لم يخب أمل عشاق سينما أمريكا اللاتينية بجمالياتها السردية وحساسيتها الشعرية٬ وهم يقبلون على مشاهدة الفيلم الشيلي "فيوليتا تصعد إلى السماء"، في إطار عروض المسابقة الرسمية لمهرجان سلا لفيلم المرأة. لغة سينمائية راقية وقص شاعري لمسار حياة امرأة أيقونة في تاريخ الشيلي الحديث٬ يجعل الفيلم أبعد ما يكون٬ جماليًّا٬ عن الصفة الوثائقية السير ذاتية٬ رغم أنه يستعيد بالفعل سيرة حقيقية جدًّا للفنانة فيوليتا بارا... وفي المقابل٬ مصداقية فنية وأداء يشد الأنفاس وسيناريو محكم الأجزاء٬ يضع المتخيل في خدمة تاريخ شخصي حد التماهي.
والحال أن المخرج أندريس وود كان أمام امتحان صعب بالنظر إلى قيمة وخصوصية السيرة الشخصية والفنية لفيوليتا بارا٬ المغنية٬ الشاعرة٬ الرسامة الشيلية٬ أيقونة الثقافة الأصلية بهذا البلد... ففيوليتا هي بمثابة إديث بياف الفرنسية وجيمس دين الأمريكي.
فلاش باك يعيد بناء سيرة فيوليتا بارا منذ طفولتها المضطربة مع أب مدمن على الكحول٬ إلى لحظة قرار انتحارها داخل مسرحها الفارغ من جمهور انفض عن أغاني الفولكلور القديمة٬ مرورًا بتقلبات وانعطافات عاصفة... حياة عاطفية مطبوعة بالخيبة٬ أحلام فنية منكسرة على صخرة زمن متغير٬ التزام سياسي إلى جانب المضطهدين٬ ميل شبه مُرضٍ إلى الاكتئاب والإحباط... هو جهاز نفسي معقد، ذلك الذي تقمصته الممثلة فرانسيسكا كافيلان٬ بحساسية عالية التوتر وأداء حركي وتعبيري مدهش.
يوثق الفيلم حياة استثنائية٬ حافلة بالأحداث٬ جغرافيات متنوعة ومراحل حياة متعاقبة٬ غير أنه يحافظ بتماسك نصي وسلاسة في الذهاب والإياب عبر الزمن٬ على وحدة بنائه وقوة جاذبيته؛ ليشكل واحدة من نقاط قوة برمجة الدورة السادسة لمهرجان سلا.
ومصاحبة لهذه العناصر التي صنعت قوة فيلم "فيوليتا تصعد إلى السماء"٬ جاء العمل وثيقة سينمائية موسيقية تؤرخ لقطع من ذاكرة الموسيقى الشيلية الأصيلة المرتبطة بالقرويين البسطاء الذين يحيون تحت وطأة الشعور بطاحونة الزمن.
إنها سيرة شخصية، لكنها قصة منتجة للمعنى٬ خلاصة معركة محتدمة مع الحياة، ومساءلة فلسفية للوجود، ونمط حياة يرنو إلى تجاوز السطحي المادي، والرهان على الجوهري والإنساني.
وكتب موقع "فارييتي" الشهير، المتخصص في السينما عن الفيلم "إنه يستعيد سيرة الفنانة الشيلية فيوليتا بارا بحساسية ولمسة رائعة... يحكي بأناقة قصة امرأة سعت دائمًا الى إيجاد موطئ حياة لها".
فيلم "فيوليتا تصعد إلى السماء" يكرس تميز المخرج أندريس وود الذي سبق أن وقع أعمالا حظيت بترحيب هام٬ خصوصًا من خلال فيلمي "الحياة الجميلة" (2008)، و"صديقي ماتشوكا" (2003).