●●لا يوجد سلام سيئ ولا توجد حرب جيدة.. فى مطلع الثمانينيات دخلت سيناء لأول مرة، وبطول الطريق كنت أشاهد فيلما يروى قصص معارك وتضحيات خاضها جنود وضباط الجيش من أجل تلك الأرض.. كانت الحروب هى معارك جيل الآباء وجيلنا. كان الشعار الذى أنهك أجيالنا: «لا صوت يعلو على صوت المعركة». لكل جيل معاركه التى يخوضها ويدفع ثمنها. وقد كان ثمن معارك جيلنا باهظا. كان هو الدم والموت من أجل الحياة. فى حربى 67 و73 فقدت أصدقاء وزملاء وأقارب.. عانت آلاف البيوت المصرية آلام الفراق، وعذابات التهجير، والحياة تحت سطح الخطر والقنابل. وبكينا شهداء حرب الاستنزاف، وشهداء مصنع أبوزعبل ومدرسة بحر البقر.. فى صمت حارب جيل الآباء وجيلنا ولم يزايد يوما أو لحظة بالثمن الذى دفعه.
●● لكل جيل معاركه. دفعنا دفعا إلى حروب. وليس هذا وقت الحساب ولا الهدف هو السؤال من دفعنا ولماذا حاربنا.. ومثل شباب ثورة يناير الذى تحرك من أجل الحرية والكرامة الإنسانية. ثار جيلنا أيضا وإندلعت المظاهرات فى الجامعات المصرية تطلب الثأر وتطلب الحرب..
●● يوم 6 أكتوبر لن أنساه أبدا. سيظل محفورا فى الذاكرة. فى هذا اليوم كنا آلاف من طلبة الجامعة فى تجارب سفر إلى العواصم الأوروبية. فى السادسة مساء دخل زميل مكان تجمعنا فى أحد أحياء لندن، وهو يهتف ويصرخ: «يا جماعة مصر عبرت قناة السويس».. لم نصدق، خرجنا جميعا إلى الطريق بحثا عن خبر أكيد، قرأنا الصحف المسائية التى حملت مانشيتات عبور الجيش المصرى قناة السويس. كانت الصحف شديدة الموضوعية. تتحدث عن معجزة عسكرية مصرية.. هتفنا من قلوبنا «تحيا مصر».. كنا نستعد للعودة إلى القاهرة يوم 10 أكتوبر. ولم نعد سوى يوم 29 أكتوبر بعد فتح مطار القاهرة. فور هبوطنا من الطائرة. أخذنا نقبل أرض المطار.. خرجنا إلى الشارع. وجدنا مصر مضيئة، فخورة، راضية، متحدة، متفقة. كنا تركنا مصر قبل أشهر وهى حزينة، مضطربة، لا ترى ساعة من المستقبل.
●● الفترة ما بين حرب 1976، وحرب أكتوبر 1973.. كانت سنوات من النضال والقتال.. عشنا معارك الاستنزاف البطولية، وقصص أبطال يعبرون خلف خطوط العدو فى سيناء، أو يخوضون معارك الطيران الضارية، فوق سماء مصر دفاعا عنها.. ومن يمضى فى طرق سيناء، ويرى بعينه بعضا من مقابر شهداء مصر، سيدرك معنى تلك الحرب وثمن الانتصار الذى دفعه جيل المحاربين الذى حمل السلاح دفاعا عنك وعن أبيك وعن أسرتك..
●● الشعب الذى رفض هزيمة يونيو المذهلة وخرج فى طوفان يطالب رئيسه بالصمود والثأر. شعب لا يعرف الانكسار. الشعب الذى يخطط لحرب كانت مستحيلة عسكريا ويخوضها وينتصر فيها. قادر على البناء والانطلاق. الشعب الذى أزاح نظاما ظل يحتل مواقعه 30 عاما بتجمعات سلمية وبهتافات تدوى للحرية والعدالة الاجتماعية، هو شعب لا يستهان أبدا بقدراته، ولا بغضبه.
●● مصر الحقيقية عظيمة وقوية.. وهذا يوم يشهد على ذلك..