حان الوقت للتخلى عن الحلم الأمريكى أو التوقف عنه فترة طويلة، على الأقل. وعلينا أن نسقطه من حوارنا الوطنى. وسوف يكون فى هذا مشقة للسياسيين والمحللين، الذين يستخدمون «الحلم الأمريكى»، كأساس لخطاب يجسد الأهداف التى تبناها جميع الأمريكيين تقريبا. وتلك هى المشكلة. لقد أصبح الحلم الأمريكى توسعيا حتى فى معناه لدرجة أنه يخنق النقاش السليم، ويضر بعض الناس الذين يهدف إلى مساعدتهم بالتحديد. ●●●
فمن الذى يمكنه معارضة الحلم الأمريكى؟ لا أحد. فهو يجمع إيماننا بالفرصة والتقدم والسعى. كما يعكس آمال طبقة متوسطة كبيرة ومستقرة، فى أن يستطيع الجميع الالتحاق بالجامعة، وامتلاك بيت. ويمكن أن يعيش الأطفال دائما أفضل من والديهم.
وتبدو الانتخابات الحالية، فى كثير من الأحيان، منافسة بين الرئيس أوباما وميت رومنى حول من يمكنه استعادة الحلم بشكل أفضل. والنتيجة الواحدة المؤكدة لإيمان الناس بذلك هى: خيبة الأمل. و فى نهاية المطاف، تكمن جاذبية الحلم فى الوعد بالتحقق الشخصى، الذى لا يمكن ضمانه.
والطريف، أن التاريخ يؤكد ذلك. وعلى الرغم من انتشار عبارة «الحلم الأمريكى حاليا»، إلا أنها لم تصبح شائعة الاستعمال إلا بعد السبعينيات من القرن الماضى. وتشير معظم الروايات إلى أن المؤرخ جيمس تروسلو أدامز صاغها عام 1931فى كتابه «ملحمة أمريكا». وتخيل آدامز «نظاما اجتماعيا يستطيع كل رجل وامرأة فيه تحقيق المكانة الكاملة التى يستحقها بالفطرة، وأن يعترف الآخرون بذلك». ولكن العبارة ضعفت، ربما لأنها بدت متناقضة عند التجربة. وبالنسبة لمعظم الأمريكيين، كانت حياتهم دائما عبارة عن معركة. ولا يوجد شىء مضمون. وبالمقابل، كانت رؤية ادامز النبيلة طوباوية.
وصارت العبارة الآن استحقاقا غير رسمى. ويحسب ذلك لبيل كلينتون، قبل أى شخص. فقد أشاع مفهوم أن الأمريكيين «الذين يعملون بجد ويتبعون القواعد لا ينبغى أن يكونوا فقراء». لذلك، إذا كان الناس أصحاب هدف ويتحملون المسئولية، فيجب على المجتمع من خلال الحكومة بناء مسارات للوصول إلى الحلم، وإلى كل ما يعنيه (وظيفة جيدة، منزل لائق، المزيد من الحرية والاختيار).
●●●
وكانت المسئولية الشخصية تبرر العمل الجماعى. ولكن فى الممارسة العملية، كثيرا ما أدت المسارات إلى طرق مسدودة. فقد قيل إن الحصول على شهادة جامعية، يعنى وظائف أفضل، وبالتالى، كان من المنطقى دعم القروض الى تتيح لمزيد من الطلاب الالتحاق بالكلية. ومع تولى وظائف بأجور أعلى، يستطيع المقترضون سداد قروضهم بسهولة. وعلى الرغم من صحة هذا الرأى بالنسبة للبعض، إلا أنه لا ينطبق على الجميع. فقد عانى العديد من الطلاب من الديون الثقيلة من دون أن يحصلوا على الدرجة الجامعية.
وأظهرت دراسة أعدها اقتصاديون من بنك الاحتياطى الفيدرالى فى مدينة كانساس: بلغت مدفوعات أقل من 60 فى المائة من الخريجين الجامعيين الجدد خلال 6 سنوات؛ حوالى تريليون دولار، وتتجاوز المدفوعات السنوية ل 25 فى المائة من المقترضين، أربعة آلاف و 584 دولارا، ويبلغ معدل التأخير فى سداد الدين 9 فى المائة تقريبا. ويوضح التقرير أنه «لا يجوز رفع دعوى ضد المقترضين المتخلفين عن السداد، ويجوز وقف استرداد الفائدة، أو ربما يتم تحسين الأجور».
ويمثل سداد ثمن تملك المنازل وهو الرمز المثالى للنجاح مسارا عكسيا آخر. صحيح أن امتلاك بيت يعتبر هدفَا جديرا بالثناء؛ فهو يؤدى على سبيل المثال إلى استقرار الأحياء السكنية. لكن الترويج لذلك كان مبالغا فيه. فقد أغرت معايير الإقراض الميسرة الناس، بشراء مساكن لم يستطيعوا تحمل تكلفتها، وهو ما أسهم فى الأزمة المالية 2007/2009. ومرة أخرى، كان الضحايا هم أنفسهم المستهدفين بالنفع؛ حيث يشير تقرير كورلوجيك إلى أن خمسىة ملايين أمريكى على الأقل فقدوا منازلهم منذ عام 2007 من خلال عمليات حبس الرهن. وليس هناك مانع من التفاؤل الزائد قليلا والأمل. فلا مفر من ذلك، بل أنه أمر صحى إذا كان سيجعل الناس يشعرون بالرضا ويلهمهم سلوكيات جيدة. ولكن المشكلة تنشأ عندما يتجاوز الافتتان بالحلم الأمريكى الحدود المعقولة. فقد أصبح بديلا عن معالجة المشكلات الحقيقية، وصار عملا من أعمال الخداع الذاتى الجماعى.
●●●
ويفترض الحلم الأمريكى ألا توجد صراعات بين المجموعات. ومع المزج الصحيح بين المسئولية الشخصية والبرامج الحكومية، يمكن للجميع تحقيق الحلم. ولكن هناك بعض المشكلات التى لايمكن تجاهلها. منها المشكلة بين صغار السن وكبار السن. فمع تقاعد مواليد ما بعد الحرب، سوف يرتفع الإنفاق الفيدرالى على المسنين ارتفاعا حادا. وسوف يساعد ذلك المتقاعدين على تحقيق أحلامهم، بينما سيكون تحقيق حلم الأصغر سنا أصعب، عبر ارتفاع الضرائب أو انخفاض الخدمات العامة.
كما أنه لا يمكن تجاهل الحقائق الواقعية التى تعيق انضمام المزيد من الأمريكيين إلى الطبقة المتوسطة. وتكشف دراسة أعدها معهد بروكينجز، أنه لا يتخرج من المدارس الثانوية سوى الثلث فقط، من أبناء الخمس الأشد فقرا بين الأمريكيين، من دون أن يصبحوا آباء أو يتهموا بارتكاب جرائم. وتلاحظ إيزابل سويل الخبيرة الاقتصادية بمعهد بروكينجز أن الفجوات قد اتسعت بين أطفال الأسر الفقيرة والأسر الميسورة، من حيث درجات الاختبارات، والانتظام فى الحضور، وتكوين أسرة. ويتفق مع هذا الرأى الباحث المحافظ تشارلز موراى، وذلك فى كتابه «التمزق».
●●●
ويرى الساسة والمحللون أن ميزة الحلم الأمريكى هى انفصاله عن الحقائق والخيارات السيئة. وهو شعار لا ينبغى ان يستمر لكنه سيبقى، بالتحديد لأنه تدريب على ممارسة الخيال.
جماعة كتاب الواشونطن بوست كل الحقوق محفوظه النشر بإذن خاص