يعتبر عصر الدولة الحديثة العصر الذهبى للفنون والثراء فى مصر الفرعونية. وتأتى الأسرة الثامنة عشرة على رأس هذه الدولة التى كانت فترة مجيدة فى تاريخ مصر القديمة. وأقامت مصر فيها إمبراطورية مترامية الأطراف فى آسيا وأفريقيا وجلبت خيرات البلدان الأجنبية من تلك الأماكن إلى البلاط المصرى مما زاد من الرفاهية والثراء والرخاء والتنوع الثقافى والعرقى فى تلك الفترة. وظهر ذلك جليا فى الفن المصرى القديم فى ذلك العصر. وفى النصوص الأدبية المصرية القديمة من ذلك العصر، صور ملوك تلك الفترة على أنهم مثال للحكمة والقوة والشجاعة. وظهر الملوك الفراعنة فى عصر الدولة الحديثة فى تماثيل بطولية ذات أحجام كبيرة وشيد الملوك المعابد الكبيرة للآلهة فى مدن البلاد الكبرى خصوصا فى طيبة. وضمت تلك المعابد العديد من الآثار الثمينة من كل الأنواع. وشهد عهد الملك تحوتمس الرابع، والد الفرعون الشمس أمنحتب الثالث، بداية التحول والتغير فى البيئة الثقافية فى الأسرة الثامنة عشرة نتيجة الفتوحات الحربية المصرية فى الخارج وبالتبعية جلبت ثروات مهولة وأفكار جديدة وافدة للبيئة المصرية مما أدى إلى حدوث تلاقح ثقافى مدهش بين القيم المصرية الأصيلة والتقاليد الوافدة الجديدة مع تدفق البضائع والبشر إلى أرض مصر، أم الدنيا، والاتصال بالعالمين الأفريقى والآسيوى وكذلك عالم البحر المتوسط المتنوع.
وعبر الفن المصرى القديم فى عصر الدولة الحديثة خير تعبير عن تلك التجديدات والتحولات الفنية المدهشة التى أبدعتها الذائقة الإبداعية والمخيلة المصرية وفقا لرؤيتها الإبداعية الخالصة فتم استيراد أفكار زخرفية عديدة مثل الطائر الراكض والخط الحلزونى وسعف النخيل وغيرها. واتسم الأسلوب الفنى المصرى الجديد بسيولة الخطوط واستخدام الألوان بسخاء أخاذ وكذلك استخدمت أشكال فنية جديدة تميزت بالانسيابية والاندفاع. ومال الفنانون إلى إبراز الجانب الحسى بشكل رمزى أو صريح فى عدد من الأشكال التعبيرية والتصويرية القديمة والجديدة على السواء مثل الأشعار الحسية وتماثيل النساء العارية. وظهر هذا الاتجاه أيضا على ملاعق الزينة والأزياء وطرزها والمجوهرات. وصورت الأشكال رقيقة. وعولجت السطوح بأسلوب يميل إلى الحسية الراقية. وشاعت التماثيل الصغيرة المصنوعة من مواد مختلفة، وصلقت بشكل كبير، وظهرت فيها التفصيلات، وصنعت العيون والحواجب فيها من الزجاج أو الخزف وأيضا طعمت. وكبر حجم التماثيل المعدنية.
وبالنسبة للملك أمنحتب الثالث وولعه غير المسبوق بالبناء والفن والعمارة والتشييد، فقد اهتم بترميم ودراسة آثار أجداده من الملوك الأقدمين ملوك مصر السابقين وقلد التمثال الشهير لجده الملك خفرع فى تمثال له كان موجودا فى مقبرته بطيبة الغربية (والآن فى متحف جامعة لندن) ويظهره راكعا وكان يحمى رأسه الإله حورس مثل الحال فى تمثال الملك خفرع المعروف عالميا. وفى النصف الثانى من حكم الملك، أشرف الملك شخصيا - أو من خلال مستشاريه المقربين - على تعديل المبانى الدينية فى طيبة وأضاف إليها معبده الجنائزى الضخم فى منطقة كوم الحيتان.
وأقام الملك أمنحتب الثالث عددا كبيرا من المشروعات المعمارية العظيمة لم يبق منها سوى القليل مثل معبده الجنائزى الكبير فى طيبة الغربية الذى لم يبق منه سوى تمثالا ممنون الشهيران اللذان كانا موجودين على مدخل المعبد، ومعبد الإلهة موت فى الكرنك، والصرح الثالث بالكرنك، ومقام مونتو ومعبد ماعت فى الكرنك. وقام أيضا بإضافات مهمة لمعبد الإله جحوتى فى هرموبوليس (الأشمونين فى المنيا). غير أن أهم آثاره المعمارية الكبرى الباقية هو معبد الأقصر بلا شك، وفيه نحتت تماثيل الملك الممتازة من الجرانيت الأسود والأحمر لكن بالأسلوب التقليدى الرسمى دون أن تظهر مكنونها الداخلى الذى كان يريد الملك إرساله إلى مشاهدى تلك التماثيل. وأمر أيضا الملك أمنحتب الثالث بتشييد أعمال ضخمة فى الأقصر ومدينة هابو وأماكن عديدة كان من بينها نحت أكثر من خمسمائة تمثال لإلهة طيبة المعروفة الربة سخمت فى معبد الإلهة موت بالبحيرة المقدسة "أشرو" بالكرنك.
وفى البداية، ظهر الملك على آثار عصره فى الصورة التقليدية كملك رياضى وبناء عظيم قبل أن يركز على صورته الإلهية كى يؤكد على مكانته العالية فى المجتمع المصرى القديم. وقام مهندسه الشهير أمنحتب بن حابو بتخطيط وتنفيذ برنامج معمارى ضخم يلبى رغبات وطموحات ملكه العارمة للخلود والتميز بين ملوك مصر أجمعين.
وعموما فقد تميزت ملامح وجه الملك الفنية، خصوصا فى تماثيله، بالخطوط الخارجية السميكة، والعيون اللوزية الشكل، والشفاه البارزة، والحواجب المقوسة، والأنف المحدد. ومع مرور الوقت، أصبحت الشفاه أكثر استدارة، وتغير الأنف قليلا، مع ميل إلى التجريد، والواقعية فى التعبير. وفى العقد الأخير من حكم الملك أمنحتب الثالث، مال الفن إلى الأسلوب الواقعى؛ فنرى الملك مصورا فى تماثيل سنواته الأخيرة بدينا. وأيضا ظهر واجما من أثر الإجهاد والإرهاق، وفى صورة بشرية. وصار التعبير الحر مصرحا به. وهناك من الدارسين من يعزو تلك التحولات الفنية الكبيرة فى نهاية حكم الملك أمنحتب الثالث إلى تأثره بالأفكار الدينية لولده وولى عهده أمنحتب (أمنحتب الرابع/أخناتون بعد ذلك) الذى ربما شارك والده الملك المسن فى الحكم فى نهاية فترة حكمه لبعض من السنوات غير معروف عددها على وجه التحديد.
وفى نهايات حكم الملك أمنحتب الثالث، حدث تعديل فى تشكيل العيون، وفى شكل جفن العين العلوى، وتم تخطيط الحواجب بطريقة طبيعية، وأصبح الخط الفاصل بين الشفتين منحنيا مزدوجا، وتحولت الابتسامة السابقة إلى تقطبية حزينة، وأصبحت الأذنان شحميتين أكثر.
وتشير الآثار الملكية وغير الملكية من عصر الفرعون الشمس إلى أهمية زوجته الملكة تى طوال فترة حكم زوجها؛ فقد عثر على عدد كبير من التماثيل فى أحجام ومواد مختلفة تصور الملكة مع زوجها، بينما تظهرها النقوش تساعده فى كثير من طقوس العبادة، وتشاركه فى الاحتفالات خصوصا الاحتفال المعروف ب"حب سد". ووصفها أحد النصوص بأنها ترافق الملك مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع.
ومن أبرز ملامح عصر الفرعون الشمس الفنية ما يعرف ب"الجعارين التذكارية" التى أنتجت فى عصره بكثرة لتمجد الملك وتعظم من شأنه فى مصر وخارجها ولعل الملك أهداها لكبار رجال بلاطه. ومن بينها أكثر من ستين جعرانا تذكر الملك أمنحتب الثالث وزوجته الملكة تى وتعرف ب"جعارين الزواج"، وست منها تحتفل بزواجه من أميرة ميتانية، فيما يذكر حوالى إثنى عشر منها شق بحيرة للراحة والاستجمام فى بركة هابو (فى طيبة الغربية) أقامها الملك حبا فى زوجته الغالية الملكة تى، ومن بينها أيضا ما يمجد صولات وجولات الملك فى صيد الثيران والأسود.
وصارت ملامح وجه الملك أمنحتب الثالث نموذجا زخرفيا يحتذى فى الأعمال الفنية لأفراد العائلة المالكة والنبلاء. وسيطر الأسلوب الحسى على المناظر المصورة فى مقابر نبلاء عصر الفرعون الشمس فى طيبة الغربية؛ فنرى فى مقبرة النبيل "خرو إف" مناظر لأميرات أجنبيات يقمن بصب الخمر احتفالا بالعيد "سد" الثالث الخاص بجلوس الملك على عرش مصر. وتتسم هذه المناظر بالرشاقة والدقة ونعومة التنفيذ وفقا للأسلوب التقليدى فى التصوير المصرى القديم. وصور النبيل الشهير أمنحتب بن حابو فى أحد تماثيله بأسلوب أكثر واقعية؛ إذ صورت عيناه بجفنين ثقيلين ونحت وجهه ممتلئلا بالغضون والتجاعيد.
وفى النهاية، فإن عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث وروائعه الفنية والمعمارية الفريدة والعديدة والمتنوعة الخاصة بالملك وأفراد عائلته وكبار رجال بلاطه وحاشيته كان بحق خير شاهد على الثراء والجمال والروعة ودقة الأداء وعظمة مصر فى العالمين القديم والحديث على حد سواء.