخابات مجلس الشعب التى جرت فى نوفمبر وديسمبر 2011، وكان نظام الانتخاب يجرى بالقوائم الحزبية بالنسبة لثلثى مقاعد كل من مجلسى الشعب والشورى وبالانتخاب الفردى بالنسبة للثلث الباقى، وقد تقدم الإخوان فى هذه الانتخابات من خلال جبهة ضمت إليهم بضعة أحزاب أخرى صغيرة، وكانت النتيجة أن مجموع ما حصلت عليه هذه الجبهة من مقاعد مجلس الشعب كلها هو 47٪، وللإخوان من هؤلاء ما تبلغ نسبته 40٪ من مجموع المقاعد، وذلك رغم أن الانتخابات جرت ولم يمض على الثورة أكثر من عشرة شهور.

والمقياس لحجم التأييد الشعبى لجماعة الإخوان هو انتخابات رئاسة الجمهورية، فإن انتخابات الجولة الأولى استوجبت إعادة الانتخاب لعدم حصول أى من المرشحين على الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم وإذا كان مرشح الإخوان صاحب الأغلبية النسبية الأكثر فإنها ظلت فى حدود الخمسة ملايين صوت بين أربعة مرشحين تراوحت أصوات كل منهم بين ما يدور حول الخمسة ملايين والأربعة ملايين، ثم جرت الإعادة بين مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى وبين الوزير السابق الفريق أحمد شفيق فحصل فيها الدكتور مرسى على الأغلبية المطلقة بما لا يجاوز 52٪ من الأصوات ويدور فى حدود الملايين الخمسة، وكان مجمل أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فى الجولة الأولى من الانتخابات يبلغ نحو 23.6 مليون شخص، وقد تولى رئاسة الجمهورية بما يمكنه من استعمال سلطة الدولة فى تشكيل الوزارات وغير ذلك.

ولكن يلاحظ أن منصب رئاسة الجمهورية وإن مكَّن شاغله من السيطرة على السلطة فى الدولة، فإن أمر السيطرة على جهاز أو أجهزة قديمة وتتكون من تشكيلات متنوعة عسكرية وأمنية ومصالح وهيئات تتراوح فى القدم والتخصص، ليست السيطرة تكون بسهولة أن يتولى فرد رئاسة فينصاع له الجميع وإن أظهروا الطواعية والانضباط، سيما عندما يكون هذا الفرد أو الأفراد من غير تشكيلاته الأساسية التى تعودوا على التعامل معها، وسيما إذا كان من غير ذوى الخبرة فى إدارة نوع العمل البيروقراطى المؤدى ومن كان خارج إطار التشكل الثقافى الوظيفى المعتاد لدى العاملين بهذا الجهاز أو هذه الأجهزة، وسيما إن كانت مدة رئاسته مؤقتة أو من غير المتيقن استمرارها استمرارا معتبرا.

وخلال مطالعاتى لثورة 1919 وما بعدها فى مصر، بدا لى أن أدرس مسألة جذبنى إليها طرفاتها، وهى كيف تحولت الثورة إلى نظام، وما هى الآليات وأنواع الصراع التى جرت فى هذا التحول، وقد ظهر أن جهاز دولة عميق الجذور والسلطات كالجهاز المصرى إنما يشبه القلعة، ومن يحكم القلعة من الناحية التنظيمية إنما يترجح نجاحه فى حكمها وإحكام السيطرة عليها بقدر ما يكون من رجالها، وإن القلعة من خصائصها أن من دخلها من خارجها إما أن يسيطر عليها فتدافع عنه وتحميه وإنما أن تسجنه فيصير حبيسا بها، وهذا ما فسر لنا تردد سعد زغلول زعيم الثورة والسياسى ورجل الدولة المخضرم، فى قبول الحكم بعد أن حصل حزبه على 90٪ من مقاعد المجلس النيابى، ثم استقالته بعد عشرة أشهر فقط، وهو لم يصنع شيئا خلال هذه الأشهرة العشرة، وإنما كان يتصرف كما لو كان لا يزال فى المعارضة فيعلن موافقته واعتراضه ومواقفه دون أن يتخذ إجراء عمليا. والقلعة إما أن تحمى أو تحبس حسب نوع العلاقات التى تقوم بين من دخلها وبين رجالها. وإن أجهزة الدولة تملك مد رئيسها بالمعلومات التى يتخذ قراراته على أساسها وهى من يملك طريقة تنفيذ قراراته، وبهذين الأمرين تكون أحاطت بالسيد الرئيس.

ولكننى أوضح أنه فى حدود التوجه الإسلامى لجماعة الإخوان المسلمين التى تولى أحد رجالها رئاسة الجمهورية فإن النزوع الإسلامى الذى يظهر فى ممارسة رجال أجهزة الدولة لا يكون فى الأساس مصدره هذه الرئاسة، لأن الثقافة السائدة فى المجتمع المصرى بين الغالبة الغالبة من المصريين هى ثقافة إسلامية أو أن مرجعيتها إسلامية، وهذا يظهر بوضوح من انتخابات النقابات المهنية فى مصر، إذ إنها عندما تجرى بنزاهة ترجح ذوى الاتجاه الإسلامى من بين ما يكون أغلبية مؤثرة من الفائزين فى الانتخابات، والمهنيون فيما هو معروف هم من يكونون الفئة التى تمثل العمود الفقرى فى كل أجهزة الدولة وفى سائر التخصصات وهم أعضاء فى النقابات المهنية بنسبة مؤثرة. وأن هذه الكوادر لديها توازناتها الفكرية بين ما يمليه عليها مهنتها وبين ما يحوط ذلك من ثقافة عامة سائدة مستمدة من المرجعية الإسلامية.

ومن بين عناصر هذه القوة الثانية جماعات السلفيين، وهى لم تكن تؤدى دورا سياسيا ملحوظا قبل الثورة، ولم يلحظ لها بوصفها السلفى نشاط فى الفترة الأولى من الثورة التى أدت إلى الإطاحة بنظام حسنى مبارك، ولم يلحظ لها بدء نشاط سياسى فعال فى الشهور الأولى من الثورة، ولكنها ظهرت بوصفها قوة سياسية ذات نفوذ يجب الاعتبار به بعد ذلك. لقد كان نشاطها الأول نشاطا دعويا، ولكن الأوضاع السياسية والاجتماعية تؤدى أحيانا إلى أن التنظيمات التى تنشغل بشئون اجتماعية أو ثقافية كالجماعات الدعوية أو الصوفية أو النقابية أو غيرها، قد تلجئها الأوضاع العامة إلى أن تتحول بشبكاتها التنظيمية ورجالها من وجوه نشاطها المعتادة إلى وجوه أنشطة تستجد، وهنا يكون الظهور قويا لأنه يصدر عن وجود تنظيمى سباق ذى شأن، ولكنه قد ينطوى على الكثير من التردد فى الاستجابة لأنواع العمل الجديد بسبب الجدة وقلة الخبرة فى المجال المستحدث، وهذا ما كان من الجماعات السلفية وأظهرها الآن حزب النور والجماعة الإسلامية والجهاد وغيرها من التنظيمات.

وإن ما أتاح للجماعات السلفية أن تظهر سياسيا وتقوى نسبيا هو تأخر إجراء انتخابات مجلس الشعب عن موعدها الذى كان شبه محدد فى يونيو 2011 فتراخت الانتخابات حتى نوفمبر وديسمبر التالى؛ لأن هذه الفترة أتاحت فرصة من الزمن لتحول السلفية الدعوية إلى النشاط السياسى، فكسب السلفيون فى هذه الانتخابات نحو 25٪ من المقاعد بمجلس الشعب، وأكسبهم هذا الفوز عزوتهم السياسية فيما بعد.

ولكن يلاحظ أن الحراك السلفى السياسى ليس متجانس الأنشطة والمواقف، وهو يتسم بقلة خبرة فى المجال السياسى إلا من جماعات وشخصيات لا تمثل الطابع الغالب والمستمر له، وتتراوح المواقف السياسية بين العديد من التنوعات وقد انعكس ذلك فى انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ توزع التأييد الانتخابى بين عدد من المرشحين المتنافسين مما أضعف من عزوتهم الانتخابية وخصم من بعضها البعض، وهى إن كان لها قوة حشد سريع، فإن التنظيم المنضبط الذى يمكن من العمل الدائب طويل المدى لم يختبر بعد.

وخلاصة ذلك كله أن هذه القوة الثانية ليست بالحجم والإمكانات التى تمكنها منفردة من قيادة حركة المجتمع ودولته، وإن كان لها من الأثر القوى الفعال ما يتعين أن يكون فى التقدير فى إطار المشاركة الفعالة المؤثرة، وإنما ذات خبرات دعوية أكثر منها سياسية، كما أن قوة القيادة العسكرية ذات خبرات مهنية أكثر منها سياسية، وإن هذا النقص فى الخبرة السياسية سبب قدرا من الارتباك فى الحسابات السياسية، وما يكشف عن هذا المفاد أنه بعد انتخابات مجلس الشعب عملت هذه القوة على إسقاط الوزارة القائمة فلم تنجح، وبعد حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو 2012 بما أفاد حل مجلس الشعب، عمل الرئيس المنتخب على عودة المجلس ودعاه للانعقاد فلم يتم، وإن الصراع السياسى لا يزال دائرا بين القوتين المذكورتين الأولى والثانية، ووجه خطأ كل منهما، أنها تحاول أن تستبد بالسلطة من دون الأخرى فلا تلبث أن تعرف أن ذلك ليس فى مقدورها فتعاود الكرة من جديد.

(7)

أما القوة الثالثة فهى المسماة بالقوة الليبرالية، وهى تتشكل من التنظيمات الحزبية والشخصيات السياسية المستقلة التى خرجت من مرحلة حسنى مبارك ضامرة من الناحية الشعبية، بدليل أن نشاطها السياسى المعارض والعالى الصوت لم يؤد بها إلى تشكيلات تنظيمية جماهيرية، وحتى بعد أن تصاعد المد الثورى من 2005 رغم أن حركات الاحتجاج الشعبى تعالت وصارت شديدة الكثافة من هذا التاريخ، وكان ذلك يشكل فرصة للأحزاب والتجمعات السياسية لسرعة بناء تنظيماتها بقدرة على الحراك الشعبى المنظم.

هذه الأحزاب والشخصيات تتكون من نخب ثقافية واجتماعية لم يسمح لها فى العهد الماضى بتنمية صلاتها الجماهيرية فاقتصر نشاط هذه النخب على النشاط الإعلامى الذى كان متاحا دون العمل التنظيمى الشعبى، وقد عظم نشاطها فى الإعلام وفى المؤتمرات السياسية والتجمعات النخبوية، وعظمت قدراتها السياسية فى الرؤية للأحزاب والتعليق عليها، وكشف عورات النظام القائم، وأسهمت مساهمة جد حقيقية فى التمهيد لثورة 25 يناير، ولكن افتقدت الغالبية الغالبة من عناصرها خبرات العمل الجماهيرى والتنظيم.

وإن ضمور النشاط التنظيمى شكل ضعفا فى القدرة على تحريك الجماهير فى صدد المعارك الانتخابية عندما سنحت الفرصة لهذا النوع من النشاط بعد الثورة، وكان ثمة ضمان أكيد لنزاهة العملية الانتخابية وقد مورست فعلا هذه النزاهة، سواء فى انتخابات المجالس النيابية أو فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ولذلك فهم فى معالجتهم للشأن الانتخابى بعد الثورة طالبوا بما أضر بهم سياسيا، طالبوا بتأجيل الانتخابات لمجلس الشعب ليستعدوا تنظيما، ولكن لم يتح لهم الاستعداد للنمو الجماهيرى بهذا التأجيل، واستفاد من التأجيل التيار السلفى. إذ أتاحت له فسحة الوقت أن يتحول بتنظيماته وصلاته الجماهيرية إلى النشاط السياسى، وكان ذلك خصما من حساب التيار الليبرالى فيما يظهر.

كما أن التجمعات الليبرالية طالبت وألحت فى الطلب بأن تكون الانتخابات بالقوائم الحزبية وضغطوا فى ذلك ضغطا شديدا حتى ووفق على ذلك فى ثلثى مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وذلك رغم أن الانتخابات بالقائمة تحتاج إلى قوى حزبية تنظيمية قليلة العدد كبيرة الحجم وذات انتشار لدى الجماهير بأسمائها وقياداتها وبرامجها ومواقفها السابقة، وهى أوضاع لم تكن توافرت بعد للأحزاب القديمة بعد أن انفك عنها ضغط النظام السابق بسقوطه ولم تكن توافرت من باب أولى للأحزاب الجديدة الناشئة بعد الثورة، وكان أكثر من استفاد من انتخابات القائمة هو الاتجاه السلفى لسابق صلاتهم الشعبية فى مجال الدعوة ولحركتهم السابقة النشيطة فى الأحياء الشعبية والمساجد، ودليل ذلك أن السلفيين حصلوا فى انتخابات مجلس الشعب على نحو 15٪ من مقاعد الثلث الفردى، وحصلوا على نحو 29٪ من مقاعد الثلثين المنتخبين بالقوائم.

إن قوة التيار الليبرالى تظهر فى مساهمته الكبيرة فى صياغة الرأى العام غير المنظم عن طريق سيطرته على الإعلام، وهى سيطرة تكاد تكون غالبة ولها تأثيرها لا فى الرأى العام غير المنظم فقط ولكن فى دوائر اتخاذ القرار فى داخل أجهزة الدولة، وإن ما يملك من قدرات ثقافية سياسية مع نفوذه الكبير فى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة تمنحه هذه القدرة على انتشار رؤيته فى تصوير الأحداث وصناعتها وترتيب أولويات المسائل التى تثار والمطالب التى تبدى، وكل ذلك له أثره فى صياغة ردود الفعل فى الساحة السياسية، وإن أثره يقوى بقدر قيام الخلاف بين القوتين الأخريين.

وإن أثر هذا الاتجاه بوصفه قوة سياسية تفتقد الأبنية التنظيمية ذات الوزن، إنما يتيح له لا أن يكون قوة مستقلة تسعى إلى الحكم بتشكيلاتها التنظيمية، ولكن أن يكون له دور ذو شأن فى الانحياز لأى من القوتين السابقتين ويكون له أثره المعتبر فى تقوية من ينحاز إليه وإضعاف من ينحاز ضده، سيما أن القوتين الأخريين لكل منها وجوه ضعفها وتردداتها مع نقص الخبرة، وسيما أن هاتين القوتين السابقتين لا تملك إحداهما إزاء الأخرى أغلبية نسبية محسومة، وسيما أن الجماهير غير المنظمة ذات حجم كبير جدا، وهو يؤثر فى تردداته فى موازين القوى، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة «ميدان التحرير» التى استفاد منها التيار الليبرالى لما تضمه من جماهير غير منظمة، وتجتمع بالتجييش والاعتياد والتعبئة الإعلامية.

على أن وجه الضعف الملازم للتيار الليبرالى أنه لعدم وجود كيانات تنظيمية ذات ثقل فيه، فإن مواقف أحزابه وجماعاته وشخصياته تتنوع وتتعدل بحيث إنه لا يمكن القول بأنه يمثل قوة واحدة، وإن هذا التنوع فى المواقف بداخله قد يؤدى إلى وقوف بعض قواه ضد بعضها الآخر مما يخصم من قوته الإجمالية المفترضة.

ويدعم هذا التيار وسائل الإعلام ذائعة الانتشار، سيما ما كان منها ذا توجه سياسى وذا موقف من الصراعات السياسية الدائرة، والحاصل أن الإعلام فى مصر منذ جرى الإفساح للمشروعات الخاصة فيه قد سيطرت على أهم منابره مجموعة محددة من رجال الأعمال، وهم رجال أعمال من ذات النوع الذى كون ثرواته وضخمها فى عهد حسنى مبارك، اعتمادا على صلاتهم بنخبة الحكم وقتها، وهى تعتمد فى تركيم الثروة لا على المشروعات الإنتاجية فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، ولكنها تعتمد أساسا على قروض البنوك وشراء أراضى البناء من الدولة، ووجهت رءوس أموالها إلى بناء العقارات وتجارة الاستهلاك وخصخصة ما تخصخص من مرافق كالاتصالات، وكان إنشاء أغلبهم لوسائل الإعلام دافعه الكسب المادى، والضغط من خلال النشاط الإعلامى على حكومة مبارك للحصول على المزيد من المزايا.

ونحن نعلم أن رجل الأعمال نجيب ساويرس شارك رجل الأعمال صلاح دياب فى إصدار صحيفة «المصرى اليوم» وأنشأ قنوات O.T.V التليفزيونية وذلك منذ سنة 2004 و2005. فضلا عن أنه مؤسس حزب «المصريون الأحرار» الذى أنشئ بعد الثورة دون أن يكون عضوا به.

وهناك قنوات الإذاعة السمعية والبصرية C.B.C التى يملكها رجل الأعمال محمد الأمين الذى أنشأ من بعد صحيفة «الوطن» وثمة رجل الأعمال وليد مصطفى الذى يدير الموقع الالكترونى «اليوم السابع»، ويصدر صحيفة بذات الاسم، ويقال: إن له علاقة عضوية برجل الأعمال حسين سالم، الذى كان على صلة وثيقة بحسنى مبارك وصفوت الشريف «صحيفة الحرية والعدالة 19 مايو 2012 مقال رجب الباسل».. وهكذا.





فى الحلقة القادمة

الاستقطاب بشأن «الدين والمدنى» يتحمله الليبراليون والإسلاميون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.