المكان بالنسبة للمبدع؛ مكانان: أحدهما خارجي فسيح متسع على العالم وجزء منه، يؤطر وجوده ويتنفس هواءه، والآخر داخلي متغير بتغير حالات الإبداع وتواترها.. أرى أن المكان الذي يؤطرني ويحتضنني بين جوانبه اللانهائية، هو فضاء مدينتي الساحرة "الإسكندرية" التي يحلو لي كلما تحاورت مع أصدقاء أو عبر وسائط سمعية وبصرية أو مقروءة.
أستعيد معي الفترات الذهبية التي عانق فيها أديب العربية؛ الأول نجيب محفوظ، مناخ الإسكندرية الساحر لينتج هذه الكوكبة من الروايات (ميرامار السمان والخريف، وغيرها) التي تشم فيه هواء البحر ونسيمه، وتكاد تمسك بتلابيب الإسكندرية دون سواها من خلاله.
بينما يشكل فضاء المكتب المغلق، وفضاء المقهى، وفضاء الشارع، حالات من الإبداع التي قد تحلو في مكان بينما تعز في مكان آخر؛ فللحجرة مذاق في الكتابة يختلف تمامًا عن فضاء المقهى المفتوح على صخبه وضجيجه، والذي يتحول بعلاقة عكسية إلى هدوء وطمأنينة، تهدر فيها أمواج الإبداع بداخل المبدع الذي يتوحد فيها مع ذاته وإبداعه، وينفصل عما حوله لينتج ما قد لا يستطيع إنتاجه في فضائه المغلق على ذاته وحده.