ثلاثمائة وخمسون يورو تدفعها الأسرة الواحدة سنويا فى الدنمارك كضريبة للحصول على خدمات إعلامية، تليفزيون وإذاعة وتصفح مواقع الإنترنت الإخبارية، وذلك عن طيب خاطر. حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 96 فى المائة من الشعب يؤدون هذه الضريبة، فيما لا يدفعها الباقون، بعضهم لعدم المقدرة وهؤلاء يتم إعفاؤهم، وآخرون كنوع من التمرد. ولأن المواطن فى الدنمارك هو الممول الأساسى لوسائل الإعلام العامة وليست الرسمية فإنه يتمسك بحقه فى الحصول على خدمة جيدة، شكلا ومضمونا، وإذا شعر أن مرفق الإعلام العام لا يحترم عقله وقيمه، فإنه يحتج ويحاسب، ويجد من يستمع إليه، حتى أن التلفزيون العام هناك خصص محررا عاما لشئون المشاهدين والمستمعين وقراء المواقع الخبرية.
وهذه الضريبة التى يدفعها متلقى الخدمة الإعلامية توفر نحو نصف مليار يورو سنويا تذهب لدعم وسائل الإعلام العامة، ويجرى توزيعها بمعرفة البرلمان، الأمر الذى يوفر للتليفزيون والإذاعة الفرصة لتحسين مستوى الخدمة، دون انتظار للإعلانات أو خضوع لرغبات المعلنين، حيث لا يسمح لوسائل الإعلام العامة بتلقى ونشر الإعلانات.
وفى حالة امتناع مواطن عن دفع الضريبة السنوية للإعلام يتم إبلاغ الشرطة بشأنه التى تذهب إليه لا لتقمع وإنما لتقنع الممتنع بسداد ما عليه، وإذا فشلت المحاولة وكان لديه أسباب قوية فإنه يعفى منها، وإن كان غير ذلك يترك وشأنه، وهذه نسبة قليلة للغاية فى الشعب الدنماركى.
وحسب مسئولين عن الإعلام فى الدنمارك فإن استطلاعات الرأى تشير إلى أن المواطنين يشعرون بالسعادة والرضا لأنهم يدفعون ضريبة تساعد فى الارتقاء بمستوى الخدمة، سواء فى الإعلام أو أية خدمات أخرى، وعقدت الدهشة ألسنة الزملاء فى الوفد الإعلامى المصرى الذى يزور الدنمارك حين قيل لنا إن الناس هنا يفرحون كلما زادت الضرائب، إدراكا منهم وثقة فى أن ذلك يعنى خدمات أفضل.
وفيما يتعلق بالإعلام والثقافة فإن الدنماركيين ينفقون بسخاء على هذين المجالين فى هذا البلد الفقير جدا سكانيا والغنى جدا ماليا، حيث يصل عدد السكان إلى خمسة ملايين بينهم نحو عشرة فى المائة من المهاجرين، مع الأخذ فى الاعتبار أن عدد المواطنين الأصليين يتقلص نظرا لانخفاض معدلات الإنجاب بين الدنماركيين فيما ترتفع بين المهاجرين من دول أخرى، مما أوجد قلقا حقيقيا على الديموجرافيا هناك، الأمر الذى سينعكس حتما على الثقافة والشخصية الأصلية للبلاد.. ومن هنا يأتى الإنفاق الضخم على الثقافة ووسائط وصولها للمواطنين ( وسائل الإعلام).
إن الحكومة المحترمة تقيم علاقتها بمواطنيها على أساس من الاحترام المتبادل، فكما تحترمه يحترمها ويؤدى ما عليه طوعا وبمبادرة منه.. وشتان بين حكومة تقنع وحكومة تقمع.