تتجول في ساحة عامة أو تسير في طريق بمدينة ألمانية تعج بالمارة، فتتناهى إليك أنغام لمقطوعة من موسيقى بيتهوفن أو موتسارت، مشهد يتكرر في الكثير من الدول الأوروبية... موسيقى الطرقات فن قائم بذاته له مهرجاناته وتقاليده. العزف الموسيقي على قارعة طرقات وساحات المدن الألمانية، أو داخل محطات المترو، وسيلة أخرى للاحتكاك بالجمهور أكثر مما هو وسيلة للعيش، فهو لا يغني عن العمل بشكل عام.
ورغم أن البعض ينظر إلى هذا الفن كطريقة للتسول، إلا أن العازفين الذين ينتشرون في طرقات ألمانيا ليسوا فقط من هواة عزف الموسيقى، الذين لا يحظون بدعوات من قبل منظمي الحفلات والمهرجانات، بل ويوجد بينهم أيضًا بعض من درسوا الموسيقى وأتقنوا فنونها.
هؤلاء يتجولون بين مدن أوروبا بصحبة آلاتهم الموسيقية من أجل السياحة من ناحية، ومن أجل أن تكون لديهم خبرة أمام جمهور عام من ناحية أخرى... كما أن البعض منهم يعزفون في الطرقات تلبية لطلب المؤسسات الثقافية في المدينة بهدف الارتقاء بأجواء المدينة ثقافيًّا ومن أجل تنشيط الحركة السياحية فيها.
هؤلاء يعزفون في طرقات المدن بعض المقاطع من كلاسيكيات الإرث الموسيقي العالمي، مقاطع من سيمفونيات لمشاهير وعمالقة الموسيقى الأوروبية، مثل باخ وهايدن وشوبان وموتسارت... ومنهم من يعزف في فرق موسيقى الجاز، وموسيقى أمريكا اللاتينية كموسيقى رقصة الزالسا، وآخرون يعزفون موسيقى البوب أو الروك أو الراب... لكن القليل منهم يأتي من العالم العربي، رغم أن مثل هذه الظاهرة موجودة في دول عربية مثل المغرب وسوريا، ففي دمشق وحلب بدأ مشروع "موسيقى على الطرقات" منذ سنوات، وذلك بهدف أن يتسنى لجميع الناس سماع الموسيقى الراقية بطريقة مجانية وللارتقاء بأذواقهم الموسيقية أيضًا.
يتطلب عزف الموسيقى في الطرقات تخطي حواجز نفسية كثيرة، أولها الخجل والاستعداد لخوض تجربة مليئة بالمفاجئات والمغامرات، فالعزف في طرقات المدن يختلف عنه في الحفلات المقامة بقاعات الموسيقى... "العازف على الطرقات يبذل جهدًا كبيرًا من أجل أن يستقطب جمهوره".
ليست قليلة هي المدن الألمانية التي تنظم مهرجانات موسيقى في طرقاتها، ومنها مهرجان بريمن الذي نُظم لأول مرة عام 1996، وكان بمثابة مسابقة موسيقية بين فرق كثيرة جاءت من جميع أنحاء العالم، آنذاك شاركت فرقة المايا لموسيقى الجاز الشرقي، التي كان يديرها موسيقي من أصول سورية، رافقه في العزف على آلات أخرى، مثل الساكسفون والفيولينه، وآلات الإيقاع، موسيقيون من ألمانيا والهند.
كما يُنظم مهرجان رودول شتادت للرقص وموسيقى الفولكلور الذي تستمر فعالياته لثلاثة أيام، تتوزع الفرق الموسيقية خلالها في طرقات المدينة لإمتاع المارة بالموسيقى الحية... ويعد هذا المهرجان الذي يتيح لعدد كبير من الموسيقيين الأوروبيين العزف على قارعة الطرقات هو بمثابة تجربة فريدة مليئة بالمفاجآت بالنسبة للموسيقيين. الفكرة السائدة عن موسيقيي الطرقات أنهم يسعون إلى كسب ما يجود به عليهم المارة من مال، لكن الواقع يقول شيئًا آخر، فمنهم من تدعوهم الهيئات الثقافية المسؤولة في المدينة، كما هو الحال في مدينة بريمن.
ولا يقتصر العزف على قارعة الطرقات على الفرق الموسيقية فحسب، وإنما هناك أيضًا مجال مفتوح أمام موسيقيين منفردين... لكن أغلب المدن الألمانية تطلب رخصة باسم العازف حتى يُسمح له بالوقوف أمام مبنى معين أو في إحدى زوايا السوق أو الساحات العامة أو المترو.