فى أجواء تشبه كثيرا تلك التى عهدناها قبل ثورة يناير، داخل قاعة فاخرة بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، اجتمع أمس عدد كبير من رجال الأعمال والمسئولين الاقتصاديين، ومعظمهم من الوجوه المألوفة فى المؤتمرات المشابهة على مدى السنوات العشر الماضية، ليناقشوا مستقبل مصر بعد الثورة، فى مؤتمر دارت معظم جلساته باللغة الإنجليزية، وألقى الكلمة الرئيسة فيه رئيس الوزراء المصرى، هشام قنديل. «الحكومة تعمل حاليا على وضع برنامج النهضة»، كما قال هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، فى افتتاح المؤتمر الذى نظمته بلتون للاستثمار، بعنوان «مصر بعد الثورة.. فجر جديد»، موضحا أن أولوية حكومته الآن هى التركيز على تحسين الاقتصاد، «دون التشتت فى المطالب الفئوية وغيرها» ومؤكدا أن الحكومة المصرية تواجه العديد من التحديات التى تحول دون النهوض الاقتصادى، «لا أعلم عدد الجبهات التى تواجهها الحكومة، ولكن أعلم أن هناك جبهات».
أكد قنديل أن سد عجز الموازنة العامة للدولة هو الأولوية الأولى للحكومة، وأنها تسعى حاليا لخلق «حوار مجتمعى مع القوى السياسية لمناقشة كيفية سد العجز»، موضحا أن اللجوء للاقتراض الآن يضمن لنا أن نقترض أقل فى العام المالى الجديد»، بحسب تعبير رئيس الوزراء. وعلى الحكومة حاليا استكمال مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى، حيث «تمثل قيمته نحو 25% من إجمالى ما تحتاجه مصر الآن»، وفقا لقنديل، مؤكدا فى الوقت نفسه أن خطة الاصلاحات الاقتصادية التى تقدمت بها الحكومة للصندوق «لم يفرضها عليها أحد».
ورغم الأنباء المتواترة عن اعتزام الحكومة رفع أسعار البنزين خلال الفترة المقبلة كآلية من آليات تخفيض العجز الحكومى، أكد قنديل أن «الحديث عن رفع الدعم مجرد كلام»، وفقا لتعبيره. وكان قنديل قد صرح خلال الفترة الماضية بأن الحكومة تعتزم خفض الدعم المقدم للمواد البترولية من خلال رفع اسعار بنزين 92 و95، إلا أنه بعد إعلان عدة مصادر حكومية مسئولة عن التفاصيل النهائية لبرنامج كوبونات البنزين الذى يستهدف ترشيد دعم الطاقة، أكد قنديل فى عدة تصريحات خلال اليومين الماضيين بأنه لا توجد نية حاليا لرفع أسعار الوقود.
أما أسامة صالح، وزير الاستثمار فقال ردا على أسئلة الصحفيين، أن أحدا لم يتحدث عن رفع الدعم عن الطاقة، «إنما الحديث كله منصب على برنامج لاصلاح الدعم، مؤكدا أن هذا البرنامج «سيطرح على الناس ويتم التوافق حوله»، لأن هذه إحدى وسائل خفض العجز المتزايد فى موازنة الدولة، والذى «لا نستطيع أن نستمر به».
وجدير بالذكر أن حكومة نظيف، السابقة لثورة يناير، كانت تتبنى برنامجا لرفع الدعم تدريجيا عن المواد البترولية، إلا أن المخاوف من رد الفعل الاجتماعى كانت تؤجل من اتخاذ إجراءات حاسمة فى هذا المجال.
واعتبر قنديل أن قضية توليد الطاقة الكافية تعد من التحديات التى تواجه الاقتصاد فى الفترة المقبلة، موضحا أن الحكومة تفتح المجال للقطاع الخاص للمشاركة فى توليد الطاقة، وأنها ستسمح له كذلك ببيعها مباشرة للجمهور، دون حاجة لأن تكون الدولة وسيطا فى هذا المجال، تشترى منه لتعيد هى بيع الطاقة.
كما أكد صالح للشروق أن الحكومة ستسمح للمستثمرين بإنشاء مشروعات لتوليد الطاقة، إلا أنها لن تسمح لهم بتدبير احتياجاتهم من الطاقة عن طريق الاستيراد بأنفسهم.
وفيما يخص الأحكام الخاصة بالشركات العامة التى تمت خصخصتها منذ سنوات وحكم القضاء باعادتها للدولة، قال قنديل إننا «نقف أمام أحكام القضاء مكتوفى الأيدى»، موضحا أن الحكومة ملتزمة بأحكام القضاء الخاصة بالمستثمرين الأجانب، لكنها تسعى فى الوقت نفسه لتسوية المشكلات مع المستثمرين خارج إطار المحاكم.
وصرح أسامة صالح خلال المؤتمر بأن المفاوضات جارية لحل مشاكل المستثمرين العرب، مؤكدا أن هناك ثمانى حالات تم حلها، وسيتم الإعلان عن التسويات التى تمت خلال شهر من الآن، موضحا أن زيارات وفود الكويت وقطر والسعودية لمصر كانت مفيدة فى هذا المجال، وتم خلالها الاتفاق على طرق لحل المشكلات.
واستعرض وزير الاستثمار خلال المؤتمر المشروعات الكبرى التى تسعى حكومته للترويج لها، مثل محور قناة السويس ومحور تنمية الصعيد، باعتبارهما يخلقان فرص عمل يحتاجها الاقتصاد بشدة، بعد وصول معدل البطالة لمستوى مرتفع بلغ 12.6% خلال الربع الأخير من العام المالى الماضى، معتبرا أن التشغيل من أهم التحديات التى تواجهها مصر حاليا.
وردا على سؤال «الشروق» للوزير حول الإجراءات قصيرة المدى التى ستتخذها الحكومة لتحفيز الاقتصاد، بعيدا عن المشروعات الكبرى ذات الأثر طويل المدى، قال صالح إن هناك 128 مشروعا متكاملا جاهزا ليبدأ فيه المستثمرين المستعدين للبدء فيها فى محافظات مختلفة، بالإضافة ل14 مشروعا بنظام المشاركة بين القطاعين العام والخاص يتم الترويج لها حاليا، وسيتم طرحها على المستثمرين فى بداية العام المقبل.
وقال الوزير إنه من المتوقع جذب استثمارات بقيمة 30 مليار دولار من القطاع الخاص المحلى والأجنبى خلال العام الجارى.