يعتبر عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث واحدا من أعظم عصور الفن فى مصر القديمة قاطبة، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وواحدا من أعظم عصور الفن فى تاريخ العالم القديم كله، وأيضا فى سجل تاريخ الفن العالمى. وتطلق كلمة «عهد» عادة على فترة حكم أى ملك من الملوك أو حاكم من الحكام، وكلمة «عصر» على حكم عدة ملوك أو حكام وليس ملكا أو حاكما واحدا فحسب إلا على عدد قليل من الملوك أو الحكام البارزين فى التاريخ كله، لكن هنا سوف نطلق على عهد أمنحتب الثالث كلمة «عصر»؛ نظرا لعظمة وروعة وجمال الفن فى فترة حكم الفرعون الشمس وطول فترة حكمه التى تميزت بنهضة معمارية وفنية ليس لها مثيل، فضلا عن امتداد أثره الفنى فى فنون مصر القديمة التى تلته، علاوة على تفرد فنه وعصره بين الفنون والعصور فى عهود ملوك مصر وحكام الشرق الأدنى القديم السابقين عليه واللاحقين له.
وورث الملك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة فى قمة المجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام أمثال أحمس الأول وتحوتمس الثالث وأمنحتب الثانى. وحكم الملك أمنحتب الثالث (منذ حوالى1410 إلى 1372 قبل الميلاد) الدولة المصرية العريقة حوالى ثمانية وثلاثين عاما، وكان الملك التاسع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، عصر الإمبراطورية المصرية القديمة، سيدة العالم القديم أجمع. واعتلى العرش بعد وفاة أبيه الملك تحوتمس الرابع فى سن الثانية عشرة تقريبا. وكانت أمه زوجة ثانوية تدعى «موت إم ويا». وشهد عهده رخاء وازدهارا كبيرين.
ولم تسجل السنوات العشر الأولى من حكم الفرعون الشمس كثيرا من الآثار المنتجة فى تلك الفترة؛ نظرا لحداثة سن الملك المشيد لكثير من الآثار الفريدة والمهمة فى ربوع الأرض المصرية الممتدة بعد ذلك التاريخ. وتشير المصادر إلى أن أمنحتب الثالث أمر بإنشاء معبد وقلعة إلى الجنوب قليلا من جزيرة ساى فى صولب، العاصمة الإدارية فى بلاد النوبة، وكذلك بنى معبدا لزوجته المحبوبة والمفضلة الملكة «تى» فى بلدة سدينجه القريبة من منطقة صولب. وأيضا بنى مقرا لحكمه على البر الغربى لشاطئ النيل فى طيبة (مدينة الأقصر الحالية) فى منطقة الملقطة الحالية. ومن المصادر القادمة من ذلك الموقع الأثرى المهم، نعلم أن أمنحتب الثالث عاش فى الملقطة بداية من العام العشرين من حكمه إلى نهاية فترة حكمه لمصر فى حوالى عام 1372 قبل الميلاد. واشتملت منطقة الملقطة على مساكن لأفراد عائلته ورجال بلاطه المقربين.
ومن اللافت للنظر أن أمنحتب الثالث احتفل بعيد «سد» أو «حب سد» ثلاث مرات فى فترة حكمه البالغة حوالى ثلاثين عاما، وذلك فى الأعوام 30/31 و33/34 و37. وعيد «سد» كان هو «العيد الثلاثينى» وكان يحتفل به عادة عند ذكرى مرور ثلاثين عاما على جلوس الملك على عرش مصر، وفيه كان الملك يستعيد شبابه وحيويته وقوته ويؤكد على أهليته لحكم مصر. وجرت هذه الاحتفالات فى طيبة. ومن خلالها والطقوس المصاحبة لها خصوصا فى احتفاله الأول ب«حب سد» أكد على فضل الآلهة عليه، خصوصا آلهة الشمس التى كان يربط بين ذاته الملكية وذواتهم الإلهية.
وتعد الملكة تى الزوجة الرئيسة للفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. وقد تزوج منها فى العام الثانى من حكمه. وكانت تى ابنة لعائلة من إحدى عائلات نبلاء البلاط الأثرياء وتحديدا من مدينة أخميم فى صعيد مصر. ولعبت تى دورا كبيرا فى حياة وفترة حكم زوجها الملك الشمس وأنجبت له وريثه وولى عهده الفرعون الفيلسوف أمنحتب الرابع/أخناتون وعددا من الأبناء والبنات. وفى العقيدة الدينية والملكية لفترة حكم الفرعون الشمس، اعتبرت الملكة تى إلهة السماء الأم، بينما اعتبرت بنات الملك بنات إله الشمس مما يؤكد على رغبة الفرعون الشمس العارمة فى اقتباسه صورة إله الشمس فى شخص الملك المؤله فى حياته لنفسه. ويعد أمنحتب الثالث من الملوك المصريين القلائل الذين قدسوا فى حياتهم.
وحفظ لنا الأرشيف الملكى فى منطقة تل العمارنة (فى مصر الوسطى حيث نقل أخناتون مقر حكمه بعد أن ترك طيبة العاصمة المصرية العريقة) عددا من الرسائل المهمة أو ما يطلق عليه علماء المصريات والشرق الأدنى القديم اصطلاحا «رسائل العمارنة» (المكتوبة بالخط المسمارى) الخاصة بالمراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين الملك أمنحتب الثالث وحكام الشرق الأدنى القديم المعاصرين له. ومن خلالها يظهر حسد حكام بابل وميتانى لثراء الفرعون الشمس خصوصا من الذهب. واستخدم الملك نفوذه الكبير كى يحضر أميرات من تلك البلدان لمصر كى يتزوجها؛ فنراه يتفاوض على زواج أميرات من أرزاوا وسوريا وميتانى وغيرها.
ووصف الملك أمنحتب الثالث ب«قرص الشمس المشع» وعرف بلاطه بالعظمة وصار مضربا للأمثال بالثراء المبهر. واختار رجال بلاطه وكبار رجال دولته من عائلات النبلاء القديمة تماشيا من سياسته القائمة على اختيار أصحاب الدم الأزرق فقط لإدارة دولته. وبعد الوفاة المبكرة لولى عهده الأمير تحوتمس، أصبح الأمير أمنحتب (أمنحتب الرابع/أخناتون بعد ذلك) وليا للعهد ثم صار ملكا على مصر بعد وفاة أبيه الفرعون الشمس.