«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدويقة ترفع شعار : احذروا غضب من ضاع حقه
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 09 - 2012

الأجواء هادئة داخل مكتب التسكين الرئيسى فى مدينة النهضة، مواطن يدفع المبلغ الشهرى لمحافظة القاهرة، وموظفون محاطون بالملفات والدفاتر، «اذهب إلى مكتب تسكين 3، هو الذى كان يتعامل مع متضررى المناطق المهددة بالإنهيار..» العبارة لأحد الموظفين، أما فى مكتب تسكين 3 على بعد 200 متر تقريبا، يشير على سيد مدير المكتب إلى ملفات على أرفف مجاورة قائلا: «هناك قائمة انتظار طويلة، لكننا لم نعد نقوم بتسكين مناطق الدويقة أو غيرها هنا فى النهضة».

لم يكن الحال كذلك قبل عامين، بل كانت قوافل السكان تأتى فى حماية الأمن المركزى بعد الإخلاء حتى يستلموا شققهم هنا فى النهضة، وفى منطقة مجاورة لمكتب التسكين تقع مساكن معروفة باسم «المحتلة» أقام فيها مجموعة من المواطنين بعيدا عن المحافظة، طامحين فى تقنين أوضاعهم. يعلق مدير التسكين بمدينة النهضة قائلا: «لو أخرجتهم السلطات من تلك المساكن المحتلة، ربما يكون هناك فرصة لأصحاب قوائم الانتظار».

تبعد المسافة بين مدينة النهضة ومنطقة الشهبة قرب مساكن الحرفيين فى الدويقة حوالى 20 كم، وعلى مشارف الدويقة، تنتقل العربات المتهالكة من طريق الأتوستراد حتى نهاية مساكن الحرفيين بسرعة بطيئة، وفى أعلى تبة جبلية تقع الشهبة، وهى مصنفة لدى الدولة على أنها ضمن المناطق غير الآمنة وتنتظر الإزالة بأكملها.

تبدأ رحلة الوصول إلى منزل الحاج أبومصطفى بطريق صاعد إلى التبة ثم المرور فى ممرات تتسع لفرد واحد، أقرب إلى سلالم حجرية صنعها السكان، وفى حجرة ضيقة هى منزله الذى لا تصله المياه، يُخرج من جيبه قرار نيابة منشأة ناصر المحرر فى نوفمبر الماضى بشأن شكوى تقدم بها أهالى «الشهبة»، وينص القرار على: «تكليف رئيس الحى باستكمال الإجراءات اللازمة، والحصر المطلوب للسكان وتحديد إذا ما كانت المنطقة تمثل تهديدا للأرواح».

على جدار الغرفة رقم مدون بالطباشير وضعه مسئول حصر السكان قبل مدة طويلة، «أخذوا أوراقنا وبياناتنا ولم نحصل على شقق، وليس هناك وعود حقيقية بأى شىء..». طوال الوقت يكرر الجالسون حول أبومصطفى عبارات تحمل الغضب والاستياء: «محدش حاسس بينا»، «فى ست أسر فى بيت واحد.. يرضى ربنا ده ؟!»، «إحنا لو معانا فلوس نقعد هنا ليه؟ المستفيد الوحيد هنا البلطجية!». يتدخل حنفى محمود أكثرهم صخبا وحماسا كى يوضح: «هناك فساد تسبب فى ضياع حقوقنا». يعمل حنفى بشكل متقطع فى مجال العمارة، وتوافرت له مؤخرا فرصة التواصل مع لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى لنقل معاناة أبناء تلك المنطقة، من نماذج المعاناة التى يستعرضها أن تقوم السلطات بإخلاء إحدى العشش أو البيوت المتهالكة، وتقوم بالهدم دون تعويض. ويروى قصة أخته التى تعرض بيتها المتواضع إلى تشققات بسبب تنقيب عشوائى عن آثار من قبل أحد سكان المناطق المجاورة.

جاء فى دراسة بعنوان «الحماية الجنائية للحيازة» للدكتور عماد الفقى المحاضر فى القانون الجنائى بعض التوصيات بشأن تغليظ العقوبات المقررة لجرائم الاعتداء على الحيازة، سواء كانت الاعتداءات من الأفراد العاديين أو الموظفين العموميين، وهو هنا يجرم أيضا عملية الإخلاء القسرى على يد الأمن التى تتم فى أغلب المناطق العشوائية، وصدرت تلك الدراسة عن مركز «شفافية» للدراسات المجتمعية والتدريب الإنمائى، الذى يتابع حالة سكان الشهبة. يعلق حسين متولى، مدير المركز: «فى البداية علينا أن نشير إلى مخطط القاهرة 2050، الذى يقوم على رؤية تعتمد على الاستثمارات المستقبلية، فى المناطق العشوائية مثل مناطق ماسبيرو ورملة بولاق، وفى هذه المواقف يتحول المواطن إلى جزء من خطة لا دور له فيها، خاصة فى حالة الإخلاء، ولدينا نموذج أرض حكر أبودومة فى روض الفرج التى أزيلت للمنفعة العامة، وحتى الآن لم ننتفع كمواطنين بهذه المنطقة، إنه منطق السلطة فى التعامل مع الأهالى».

الدويقة ضمن اماكن الخطورة الداهمة - تصوير : روجيه انيس

السير بحذر بين الدروب الصاعدة فى منطقة الشهبة، تكشف عن بيوت وعشش أقرب إلى مكعبات حجرية، ضربت التشققات بعض جدرانها، والجميع هنا يدبر أمره فى توفير الكهرباء أو المياه أيا كانت الوسيلة. يشير حنفى محمود من أعلى التبة الجبلية إلى مساكن سوزان مبارك بالأسفل، ويعلق حسام على الشاب الثلاثينى قائلا: «طوال السنوات الماضية كانت أمامنا هذه المساكن، ولم نفكر فى احتلالها مع من خاضوا هذه التجربة بعد الثورة، لكن أن نكتشف أنه قد سكنها من ليس لهم حق، ونحن هنا نطل عليها دون أن نسكن.. هذا ظلم». يشكك عدد من السكان فى إجراءات التسكين التى تجريها المحافظة، وفى وجود فساد حكومى يسمح لغير المستحقين أن يسجلوا أسماءهم محل سكان الشهبة، ويضربون الأمثال بحالات أخلت السلطات منازلهم، وتركتهم فى العراء، ووصل غيرهم إلى المساكن المجاورة بواسطة الحكومة.

تمثل المناطق غير الآمنة للسكن حوالى 25% من المناطق العشوائية فى القاهرة، ورغم هذه النسبة إلا أن المسئولين يصرون على ردهم المعتاد بعد كل شكوى: «ليس هناك مساكن متوافرة !».

العالم فى الشهبة صغير ومحدود، فى مناطق مجاورة هناك من هم أيسر حالا من سكان هذه التبة، وإن كانوا فى بيوت شبيهة، وفى عالم صغير كهذا تتلاقى الوجوه فى مقاهى مساكن الحرفيين المجاورة، بين العاملين فى الحى والسكان، وبين المستضعف والبلطجى، وتظل النار تحت الرماد. «لو قامت ثورة تانية، هنبقى إحنا اللى وراها، عشان ناخد حقنا من البلد». يلقى حنفى محمود عبارته، وفى الخلفية من بعيد أبراج على بعد كيلومترات لأحياء أرقى وأوفر حظا. قد تتعرض هذه المنطقة إلى انهيارات فى أى وقت وقد تتعرض بعض المساكن المتشققة إلى انهيارات قد تردم أسفلها حضانة للأطفال ومساكن أخرى، ويحتمى بعض السكان هنا بالحكومة كدرع لوجوده فى المنطقة... يقول حنفى محمود: «عرضوا علىّ أكثر من مرة أن أحصل على سكن فى أكتوبر، أو أى مكان آخر، لكن رفضت أن أترك أهلى وأهرب وحدى». المصير المحتوم هنا إما انهيار صخرى نتيجة بناء جديد أو تنقيب عشوائى، أو الانتقال إلى سكن آخر لا يعلم محله أحد حتى الآن.
«العشوائيات ليست عنوانا واحدًا لمشاكلنا»

• 3 أسئلة إلى الدكتورة رباب الحسينى، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حول المناطق العشوائية وطرق التعامل معها

•إلى أى مدى يتسبب التجاور بين العشوائيات والمناطق الأوفر حظا فى مشاكل مجتمعية وأمنية؟

هؤلاء القاطنون فى المناطق العشوائية حاولوا حل مشكلاتهم فى السكن بطريقتهم الخاصة بعد عجز الدولة عن توفير حلولا لهم ولأسباب أخرى متعلقة بهجرة بعضهم من الريف إلى الحضر، ومن المؤكد أن هناك سؤالا يدور فى أذهانهم هو «لماذا لا أحصل على حقى مثل بقية المناطق الأفضل حالا؟»، هذا السؤال لم تترجم اجابته إلى اعتداءات من مناطق عشوائية على مناطق راقية، وذلك حسب ما تؤكده الدراسات فى السنوات الماضية، وتفسير هذا الأمر هو أن سكان المناطق العشوائية فى موقف ضعيف أمام الدولة والمجتمع، بسبب مخالفتهم القوانين فى البناء والسكن. الأمر الآخر هو أن الدراسات تكشف عن أن شريحة كبيرة من أبناء هذه المناطق هم من أبناء الطبقة الوسطى، فليس كل سكان العشوائيات فى حالة متردية اقتصاديا، ما يجعلهم غير مضطرين إلى التعدى على المناطق الراقية، لكن تبقى الخطورة فى ضعف الحالة الأمنية الحالية، وانتشار السلاح مع المواطنين دون ترخيص، وهو يجعلنا نخشى أن نرى تلك المحاولات فى المستقبل.
• ما الضوابط المفيد فى عمليات نقل السكان فى حالات المساكن المهددة بالانهيار والعشوائية؟

فكرة نقل السكان فى حد ذاتها ليست الحل الوحيد لأزمة العشوائيات، لأن ما يحدد هذا الأمر هو الدراسات الهندسية والعمرانية لتلك المناطق، والفيصل هنا هو سلامة السكان، كأن تتوافر على سبيل المثال مساحات تسمح بمرور عربات الإطفاء والأمن فى حالات الطوارئ. ويبقى أمر آخر لا يقل أهمية وهو وجوب استطلاع آراء السكان ومدى ارتباط محل سكنهم بمعيشتهم واقتصادهم، وهل بالإمكان تقنين أوضاعهم أم الأفضل إعادة توطينهم فى مناطقهم داخل مساكن أكثر تطورا.. تلك الأمور كلها يجب أن تخضع للدراسة أولا.
• هل تبتعد خطط الدولة أحيانا عن واقع سكان المناطق العشوائية وطموحاتهم المستقبلية؟

للأسف إحدى أكبر الأزمات التى تعانى منها هذه المناطق هو تعامل الدولة معها لفترة طويلة بمنطق أمنى، وقد بدأ هذا التوجه بعد مقتل الرئيس الراحل أنور السادات واكتشاف بؤر إرهابية فى مناطق ذات طابع عشوائى. الأمر الآخر الذى يعانى منه سكان هذه المناطق هو وصمها بأنها أوكار للجريمة، ما يجعلها عرضة للتعسف الحكومى، علما بأن الدراسات الجنائية تكشف عن واقع آخر، فعلى سبيل المثال هناك تواجد لتجارة المخدرات فى مناطق أوفر حظا ولا يتم وصمها مثلما هو الحال مع العشوائيات. ما أراه هنا هو أن الدور الحكومى ضعيف بشكل عام، وليس ذلك عن نقص فى الاموال أو القدرة على توفير بدائل، فهناك جهاز متخصص مثل صندوق تطوير العشوائيات أنشئ خصيصا للتعامل مع هذه القضية، لكن ما هى إنجازاته حتى الآن؟ الأزمة هنا فى الإدارة والإرادة معا.




الخصوص وأبوحشيش: الاسم عشوائيات والقصة مختلفة
• حكاية قرية زراعية تحولت إلى مدينة غير مخططة..وسيرة عزبة فى قلب العاصمة
تبعد المسافة بين مدينة «الخصوص» شمال شرق القاهرة وعزبة أبوحشيش فى وسط العاصمة حوالى 11 كم، وكلاهما مصنف ضمن المناطق ذات التخطيط العشوائى، لكن ما يعيشه محمد شحاتة المحاسب الشاب فى مدينة الخصوص مختلف تماما عما يعيشه الشيخ محمد سيد أحد قدامى سكان عزبة أبوحشيش.

قبل أكثر من 15 سنة كان بإمكان المحاسب الشاب محمد شحاتة أن يرى من شرفة منزله فى قرية «الخصوص» القديمة مساحات واسعة من المزارع الخضراء تنتهى بعيدا، قرب ترعة الإسماعيلية على بعد مئات الأمتار. هذا الواقع تغير اليوم إلى مساحات مزروعة بمبان سكنية تتراوح ارتفاعاتها بين 6 إلى 12 طابق، «يمكن للساكن فى شقته أن يسمع تفاصيل حياة جاره فى العمارة المقابلة بسبب ضيق الشوارع، عمارات سكنية مقبولة المظهر، لكنها بنيت فى فوضى وعلى غفلة أحيانا من الدولة أو بتواطؤ من موظفيها فى أحيان أخرى»، يصف محمد شحاتة الذى يعمل فى مجلس مدينة الخصوص ذلك المشهد أثناء عبوره إلى منزله فى شارع البنزينة (داير الناحية سابقا) حيث مازالت هناك بعض ملامح القرية البائدة فى بعض المساكن القديمة. ذلك التطور النهائى لمدينة الخصوص يشبه قصة أكثر من 70% من العشوائيات فى مصر المقامة على أراض زراعية، حسب أرقام المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة. أما فى عزبة أبوحشيش بحى حدائق القبة فالواقع يحمل تطورا آخر أكثر اختلافا، حيث يلاحظ المارة هناك أزمة فى المرور من أمام مدخل العزبة الرئيسى ناحية شارع بورسعيد فى غمرة بسبب تضخم تجارة الروبابيكيا والخردة على أطرافها، وأغلب العاملين فيها من المهاجرين حديثا خاصة من محافظة الفيوم، وهو ما يصيب شخصا مثل الشيخ محمد، الذى عاش فى العزبة منذ ميلاده قبل 57 سنة، بحالة من الغضب. «كان أهلنا فى الماضى من سكان العزبة يعملون فى المصانع المجاورة التى أغلق معظمها الآن، ومنذ سنوات طويلة هناك حديث لا ينتهى عن إزالة المنطقة، لكن لم يحدث شيئا».

قد تتشابه بعض المشكلات بين منطقة قديمة مثل أبوحشيش ومنطقة أخرى مثل الخصوص فى مشهد برك المجارى والتكدس السكانى، لكن الصورة لا تتطابق أبدا، إذ تظل الأحداث أكثر كثافة فى أبوحشيش لصغر مساحتها (حوالى 20 فدان) فى مقابل (1200 فدان) هى مساحة الخصوص منها (1000 فدان) من البناء العشوائى، وبينما ظلت أبوحشيش منسية من محاولات التغيير الجذرى، تضخمت الخصوص حتى تحولت من قرية إلى مدينة فى العام 2006.

«تنتمى جذور عائلتى إلى العتامنة فى مركز طما بمحافظة سوهاج، وهذه الناحية من عزبة أبوحشيش كانت معروفة بهم، وفى مدينة الخصوص هناك مساحات أيضا قطنها العتامنة أبناء عمومتى حين بدأ العمران هناك». تلك المفارقة يذكرها الشيخ محمد صاحب الحضور فى عزبة أبوحشيش حين يطرح اسم مدينة الخصوص أمامه كبديل سكنى، كثير من سكان عزبة أبوحشيش الذين يقدرون ب120ألف نسمة حسب آخر إحصاء حكومى ليس لديهم القدرة المالية للانتفال إلى شقة أخرى فى مناطق من نوعية الخصوص أو غيرها، إذ تتكرر عبارات على ألسنة الشباب الجالس فى المنطقة مثل: «إن كان هناك من يستطيع مساندة المنطقة فى تطويرها أو دعم سكانها فعليه ألا يتأخر».

تقع عزبة أبوحشيش على خطة الدولة فى مشروع القاهرة 2050 ومصنفة ضمن المناطق غير الآمنة، وقبل سنوات أجرى حصر للسكان، وكانت هناك وعود بأن يتم تطوير المنطقة وتسليم شقق جديدة للمتضررين أو تعويض مالى. «قمنا بمبادرة أن نقيم أكشاكا وسوقا بديلا ناحية السكة الحديد لتجار البيكيا والخردة، لكن لم يتجاوب معنا أحد من الحكومة، ولم يتحمس كثير من السكان». الجملة للشيخ محمد الذى وصل إلى قناعة مفادها أن المنطقة بأسرها فى حاجة إلى قرار حكومى واضح، يشرح ذلك: «قد لا يتفق أغلب المالكين هنا فى العزبة مع وجهة نظرى فى التعاون مع أى محاولة تطوير أو إزالة، لأنهم يريدون الاستفادة من مساكنهم وإعادة بناءها، أما حل الإزالة والنقل هو الأنسب للمستأجرين أو السكان الأكثر بؤسا.. أنا عن نفسى ورغم أننى مالك سأحشد للقرار الصائب للعزبة حتى إن كان فيه قرار بإزالة منزلى القديم.. المهم الصالح العام». يتم هذا الحديث الآن فى خلفية واقع جديد فى عزبة أبوحشيش بعد الثورة، وهو ازدياد موجة بناء العمارات الجديدة بعد هدم المساكن القديمة المتهالكة. ورغم ضعف هذه الموجة لكنها قد تعيق أى تطوير مستقبلى، إذ بنيت عمارات يتجاوز بعضها العشرة طوابق، كذلك فإن بعض رجال الحزب الوطنى السابق كانوا يتعاملون مع المنطقة على أنها كتلة تصويتية يمكن الضغط عليها فى المواسم الانتخابية، لذا تم تكريس الوضع على ما هو عليه.

تجارة الروبابيكيا والخردة على اطراف عزبة ابو حشيش - تصوير : مجدى ابراهيم

هذا الواقع مختلف تماما عن منطقة مثل الخصوص، فمشاكلها أضخم وفى حاجة إلى تطوير يتناسب مع عدد سكانها الذى تجاوز المليون مواطن. يصف الوضع محمد شحاتة، الذى كان ممثلا لحملة أبوالفتوح فى الخصوص قبل أشهر، قائلا: «حركة بيع وتقسيم الأراضى أوجدت مجالا جديدا للعمل، وكذلك اعتمدت على حالة الفساد فى الفترة الماضية، وبعد الثورة أصبح هناك نوعا من التمادى فى تعلية الطوابق السكنية.. الجميع يتعامل بسياسة الأمر الواقع، وهو أمر مخيف إذا ما أردنا إزالة مخالفة أو تطوير للمنطقة».

موقف الوافدين حديثا على المنطقتين سواء عزبة أبوحشيش أو القرية العملاقة «الخصوص» هو ضعف المشاركة المجتمعية. فى أبوحشيش يعمل أغلبهم فى تجارة الخردة، تاركين المسؤولية الاجتماعية لأهالى العزبة الأصليين، وفى الخصوص رغم اتساع مساحات السكن، إلا أن الأجواء العائلية ما زالت ذات حضور هناك. ورغم ما تعانى منه الخصوص من وصم بسبب أزمة التعامل مع القمامة والصرف الصحى ومشكلة المياه، لكنها لم تتعرض للوصم الذى تعرضت له عزبة أبوحشيش فى حملات إعلامية تناولت العشوائيات من موقف يعتبر سكان عزبة أبوحشيش بؤرة إجرامية. هناك قد تجد شابا مصابا بقنبلة «المونة» فى يده أثناء شجار، أو آخر مصاب بخرطوش عرضا بسبب نزاعات بين التجار ناحية الشارع الرئيسى، ويدافع أحد الشباب عن ذلك قائلا: «أى منطقة شعبية كده.. احنا ماختلفناش كتير». يعلق الشيخ محمد موضحا: «تجار المخدرات هنا معروفين لدى الأمن، وليسوا شريحة واسعة كما يدعى الإعلام، اسم المنطقة ليس له صلة بالمخدرات، لكن اسم إحدى العائلات القديمة هنا.. كل ما نطلبه هو أن تنصت الحكومة لمبادراتنا، فنحن أدرى بشئون عزبتنا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.