«نجت من غارة قتلت جميع أفراد عائلتها بغزة»، هذا هو عنوان الفيلم التسجيلى القصير الفائز بجائزة إيمى الأمريكية منذ أيام، ويحكى عن فتاة فلسطينية صغيرة عمرها 11 عامًا مات أهلها جميعًا وعددهم 47 فردًا بسبب غارة إسرائيلية أدت إلى تحطيم منزلهم، واستخرجوها هى وأخوها الطفل صاحب الخمس سنوات من تحت الحطام، أهمية هذا الفيلم الموثق الذى يكشف الإجرام الإسرائيلى أنه فاز بجائزة عالمية وهى مساوية لجوائز الأوسكار ولكنها فى مجال التليفزيون وتمنحها الأكاديمية الوطنية لفنون وعلوم التليفزيون، كما أن الجريدة التى نشرته وبثته هى «نيويورك تايمز»، ما يعطيه مصداقية عالمية، فمن المؤكد أن جريدة أمريكية لن تبث عملا إخباريًا ضد إسرائيل إلا بعد التأكد من صحة ودقة ما جاء به، هذا الفيلم يجب أن يلف العالم ويكشف للشعوب العدوان الإسرائيلى الغاشم، وما ارتكبه قادة الدولة الصهيونية من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية فى غزة، الجميل فى الأمر أن مخرجة الفيلم منى النجار صحفية مصرية، متخصصة فى مجال الصحافة المرئية وتعمل فى هذا المجال منذ عشرين عامًا، وعملت لفترة فى «نيويورك تايمز» وتركتها لتعمل صحفية مستقلة، وهى حاصلة على الماجستير من جامعة نيويورك فى الأخبار والأفلام التسجيلية، وأعدت وعرضت هذا الفيلم لأول مرة عبر المنصة الرقمية لصحيفة نيويورك تايمز فى أبريل عام 2024، ضمن سلسلة تغطية الحرب فى غزة، ولكنها حصلت عنه على الجائزة منذ أيام قليلة، كانت منى قد قررت إنتاج هذا الفيلم بمشاركة زميل لها اسمه نيل كوليير بعدما سمعت عن فتاة فلسطينية اسمها دارين البياع تم إخراجها من تحت أنقاض بيتها الذى استشهد تحته كل أفراد عائلتها، أجدادها وأعمامها وأخوالها وخالاتها، سافرت منى النجار إلى قطر للقاء دارين حيث كان يتم علاجها مع شقيقها، واستعرضت فى الفيلم مأساة الفتاة الفلسطينية الصغيرة ومحنتها من زاوية إنسانية، فى الفيلم قالت دارين كلامًا مؤثرًا عما حدث وعن حزنها لأنها لم تستشهد مع باقى أسرتها وتصبح معهم فى الجنة؟ منذ أيام وخلال الحفل الذى تسلمت فيه جائزة أفضل تحقيق إخبارى قصير، وحسب تقرير إخبارى نشرته الزميلة المتميزة نوران عرفة بجريدة الشروق، ألقت منى كلمة مؤثرة استعادت فيها اللحظات الصعبة التى مرت بها أثناء التصوير، وقالت «من أصعب اللحظات التى واجهتها أثناء التصوير خلال تغطية هذه الحرب، كان جلوسى أمام فتاة تبلغ من العمر 11 عامًا، مصابة بجروح بالغة، وغير متأكدة مما إذا كانت ستتمكن من المشى مجددًا أم لا؟، وهى تسأل لماذا ماتت عائلتى كلها؟ لماذا لا يعاملوننى مثل باقى الأطفال؟ لماذا لم أتمكن من الذهاب إلى الجنة مع والدى؟ أسئلة تبدو بسيطة، لكنها تحمل ثقلًا لا يمكن تصوره، ثقل محاولة طفلة أن تفهم ما فقدته»، وحكت منى خلال الاحتفال: «أرسلت رسالة إلى دارين قبل مجيئى إلى هنا الليلة. عندما التقيت بها لأول مرة كانت فى الحادية عشرة من عمرها». والآن هى على وشك أن تتم الثالثة عشرة. والقتل مازال مستمرًا. سألتها إن كانت ترغب فى أن أشارك برسالة منها، فقالت نعم. من فضلك ادع لشعبنا فى غزة، ادع لشهدائنا، وجرحانا، كلام مؤثر وحقيقى وعلينا أن نستغل زخم الفوز بالجائزة وننشره كوثيقة دامغة على الإجرام الإسرائيلى وأدعو المحامين والدول التى قدمت للمحكمة الجنائية الدولية شكاوى ودعاوى ضد نتنياهو إلى إضافة الفيلم لملف التحقيقات فى القضية وكذلك فى الأممالمتحدة، كما أدعو نقابة الصحفيين المصريين واتحاد الصحفيين العرب إلى إذاعة الفيلم الذى لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق ونصف وتكريم الصحفية والمخرجة اللامعة منى النجار وهى حسب المعلومات الواردة عنها على صفحات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعى ذات تاريخ حافل فى هذا النوع من العمل الصحفى التليفزيونى حيث رشحت من قبل خمس مرات لنفس الجائزة وكان من بينها ترشحها عام 2018، عن تقرير بعنوان «كيف فر 655 ألفًا من مسلمى الروهينجا» وهو يوثق هروبهم من المذابح والعنف الطائقى ضدهم فى مينامار، وتم عرضه أيضًا عبر منصة نيويورك تايمز، ونافس ضمن فئة أفضل أساليب جديدة فى الأخبار الجارية. ولعل ما يزيد من أهمية تكريم منى النجار فى نقابتنا ما كشفت عنه فى حوارها مع جريدة الشروق بأنها تعمل حاليًا على الإعداد لمشروع وثائقى جديد، بعنوان «لست هناك، ولست هنا» واستلهمت عنوان الفيلم من قصيدة الشاعر الفلسطينى الراحل، محمود درويش، الشهيرة «أنا من هناك»، وتتبع منى فى الفيلم ثلاثة صحفيين فلسطينيين خاطروا بحياتهم لتوثيق الفظائع التى شهدوها خلال الحرب وبثها للعالم. وهم الآن خارج غزة، ويحكى الفيلم رحلاتهم الشخصية بينما يواجهون صعوبة ما فقدوه، ويبحثون عن الوطن. ما تقوم به منى يستحق التقدير والتكريم، وفيلمها عن الصغيرة دارين يجب أن يلف العالم كله.