«أزمات الوقود المتلاحقة»، عنوان عريض ومتكرر بات يؤرق المواطن المصرى قبل ثورة 25 يناير وبعدها.. ولعل أزمات نقص أنابيب البوتاجاز صارت دليلا على عجز الحكومات واحدة تلو أخرى، وبسبب هذه الأزمة فإن التفكير فى الاستعانة بمصادر بديلة للطاقة التقليدية أصبح أمرا ملحا ولا مفر منه، بحسب عدد كبير من الخبراء، وهو ما بدأت الحكومة فى الاتجاه نحوه مؤخرا بإدخال مشروع «وحدات الغاز الحيوى» لتوليد الطاقة الحيوية من مخلفات الحيوانات. ميزة هذا المشروع أنه يوفر مصدرا جديدا للطاقة ويحافظ على البيئة ويحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، نتيجة استخدام الوقود الحفرى، فضلا عن دعم الأسر الفقيرة بالاستغناء عن أنابيب البوتاجاز.
«الشروق» رصدت التوجه الحكومى فى تطبيق المشروع، الذى بدأ بالفعل فى محافظتى الفيوم وأسيوط، ومن المقرر أن يتم تعميمه بنهاية عام 2014 المقبل، حسب مسئولين عن المشروع، وهو ما يوفر كما هائلا من أنابيب البوتاجاز والسولار، وبالتالى سيوفر الدعم المالى الذى تنفقه الحكومة على دعم المحروقات.
طاقة تنطلق من الهواء
المدير السابق لمشروع الطاقة الحيوية بالتنمية الريفية د.مواهب أبوالعزم تقول إن الفكرة تعتمد على تفاعل كيمائى لا هوائى يحدث بين المخلفات العضوية، داخل جهاز معين، ينتج عنه الغاز «المثالى» القابل للاشتعال فور تعرضه للهواء، مما يولد طاقة حيوية من مخلفات الحيوانات فضلا عن المخلفات الزراعية، وذلك بديلا عن استخدام اسطوانة البوتاجاز.
وأوضحت أبوالعزم أن المشروع بدأ بإنشاء 100 وحدة منزلية تجريبية بقريتى «المطالى» بالفيوم و«أولاد إلياس» بأسيوط، فضلا عن التعاقد على 4 وحدات لتوليد الطاقة بمزارع الدواجن، وستعتمد فى المقام الاول على مخلفات الدواجن، مشيرة إلى أنه تم الانتهاء بالفعل من تركيب الوحدات فى 20 منزلا فى الفيوم منها 6 منازل بدأت العمل بالفعل مشيرة إلى أن فترة التركيب تستغرق من 15 يوما إلى 3 أسابيع، مشيدة بنجاح التجربة فى المنازل التى بدأت فيها.
وتابعت أبوالعزم أن الوحدة الواحدة بإمكانها أن تخدم منزلا كبيرا يضم أكثر من أسرة أى تخدم 18 فردا، وهو ما يحقق فوائد عدة حيث يقل حجم استهلاك المنزل من 6 اسطوانات أنابيب شهريا إلى أنبوبة واحدة، بجانب استخدام وحدات الغاز الحيوى، فضلا عن التخلص من مخلفات وروث الماشية بطريقة سليمة بيئيا بدلا من تكديسها أمام المنازل ما يتسبب فى انتشار الحشرات والعديد من الأمراض المتوطنة، مضيفة أن الجهاز أيضا يستخرج منه سماد معقم نتيجة درجات الحرارة المرتفعة التى يتعرض لها داخل الوحدات الحرارية.
وأكدت المشروع يوفر أمولا طائلا تدفعها الحكومة لدعم أنابيب البوتاجاز والسولار، من خلال توفير أكثر من 5 أسطوانات شهريا لكل أسرة، فضلا عن مواجهة الأزمات الطاحنة التى يواجها المواطن البسيط حتى يحصل على أنبوبة البوتاجاز وتعرضه للاستغلال من تجار السوق السوداء الذى يبيعون الاسطوانة بأكثر من 70 جنيها.
وأشارت أبوالعزم إلى أن مشروع الطاقة الحيوية للتنمية الريفية المستدامة، الذى ينفذ من قبل مرفق البيئة العالمية ووزارة الدولة لشئون البيئة بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانمائى سيسهم فى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، نتيجة استخدام الوقود الحفرى، فضلا عن دعم الاسر الفقيرة على مستويين، فردى لكل أسرة ومستوى مجتمعى من خلال التعاون مع الصندوق الاجتماعى للتنمية وبعض الجمعيات الاهلية.
وقالت أبوالعزم إن المشروع يعتمد على العمالة المصرية 100% من السباكين والبنائين، فضلا عن الاتفاق مع مصانع حربية لتوريد أجزاء من أجهزة الوقود، كما تقرر الوصول إلى تطبيقه فى 900 منزل على مستوى الجمهورية بالريف والقرى، وتعميمه بكافة المحافظات نهاية عام 2014، مشيرة إلى أن الوحدة الواحدة من الغاز تصل تكلفتها إلى 3 آلاف جنيه، لذلك تم التخطيط أن يمنح الصندوق الاجتماعى المواطن قرضا بدون فوائد فى حال رغبته إلى الاتجاه إلى وحدات الغاز الحيوى، لتشجيع المواطنين، خاصة أصحاب المزارع، والتى تستهلك أكثر من 30 أنبوبة شهريا، بالاضافة إلى الوقاية من أمراض الدواجن حيث إن الحرارة المنبعثة من الجهاز تساعد على التعقيم، مضيفة أن التخطيط شمل ايضا إنشاء وحدات غاز حيوية ضخمة مركزية بكل قرية لتغذى من 50 إلى 300 منزل.
وأرجعت أبوالعزم فشل تطبيق المشروع فى الثمانينيات إلى «استسهال المواطن المصرى فى استعمال انبوبة البوتاجاز خاصة مع توافرها بأسعار زهيدة فى هذه الفترة، ولعدم دعم الحكومة للمشروع، ولكن حاليا كافة الجهات الحكومية اتفقت على دعم المشروع بجميع السبل».
شبح فشل الثمانينيات
وأيد الخبير البيئى د.حسن أبوبكر ما قالته أبوالعزم مؤكدا عدم وجود إرادة سياسية فى الثمانينات لتطبيق المشروع بشكل جاد، حيث أنه لم يلق الدعم الفنى أو المالى أو الترويج المطلوب له من قبل الجانب الحكومى، حيث كان الأمر محاولات فردية من الباحثين أو مبادرات غير حكومية فى نطاق ضيق، بالإضافة إلى حاجة المشروع لأعداد كبيرة من رؤوس الماشية، فيما لا يقل عن 5 أو 6 رؤوس ماشية للأسرة الواحدة، بالإضافة إلى عقبات التوصيل إلى المنازل بشكل مركزى، والتى لم تسع الحكومة متمثلة فى وزارة الزراعة لدعمه.
وأوضح أبوبكر أن الغاز الحيوى يمكن الحصول عليه من المخلفات الزراعية والحيوانية، فضلا عن المخلفات الآدمية «فكافة المخلفات العضوية يمكن الاستفادة منها وليست المخلفات الحيوانية فقط كما هو شائع»، مؤكدا أن المواد التى تترسب بعد عمليه التفاعل والحصول على الوقود تستخدم كسماد للأراضى الزراعية تكون له فاعلية أكبر من السماد العادى لنقائه وتعقيمه، مشيرا إلى أن «المشروع موجود منذ زمن فى الصين والهند ولاقى نجاحا فائقا لدعم الحكومات له بجميع الوسائل التى تساعد على نجاحه، فهى إرادة سياسية أولا وأخيرا».
ووصف الخبير البيئى الاتجاه الحكومى الحالى فى إعادة تفعيل المشروع بشكل جاد ب«البديل الآمن والفعال اقتصاديا وبيئيا»، مؤكدا أن مصر بحاجة إلى إعادة نظر للتفكير فى مصادر بديلة وآمنة للطاقة وغير قابلة للنفاذ كالغاز الحيوى والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مؤكدا أهمية تطبيق المشروع وتعميمه بشكل سريع لمواجهة أزمات نقص أنابيب البوتاجاز وارتفاع أسعارها وكذلك أزمات البنزين والسولار خاصة بعد الثورة، مع انتشار السوق السوداء.
وتابع «المشروع سيحل أيضا أزمتى القمامة والصرف الصحى، بالإضافة الحد من انتشار الأمراض خاصة فى الصعيد والقرى الريفية».