رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: فرص لطلابنا للعمل في 250 شركة يابانية    مهرجان أنغام الصباح تستقبل اليوم الثاني لمهرجان «طرب الأول».. صور    أسعار اشتراكات قطارات السكة الحديد للطلاب    عقب التجديد لحسن عبدالله.. تفاصيل أول اجتماع للرئيس السيسي مع محافظ البنك المركزي    رسائل السيسي ل رئيسي وزراء وجهاز أمن الدولة القطري.. فيديو    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    جوارديولا: عدد اللاعبين في مانشستر سيتي ليس صحيا.. أنتظر رحيل المزيد    الداخلية تكشف ملابسات واقعة سرقة أحذية من داخل مسجد بالجيزة وتضبط الجاني    قانون التعليم الجديد.. نهضة تعليمية في مسار التحديث والتطوير المهني    المسلماني وهاني أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل    الأعلى للإعلام يعلن انطلاق الدورة التدريبية رقم "61 " للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    نائب وزير الصحة يعقد اجتماعًا لتطوير منظومة المخازن الاستراتيجية والتموين الطبي    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    «ربنا يرجعك لينا بالسلامة».. هالة صدقي توجه رسالة مؤثرة ل أنغام بسبب أزمتها الصحية    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة والدين فى الوطن العربى «الحلقةالثالثة»
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 10 - 2012

«عقب نجاح ثورات الربيع العربى، وصعود نجم التيار الإسلامى، حضرت العلاقة بين الدين والدولة فى الوطن العربى بقوة، وفى خضم المعارك السياسية التى لا تنتهى بين القوى والأحزاب والحركات السياسية المصرية، يغوص المفكر والفقيه الدستورى المستشار طارق البشرى فى «حالة مصر ما بعد الثورة» شارحا لنظام لا تزال ملامحه تتشكل، من خلال ورقة قدمها فى الندوة التى عقدها مركز دراسات الوحدة العربية عن «الدين والدولة فى الوطن العربى» التى عقدت خلال الفترة من 15: 17 أكتوبر فى تونس، والتى تنشرها «الشروق» على حلقات..

الحاصل أن ما أسفر عنه المقياس الانتخابى من تأييد شعبى لجماعة الإخوان المسلمين، لا يتأتى من النظر فى نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية الجارية فى 19 مارس 2011 بعد الثورة، التى كانت تتمثل فى 77.2٪ للمؤيدين للتعديلات و22.08٪ للمعارضين لها، لأن هذه التعديلات كانت تتعلق فقط بأحكام دستورية تتوخى بناء مؤسسات سياسية للدولة بطريق ديمقراطى نزيه، سواء المجلسان النيابيان أو رئاسة الجمهورية، مع ضمان نزاهة الانتخابات، وإن تنتخب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، تختار هى من المجلسين المنتخبين بطريقة ديمقراطية، ولا تكون هذه الجمعية مشكلة بالتعيين من غير منتخبين. ولم يكن بالأحكام المستفتى عليها أى نص يشير ولو من بعيد إلى ما يتعلق بهوية الدولة، ولا بالشعارات والنداءات التى تميز التشكيلات الدعوية الإسلامية، ومن ثم فإن أغلبية 77.2٪ وإن شملت الإسلاميين إلا أنها لم تقتصر على مؤيدى التنظيمات الدعوية الإسلامية، وليس من معيار يمكن به تحديد مدى أثرهم فى هذا الاستفتاء.

إنما ما يمكن أن يرشد إلى حجم التأييد الشعبى الذى حصلت عليه جماعة الإخوان هو انتخابات مجلس الشعب التى جرت فى نوفمبر وديسمبر 2011، وكان نظام الانتخاب يجرى بالقوائم الحزبية بالنسبة لثلثى مقاعد كل من مجلسى الشعب والشورى وبالانتخاب الفردى بالنسبة للثلث الباقى، وقد تقدم الإخوان فى هذه الانتخابات من خلال جبهة ضمت إليهم بضعة أحزاب أخرى صغيرة، وكانت النتيجة أن مجموع ما حصلت عليه هذه الجبهة من مقاعد مجلس الشعب كلها هو 47٪، وللإخوان من هؤلاء ما تبلغ نسبته 40٪ من مجموع المقاعد، وذلك رغم أن الانتخابات جرت ولم يمض على الثورة أكثر من عشرة شهور.

والمقياس لحجم التأييد الشعبى لجماعة الإخوان هو انتخابات رئاسة الجمهورية، فإن انتخابات الجولة الأولى استوجبت إعادة الانتخاب لعدم حصول أى من المرشحين على الأغلبية المطلقة لعدد من أدلوا بأصواتهم وإذا كان مرشح الإخوان صاحب الأغلبية النسبية الأكثر فإنها ظلت فى حدود الخمسة ملايين صوت بين أربعة مرشحين تراوحت أصوات كل منهم بين ما يدور حول الخمسة ملايين والأربعة ملايين، ثم جرت الإعادة بين مرشح الجماعة الدكتور محمد مرسى وبين الوزير السابق الفريق أحمد شفيق فحصل فيها الدكتور مرسى على الأغلبية المطلقة بما لا يجاوز 52٪ من الأصوات ويدور فى حدود الملايين الخمسة، وكان مجمل أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم فى الجولة الأولى من الانتخابات يبلغ نحو 23.6 مليون شخص، وقد تولى رئاسة الجمهورية بما يمكنه من استعمال سلطة الدولة فى تشكيل الوزارات وغير ذلك.

ولكن يلاحظ أن منصب رئاسة الجمهورية وإن مكَّن شاغله من السيطرة على السلطة فى الدولة، فإن أمر السيطرة على جهاز أو أجهزة قديمة وتتكون من تشكيلات متنوعة عسكرية وأمنية ومصالح وهيئات تتراوح فى القدم والتخصص، ليست السيطرة تكون بسهولة أن يتولى فرد رئاسة فينصاع له الجميع وإن أظهروا الطواعية والانضباط، سيما عندما يكون هذا الفرد أو الأفراد من غير تشكيلاته الأساسية التى تعودوا على التعامل معها، وسيما إذا كان من غير ذوى الخبرة فى إدارة نوع العمل البيروقراطى المؤدى ومن كان خارج إطار التشكل الثقافى الوظيفى المعتاد لدى العاملين بهذا الجهاز أو هذه الأجهزة، وسيما إن كانت مدة رئاسته مؤقتة أو من غير المتيقن استمرارها استمرارا معتبرا.

وخلال مطالعاتى لثورة 1919 وما بعدها فى مصر، بدا لى أن أدرس مسألة جذبنى إليها طرفاتها، وهى كيف تحولت الثورة إلى نظام، وما هى الآليات وأنواع الصراع التى جرت فى هذا التحول، وقد ظهر أن جهاز دولة عميق الجذور والسلطات كالجهاز المصرى إنما يشبه القلعة، ومن يحكم القلعة من الناحية التنظيمية إنما يترجح نجاحه فى حكمها وإحكام السيطرة عليها بقدر ما يكون من رجالها، وإن القلعة من خصائصها أن من دخلها من خارجها إما أن يسيطر عليها فتدافع عنه وتحميه وإنما أن تسجنه فيصير حبيسا بها، وهذا ما فسر لنا تردد سعد زغلول زعيم الثورة والسياسى ورجل الدولة المخضرم، فى قبول الحكم بعد أن حصل حزبه على 90٪ من مقاعد المجلس النيابى، ثم استقالته بعد عشرة أشهر فقط، وهو لم يصنع شيئا خلال هذه الأشهرة العشرة، وإنما كان يتصرف كما لو كان لا يزال فى المعارضة فيعلن موافقته واعتراضه ومواقفه دون أن يتخذ إجراء عمليا. والقلعة إما أن تحمى أو تحبس حسب نوع العلاقات التى تقوم بين من دخلها وبين رجالها. وإن أجهزة الدولة تملك مد رئيسها بالمعلومات التى يتخذ قراراته على أساسها وهى من يملك طريقة تنفيذ قراراته، وبهذين الأمرين تكون أحاطت بالسيد الرئيس.

ولكننى أوضح أنه فى حدود التوجه الإسلامى لجماعة الإخوان المسلمين التى تولى أحد رجالها رئاسة الجمهورية فإن النزوع الإسلامى الذى يظهر فى ممارسة رجال أجهزة الدولة لا يكون فى الأساس مصدره هذه الرئاسة، لأن الثقافة السائدة فى المجتمع المصرى بين الغالبة الغالبة من المصريين هى ثقافة إسلامية أو أن مرجعيتها إسلامية، وهذا يظهر بوضوح من انتخابات النقابات المهنية فى مصر، إذ إنها عندما تجرى بنزاهة ترجح ذوى الاتجاه الإسلامى من بين ما يكون أغلبية مؤثرة من الفائزين فى الانتخابات، والمهنيون فيما هو معروف هم من يكونون الفئة التى تمثل العمود الفقرى فى كل أجهزة الدولة وفى سائر التخصصات وهم أعضاء فى النقابات المهنية بنسبة مؤثرة. وأن هذه الكوادر لديها توازناتها الفكرية بين ما يمليه عليها مهنتها وبين ما يحوط ذلك من ثقافة عامة سائدة مستمدة من المرجعية الإسلامية.

ومن بين عناصر هذه القوة الثانية جماعات السلفيين، وهى لم تكن تؤدى دورا سياسيا ملحوظا قبل الثورة، ولم يلحظ لها بوصفها السلفى نشاط فى الفترة الأولى من الثورة التى أدت إلى الإطاحة بنظام حسنى مبارك، ولم يلحظ لها بدء نشاط سياسى فعال فى الشهور الأولى من الثورة، ولكنها ظهرت بوصفها قوة سياسية ذات نفوذ يجب الاعتبار به بعد ذلك. لقد كان نشاطها الأول نشاطا دعويا، ولكن الأوضاع السياسية والاجتماعية تؤدى أحيانا إلى أن التنظيمات التى تنشغل بشئون اجتماعية أو ثقافية كالجماعات الدعوية أو الصوفية أو النقابية أو غيرها، قد تلجئها الأوضاع العامة إلى أن تتحول بشبكاتها التنظيمية ورجالها من وجوه نشاطها المعتادة إلى وجوه أنشطة تستجد، وهنا يكون الظهور قويا لأنه يصدر عن وجود تنظيمى سباق ذى شأن، ولكنه قد ينطوى على الكثير من التردد فى الاستجابة لأنواع العمل الجديد بسبب الجدة وقلة الخبرة فى المجال المستحدث، وهذا ما كان من الجماعات السلفية وأظهرها الآن حزب النور والجماعة الإسلامية والجهاد وغيرها من التنظيمات.

وإن ما أتاح للجماعات السلفية أن تظهر سياسيا وتقوى نسبيا هو تأخر إجراء انتخابات مجلس الشعب عن موعدها الذى كان شبه محدد فى يونيو 2011 فتراخت الانتخابات حتى نوفمبر وديسمبر التالى؛ لأن هذه الفترة أتاحت فرصة من الزمن لتحول السلفية الدعوية إلى النشاط السياسى، فكسب السلفيون فى هذه الانتخابات نحو 25٪ من المقاعد بمجلس الشعب، وأكسبهم هذا الفوز عزوتهم السياسية فيما بعد.

ولكن يلاحظ أن الحراك السلفى السياسى ليس متجانس الأنشطة والمواقف، وهو يتسم بقلة خبرة فى المجال السياسى إلا من جماعات وشخصيات لا تمثل الطابع الغالب والمستمر له، وتتراوح المواقف السياسية بين العديد من التنوعات وقد انعكس ذلك فى انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ توزع التأييد الانتخابى بين عدد من المرشحين المتنافسين مما أضعف من عزوتهم الانتخابية وخصم من بعضها البعض، وهى إن كان لها قوة حشد سريع، فإن التنظيم المنضبط الذى يمكن من العمل الدائب طويل المدى لم يختبر بعد.

وخلاصة ذلك كله أن هذه القوة الثانية ليست بالحجم والإمكانات التى تمكنها منفردة من قيادة حركة المجتمع ودولته، وإن كان لها من الأثر القوى الفعال ما يتعين أن يكون فى التقدير فى إطار المشاركة الفعالة المؤثرة، وإنما ذات خبرات دعوية أكثر منها سياسية، كما أن قوة القيادة العسكرية ذات خبرات مهنية أكثر منها سياسية، وإن هذا النقص فى الخبرة السياسية سبب قدرا من الارتباك فى الحسابات السياسية، وما يكشف عن هذا المفاد أنه بعد انتخابات مجلس الشعب عملت هذه القوة على إسقاط الوزارة القائمة فلم تنجح، وبعد حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو 2012 بما أفاد حل مجلس الشعب، عمل الرئيس المنتخب على عودة المجلس ودعاه للانعقاد فلم يتم، وإن الصراع السياسى لا يزال دائرا بين القوتين المذكورتين الأولى والثانية، ووجه خطأ كل منهما، أنها تحاول أن تستبد بالسلطة من دون الأخرى فلا تلبث أن تعرف أن ذلك ليس فى مقدورها فتعاود الكرة من جديد.

(7)

أما القوة الثالثة فهى المسماة بالقوة الليبرالية، وهى تتشكل من التنظيمات الحزبية والشخصيات السياسية المستقلة التى خرجت من مرحلة حسنى مبارك ضامرة من الناحية الشعبية، بدليل أن نشاطها السياسى المعارض والعالى الصوت لم يؤد بها إلى تشكيلات تنظيمية جماهيرية، وحتى بعد أن تصاعد المد الثورى من 2005 رغم أن حركات الاحتجاج الشعبى تعالت وصارت شديدة الكثافة من هذا التاريخ، وكان ذلك يشكل فرصة للأحزاب والتجمعات السياسية لسرعة بناء تنظيماتها بقدرة على الحراك الشعبى المنظم.

هذه الأحزاب والشخصيات تتكون من نخب ثقافية واجتماعية لم يسمح لها فى العهد الماضى بتنمية صلاتها الجماهيرية فاقتصر نشاط هذه النخب على النشاط الإعلامى الذى كان متاحا دون العمل التنظيمى الشعبى، وقد عظم نشاطها فى الإعلام وفى المؤتمرات السياسية والتجمعات النخبوية، وعظمت قدراتها السياسية فى الرؤية للأحزاب والتعليق عليها، وكشف عورات النظام القائم، وأسهمت مساهمة جد حقيقية فى التمهيد لثورة 25 يناير، ولكن افتقدت الغالبية الغالبة من عناصرها خبرات العمل الجماهيرى والتنظيم.

وإن ضمور النشاط التنظيمى شكل ضعفا فى القدرة على تحريك الجماهير فى صدد المعارك الانتخابية عندما سنحت الفرصة لهذا النوع من النشاط بعد الثورة، وكان ثمة ضمان أكيد لنزاهة العملية الانتخابية وقد مورست فعلا هذه النزاهة، سواء فى انتخابات المجالس النيابية أو فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ولذلك فهم فى معالجتهم للشأن الانتخابى بعد الثورة طالبوا بما أضر بهم سياسيا، طالبوا بتأجيل الانتخابات لمجلس الشعب ليستعدوا تنظيما، ولكن لم يتح لهم الاستعداد للنمو الجماهيرى بهذا التأجيل، واستفاد من التأجيل التيار السلفى. إذ أتاحت له فسحة الوقت أن يتحول بتنظيماته وصلاته الجماهيرية إلى النشاط السياسى، وكان ذلك خصما من حساب التيار الليبرالى فيما يظهر.

كما أن التجمعات الليبرالية طالبت وألحت فى الطلب بأن تكون الانتخابات بالقوائم الحزبية وضغطوا فى ذلك ضغطا شديدا حتى ووفق على ذلك فى ثلثى مقاعد مجلسى الشعب والشورى، وذلك رغم أن الانتخابات بالقائمة تحتاج إلى قوى حزبية تنظيمية قليلة العدد كبيرة الحجم وذات انتشار لدى الجماهير بأسمائها وقياداتها وبرامجها ومواقفها السابقة، وهى أوضاع لم تكن توافرت بعد للأحزاب القديمة بعد أن انفك عنها ضغط النظام السابق بسقوطه ولم تكن توافرت من باب أولى للأحزاب الجديدة الناشئة بعد الثورة، وكان أكثر من استفاد من انتخابات القائمة هو الاتجاه السلفى لسابق صلاتهم الشعبية فى مجال الدعوة ولحركتهم السابقة النشيطة فى الأحياء الشعبية والمساجد، ودليل ذلك أن السلفيين حصلوا فى انتخابات مجلس الشعب على نحو 15٪ من مقاعد الثلث الفردى، وحصلوا على نحو 29٪ من مقاعد الثلثين المنتخبين بالقوائم.

إن قوة التيار الليبرالى تظهر فى مساهمته الكبيرة فى صياغة الرأى العام غير المنظم عن طريق سيطرته على الإعلام، وهى سيطرة تكاد تكون غالبة ولها تأثيرها لا فى الرأى العام غير المنظم فقط ولكن فى دوائر اتخاذ القرار فى داخل أجهزة الدولة، وإن ما يملك من قدرات ثقافية سياسية مع نفوذه الكبير فى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة تمنحه هذه القدرة على انتشار رؤيته فى تصوير الأحداث وصناعتها وترتيب أولويات المسائل التى تثار والمطالب التى تبدى، وكل ذلك له أثره فى صياغة ردود الفعل فى الساحة السياسية، وإن أثره يقوى بقدر قيام الخلاف بين القوتين الأخريين.

وإن أثر هذا الاتجاه بوصفه قوة سياسية تفتقد الأبنية التنظيمية ذات الوزن، إنما يتيح له لا أن يكون قوة مستقلة تسعى إلى الحكم بتشكيلاتها التنظيمية، ولكن أن يكون له دور ذو شأن فى الانحياز لأى من القوتين السابقتين ويكون له أثره المعتبر فى تقوية من ينحاز إليه وإضعاف من ينحاز ضده، سيما أن القوتين الأخريين لكل منها وجوه ضعفها وتردداتها مع نقص الخبرة، وسيما أن هاتين القوتين السابقتين لا تملك إحداهما إزاء الأخرى أغلبية نسبية محسومة، وسيما أن الجماهير غير المنظمة ذات حجم كبير جدا، وهو يؤثر فى تردداته فى موازين القوى، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة «ميدان التحرير» التى استفاد منها التيار الليبرالى لما تضمه من جماهير غير منظمة، وتجتمع بالتجييش والاعتياد والتعبئة الإعلامية.

على أن وجه الضعف الملازم للتيار الليبرالى أنه لعدم وجود كيانات تنظيمية ذات ثقل فيه، فإن مواقف أحزابه وجماعاته وشخصياته تتنوع وتتعدل بحيث إنه لا يمكن القول بأنه يمثل قوة واحدة، وإن هذا التنوع فى المواقف بداخله قد يؤدى إلى وقوف بعض قواه ضد بعضها الآخر مما يخصم من قوته الإجمالية المفترضة.

ويدعم هذا التيار وسائل الإعلام ذائعة الانتشار، سيما ما كان منها ذا توجه سياسى وذا موقف من الصراعات السياسية الدائرة، والحاصل أن الإعلام فى مصر منذ جرى الإفساح للمشروعات الخاصة فيه قد سيطرت على أهم منابره مجموعة محددة من رجال الأعمال، وهم رجال أعمال من ذات النوع الذى كون ثرواته وضخمها فى عهد حسنى مبارك، اعتمادا على صلاتهم بنخبة الحكم وقتها، وهى تعتمد فى تركيم الثروة لا على المشروعات الإنتاجية فى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات، ولكنها تعتمد أساسا على قروض البنوك وشراء أراضى البناء من الدولة، ووجهت رءوس أموالها إلى بناء العقارات وتجارة الاستهلاك وخصخصة ما تخصخص من مرافق كالاتصالات، وكان إنشاء أغلبهم لوسائل الإعلام دافعه الكسب المادى، والضغط من خلال النشاط الإعلامى على حكومة مبارك للحصول على المزيد من المزايا.

ونحن نعلم أن رجل الأعمال نجيب ساويرس شارك رجل الأعمال صلاح دياب فى إصدار صحيفة «المصرى اليوم» وأنشأ قنوات O.T.V التليفزيونية وذلك منذ سنة 2004 و2005. فضلا عن أنه مؤسس حزب «المصريون الأحرار» الذى أنشئ بعد الثورة دون أن يكون عضوا به.

وهناك قنوات الإذاعة السمعية والبصرية C.B.C التى يملكها رجل الأعمال محمد الأمين الذى أنشأ من بعد صحيفة «الوطن» وثمة رجل الأعمال وليد مصطفى الذى يدير الموقع الالكترونى «اليوم السابع»، ويصدر صحيفة بذات الاسم، ويقال: إن له علاقة عضوية برجل الأعمال حسين سالم، الذى كان على صلة وثيقة بحسنى مبارك وصفوت الشريف «صحيفة الحرية والعدالة 19 مايو 2012 مقال رجب الباسل».. وهكذا.





فى الحلقة القادمة

الاستقطاب بشأن «الدين والمدنى» يتحمله الليبراليون والإسلاميون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.