لا يمر يوم إلا ويتورط الاف المصريين فى قروض بنكية تؤدى بهم فى النهاية إلى ساحات المحاكم وربما خلف اسوار السجون .. الديون البسيطة التى اعتمد عليها الشارع المصرى فى شراء اجهزة كهربائية او سيارة او حتى فى شراء شقة وغيره اصبحت كابوس كبير خاصة وان حالة الخداع والوهم الذى تنسجه البنوك حول بساطة استلام القرض وسهوله سدادها سرعان ما تنتهى مع تاخر اول قسط تحت اى ظرف من الظروف . الغريب فى الامر هو انتشار فئة جديدة تسمى سماسرة القروض وهى فئة تختص بانهاء الاجراءات البنكية فى مقابل جزء من القرض. ديون المصريين الشخصية للبنوك وصلت لاكثر من 593 مليار جنيه بعد ان توسعت البنوك العاملة فى مصر مؤخرا فى التجزئة المصرفية نتيجة تزايد حجم السيولة التى وصلت إلى 757 مليار جنيه وهو مبلغ مدان به اكثر من 20 مليون مصرى. الاخطر من هذا هو تخوف العديد من هؤلاء المدينين من الوقوع فى جريمة الربا خاص وان اى قرض يوازيه فوائد شهرية او سنوية وهو الامر الذى يجعلنا نتساءل .. هل يعيش المصريين بالمال الحرام وهل اصبحت البنوك الوصى الرسمى وحاملة اختام قطع الاعناق فى مصر . فى البداية يقول محمد سالم وهو أحد المقترضين من البنوك إنه اعتاد سنويا على الاقتراض لقضاء إجازة الصيف مع أفراد أسرته وأنه يظل يسدد فى القرض طوال السنة من راتبه وما أن ينتهى السداد حتى يحل الصيف مرة ثانية فيقترض مرة أخرى أمام إغراء البنوك التى ترحب به كل ترحيب وتقدم له مختلف التسهيلات والعروض. أما صلاح احمد فيرى أنه مثل كل الشباب كان يحلم بالزواج والبيت وبعد أن سمع عن التسهيلات فى القروض وحصل على قرض تزوج وبعد فترة أصبحت الديون تحيطه من كل اتجاه وزادت همومه ومشاكله وشبت المشاكل بينه وبين زوجته وانتهى المطاف بالطلاق وانهدام البيت والحلم ولم يعد إلا الديون التى تراكمت عليه. محمد عامر يرى أن الظروف لو ظلت على هذا النحو سترتفع نسبة الاقبال على القروض بشكل كبير لأن الشاب غير قادر على تسيير أموره المعيشية بالطريقة التى يرغب فيها ومن جهة أخرى لو تم اعتماد طريقة تخصيص جزء من الراتب للتوفير فإن هذه الطريقة لن تجدى فى ظل الظروف الحالية وغلاء المعيشة وبذلك سيضيع عمر الإنسان ولن يتمكن من تحقيق كل ما يحتاج إليه ويرغب فيه وعلى الرغم من أن القروض ميسرة وتمنح للأفراد بكل سهولة فإن عملية سدادها صعبة لأن الفوائد تكون مرتفعة جدا ولا يوجد شخص فى ظل ارتفاع التكاليف المعيشية بلا قروض فالشخص غير قادر على مواجهة أموره المعيشية فما بالك لو زاد عليها قروض . دكتور رشاد عبده الخبير المصرفى أوضح أن البنوك توسعت فى منح القروض نتيجة زيادة السيولة لديها واضاف إلى أن ظاهرة سماسرة القروض لا تمثل خطرا على البنوك بل إن البنوك فى بعض الأحيان تعطى القروض بضمان الرقم القومى فقط مضيفا أن البنوك التى تتعامل فى القروض تغالى فى أسعار الفائدة التى تصل أحيانا إلى 24% فإذا سدد العميل 50% فقط فيكون البنك هو الرابح لأن فرق سعر الفائدة يغطى له نسبة المخاطر المحتملة من عدم السداد. وأضاف عبده أن المقلق فى الأمر هو حالات الغش التى تقوم بها الشركات والأفراد عن طريق تزوير البيانات لأنها تعمل على انتشار الفساد فى المجتمع متهما البنوك بأنها تعمل على زيادة نمط الاستهلاك وهو مرض قائم بالفعل فى المجتمع المصرى مطالبا بتوجيه هذه الأموال لخدمة الاقتصاد القومي. الدكتور عمرو رضا بيومى الخبير الاقتصادى اكد أن القوانين البنكية منذ نصف قرن لعبت دورا كبيرا فى فتح المجال أمام المواطن البسيط لكسبه كعميل لكننا لا ينبغى ان ننشغل بتلك القروض البسيطة وننسى ايضا رجال الأعمال الفارين بأموال القروض واللصوص بالبنوك السويسرية الذين منحتهم البنوك الفرصة الذهبية حين وافقت على تعاملاتهم بالأرقام وليس بالأسماء مما وفر الخصوصية لهذه الفئة من تهريب أموالهم فى أمان إلى البنوك السويسرية دون مخاوف من معرفة قيمتها أو الضرائب التى تفرض عليها أو حقوق الدول فى المطالبة باسترجاعها.. وبالتالى فإن أموال رجال الأعمال تستطيع دخول بنوك سويسرا والتى تسهم فى مساعدة رجل الأعمال الأجنبى بالأموال والأراضى والإعفاءات الضريبية والجمركية والضرائبية للمستثمرين على العكس من الأوضاع الحالية بالبنوك المصرية والتى تعتبر الحسابات مكشوفة للجميع ولكل الأجهزة الرقابية بالدولة ويتم التحفظ عليها فى حالة وجود تجاوزات أو وقوعها تحت طائلة من أين لك هذا فى حالة كونه موظفا حكوميا رغم اختلاف درجته ووظيفته.. ويضيف الخبير الاقتصادى أن مشكلة البنوك المصرية تعود لارتباطها بالهيئات الحكومية والتى تقلل من خصوصيتها بالاستثمارات بل وإخضاعها لكشف النقاب عن عملائها.. بل تتأثر البنوك بالأوضاع الاقتصادية والاستثمارية للبلاد.. فعلى سبيل المثال أصبحت مدينة دبى الإماراتية سوقا تجارية مفتوحة مما استقطبت الاستثمارات الأجنبية من مختلف الدول وأدى ذلك إلى انتعاش اقتصادى للبورصة الإماراتية وللبنوك كذلك.. كما قررت البحرين أن تصبح بورصة نقدية للتداولات العالمية فى البورصة لتصبح ثالث أكبر بورصة تداول أوراق مالية وتتوسطها بورصتى أمريكا واليابان حتى وإن كانت من النماذج غير الشريفة فقد استطاعت دولة مثل سنغافورة والتى كانت تعانى الفقر والجهل فى تحويل الأموال من بنوك سويسرا إلى بنوكها بسبب ضغوط الاتحاد الأوروبى على الدولة الأوروبية من تغيير منهجها الاقتصادى والتى جعلها تستولى على خمس أموال العالم وهو وما استغلته سنغافورة بفرض السرية على الحسابات وتوقيع غرامة مالية كبيرة بالإضافة للسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات مما أدى لجذب الاستثمارات والأموال إليها.. أما معاناة البنوك المصرية التى هى جزء من حالة التخبط وعدم الاستقرار كل ذلك يرجع إلى عدم وجود أهداف ثابتة أو اتجاهات معينة يمكن من خلالها تحديد الوضع المصرفى الاقتصادى فى المستقبل. ويرى الدكتور ايمن ندى أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أنه على الرغم من كل الجهود التى بذلت وتبذل من أجل التصدى لظاهرة القروض الشخصية العشوائية التى تفاقمت بشكل كبير وأصبحت آثارها الاجتماعية والاقتصادية أكبر من أن يتم احتمالها أو السكوت عليها فإن البنوك ما زالت مستمرة فى سياستها وإعلاناتها الخادعة الهادفة إلى تقديم أكبر قدر من القروض الشخصية والاقناع بالاقتراض والتحايل على الحد الأقصى المحدد للاقتراض الشخصي وعن الآثار الاجتماعية المدمرة لظاهرة القروض الشخصية العشوائية يقول دكتور ايمن أنها أدت إلى تفاقم الكثير من المشاكل داخل الأسرة والمجتمع لأن كثيرا من الأفراد عجزوا عن الإنفاق على أسرهم بسبب أقساط الديون خاصة أصحاب الدخل المحدود ويضيف إن القروض الشخصية فى حد ذاتها ليست ظاهرة سلبية وإنما يمكن أن تقوم بدور كبير وإيجابى فى الاقتصاد الوطنى إذا ما أحسن استثمارها وتنظيمها كما يحدث فى كل دول العالم المتقدمة خاصة فى جانب دعم المشروعات الصغيرة التى يمكن أن تكون قاطرة مهمة لاقتصادنا إلا أن ما يحدث عندنا هو أن هذا النوع من القروض ولأسباب مختلفة أصبح طريقا لإهدار الأموال من ناحية وطريقا إلى السجن وعدم الاستقرار الاجتماعى من ناحية أخرى فبعد أن كان الناس يقترضون لبناء المساكن أو سد ضرورات مهمة فى السابق أصبحوا يقترضون لأتفه الأسباب مثل تغيير السيارة أو الذهاب لمصيف أو المضاربة فى الأسهم أى أن الهدف أصبح استهلاكيا بحتا وأحيانا استعراضيا مما يؤدى إلى إهدار مليارات الجنيهات التى كان من الممكن استخدامها فى مشروعات مهمة فى مجالات استهلاكية أكدت على الطابع الاستهلاكى المتطرف للمجتمع. ونظرا إلى أن البنوك لا تهتم بأخذ الضمانات الكافية من المقترضين كانت النتيجة الطبيعية هى عجز المقترضين عن السداد فى المواعيد المحددة وهنا يكون السجن هو نهاية الطريق بما يؤدى إليه من نتائج اجتماعية خطيرة ويضيف دكتور ايمن ان اللوم كان دائما موجها إلى المقترضين لأنهم انزلقوا إلى الاقتراض لأهداف استهلاكية بحتة ودون أن تكون لديهم نية مسبقة للسداد وكان يتم ترك البنوك دون مساءلة وقد حان الوقت لوقفة مع هذه البنوك التى تهدر ثروات البلد فى قروض استهلاكية وتقود أبناءنا إلى السجون ومجتمعاتنا إلى التفسخ والتوتر. الدكتور احمد يوسف سليمان استاذ الشريعة الاسلامية بكلية دار العلوم يقول القرض من شخص لا يأخذ ربا على قرضه أو بنك إسلامى فيما يسمى بالقرض الحسن أو العمل فى مجال فيه رزق حلال وإن قل وغيرها من الأمور لكن إذا طرقت أبواب الحلال أولا وكانت مغلقة فينبغى النظر للحاجة فإن كانت من الضروريات لا الكماليات ولا التحسينيات فيجوز حينئذ فقط أخذ مثل هذا والضرورة تقدر بقدرها فتأخذ القرض بعد فعل كل هذا على قدر حاجتك بلا أى زيادة وأقول لك حينها أنت وربك .