بعبارات قاطعة، نفى وزير التنمية المحلية، اللواء أحمد زكى عابدين، الاتهامات التى واجهته، فور الإعلان عن دخوله فى التشكيل الحكومى الأول فى عهد الرئيس محمد مرسى، بأن المجلس العسكرى فرضه وزيرا على حكومة هشام قنديل، لكسر سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكومة الجديدة، بمنحه سلطة إدارة «المحليات»، الممثلة لأبعد نقاط «الدولة العميقة». عابدين الذى عمل ضابطا مهندسا فى القوات المسلحة، وتولى قيادة سلاح المهندسين خلال الفترة من 1995إلى 1997، قبل تعيينه رئيسا لدار الهيئة الهندسية، شدد فى حواره مع «الشروق»، على أنه لم يتنصل من خلفيته العسكرية، مؤكدا اعتزازه بالانتماء لهذه المؤسسة، التى نشأ فيها، واعتبرها «مصنع الرجال».
وفجر عابدين فى حواره مفاجأة، بتأكيده أن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، المشير حسين طنطاوى، فوجئ بتوليه منصبا وزاريا فى الحكومة الجديدة، رغم أنه كان يستعد للرحيل من منصبه كمحافظ لكفر الشيخ، وهو المنصب الذى استمر فيه مع عدة حركات للمحافظين، مضيفا أن كمال الجنزورى، كان أفضل رئيس وزراء جاء بعد ثورة 25 يناير، ووصفه ب«رجل المهام الصعبة» للدور الذى لعبه فى المرحلة الانتقالية، بسبب خبرته الطويلة فى مجال العمل العام، والعديد من المناصب التى تقلدها طوال حياته، خصوصا أن جميع الوزراء الذين عملوا فى تلك المرحلة، كانت تسيطر عليهم حالة من الارتباك والتخوف، بالإضافة إلى عدم تمتعهم بخبرة الجنزورى فى إدارة الأزمات.
●عاصرت آخر حكومة لنظيف قبل الثورة، وجميع الحكومات التالية لها، ما تعليقك على أسلوب إدارة هذه الحكومات لملف الإدارة المحلية؟
الفترة التى تلت الثورة، كانت مرتبكة للغاية بالنسبة لأى حكومة، ولم يكن من السهل إدارتها، وبالتالى من الظلم تقييم أى رئيس وزراء عن هذه الفترة، لأن التقييم الحقيقى لا بد أن يكون فى ظروف عادية متوازنة، وليس فى ظروف مثل التى نمر بها حاليا، وأنا عملت محافظا فى فترة ما قبل الثورة، ووقتها لم تكن بالصعوبة التى حدثت بعدها، فالفترة الأخيرة كانت أقرب إلى فترة «إطفاء حرائق»، والطوارئ، بما فيها من احتجاجات للمواطنين بمختلف أنحاء البلاد.
● فى رأيك.. من أفضل شخصية تولت إدارة مرحلة ما بعد الثورة؟
أعتقد أن الجنزورى هو كلمة السر فى مرحلة «ما بعد الثورة»، لتمتعه بدراية كاملة بجميع نواحى الدولة، فهو يتمتع بشخصية قوية، كما أنه رجل دولة من الطراز الأول، وهو جدير بالاحترام، وكان رجل المهام الصعبة دون جدال، فهو الوحيد الذى تعامل مع مرحلة ما بعد الثورة بشكل صحيح، ولم يترك نفسه يستدرج إلى المظاهرات والاحتجاجات التى كانت قامت أثناء توليه الوزارة، وأصر على استكمال إدارة المرحلة على الوجه الأكمل.
ورغم منعه من دخول مجلس الوزراء، خلال الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الحكومة، لم يستطع أحد إيقافه عن العمل، واستمر فى مهام عمله بأسلوب وطنى محترف، ناتج عن خبرة طويلة فى العمل الحكومى، ومجال الإدارة، لأنه تدرج فى المناصب من محافظ إلى وزير تخطيط ثم رئيس وزراء لفترة طويلة، وكانت فترته مليئة بالإنجازات، التى جعلت منه رجلا واثقا من نفسه، فلم تفاجئه المظاهرات التى أحاطت بمقر الحكومة المؤقت فى هيئة الاستثمار، ولم يستسلم لمحاولات إشاعة الفوضى.
أما رؤساء الوزراء الآخرون الذين تولوا الحكومة بعد الثورة، خلاف الجنزورى، فلم يرتق أداؤهم إلى المستوى المطلوب، لأنهم كانوا يعملون رؤساء للحكومة لأول مرة، فى مرحلة ليست هينة، فضلا عن افتقادهم للخبرة التى تشبع بها الجنزورى فى التعامل مع الأزمات، فالسياسة خبرة أولا وأخيرا، ولا فائدة من تولى شخصية ذات كفاءة مع افتقادها للخبرة فى المرحلة الحرجة التى تمر بها البلاد.
● ما هى المعوقات التى تواجه حكومة هشام قنديل فى المرحلة الحالية؟
المعوقات الأمنية والاقتصادية، فلا بد من عودة الأمن إلى الشارع، لأن عدم تعافى الأمن يقف حائلا أمام إنجاز العديد من المشروعات، كما أن الإضرابات والاحتجاجات المتوالية، خاصة العمالية منها، تمنع تحقيق طفرة فى الناتج المحلى، والتى تأتى على أثرها المشكلة الاقتصادية، فنحن نحتاج إلى موارد، ولا نجد ما يكفينا، ولا أحد يساعدنا الآن، ولا يجب أن نصدق أننا سنحصل على مساعدات من أية جهة، لذلك يجب أن تتوقف الإضرابات والمظاهرات، والتى يصل بعضها إلى حد التخريب وقطع الطرق، وأن يتجه الجميع إلى العمل والصبر، حتى عبور هذه المرحلة.
والذين يطالبون بزيادة رواتبهم أو التثبيت، عليهم العمل أولا ثم المطالبة، ولا مانع من انتظاره فترة قليلة إضافية ليتم تثبيتهم، فبعد صبر عدة سنوات، يمكن الصبر لهذه الفترة، حتى يسترد الاقتصاد المصرى عافيته، خصوصا مع وجود معوقات تمنع تثبيتهم فى الوقت الحالى، أهمها عدم وجود ميزانية تسمح بذلك، كما أن كل من يتخذ التظاهر وسيلة للضغط على الحكومة، عليه أن يعلم أنه لن ينال شيئا.
● ما تعليقك على ما أثير حول ما تردد بشأن إصرار المجلس العسكرى على ضمك لحكومة قنديل، لمنع سيطرة «الإخوان» عليها؟
مبدئيا، لا علاقة للمجلس العسكرية بتعيينى، ولم يرشحنى أى من أعضائه للانضمام إلى حكومة قنديل، وبالإضافة لذلك، فإن المشير حسين طنطاوى نفسه أصابته الدهشة، حين أبلغته عن وجودى فى التشكيل الحكومى، فهو لم يكن على علم بترشيحى من الأساس، كما أننى علمت بترشيحى لتولى المنصب، قبل يوم واحد من أداء اليمين الدستورية أمام الرئيس محمد مرسى، لأننى كنت محافظا يستعد للرحيل.
وأنا أفتخر بانتمائى للمؤسسة العسكرية التى نشأت فيها، فهى تضم أفضل العناصر، وضباطها أدوا أروع الخدمات للبلاد خلال الفترة الانتقالية، وخلال تاريخهم بأكمله، أما عن أسباب اختيارى للمنصب، دون غيرى، فيسأل فى ذلك رئيس الجمهورية، لأنه المعنى الوحيد باختيار الوزراء، وأنا لا أعلم أسباب اختيارى.
● الاستغناء عن المستشارين فى الجهات الحكومية، والذين كانوا يشكلون عبئا على موازنة الدولة، كان مطلبا دائما للخبراء طوال السنوات الماضية، كيف تحقق ذلك مؤخرا؟
أنا أؤمن بأن كل وزارة فيها ما يكفى من الموظفين الأساسيين، ولا حاجة للاستعانة بخبرات خارجية، لأنها تكلف ميزانية الجهة الإدارية المزيد من المصروفات، لذلك أيدت بشدة القرار الذى أجمع عليه مجلس الوزراء بعدم التجديد لأى موظف حكومى يتعدى ال60 عاما، مع إلغاء حق رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية فى التجديد أو الاستثناء، كما كان يحدث قبل الثورة، وذلك حتى لا يتم قتل الطموح لدى الموظف الصغير، مع السماح بضخ دماء جديدة فى الجهاز الإدارى للدولة.
● ما هى المقترحات التى تدرسها الحكومة حاليا لتخفيف أزمة زيادة الأحمال الكهربائية، التى أدت إلى تكرار انقطاع التيار لفترات طويلة؟
نناقش حاليا العديد من المقترحات، أبرزها تحديد موعد إغلاق المحال التجارية، والذى أثار جدلا واسعا بين مختلف الشرائح الاجتماعية، فالتجار فى بعض المحافظات، كالإسكندرية أيدوا القرار، فيما رفضه آخرون، لكنه مازال مقترحا قيد النقاش، ولم يتم الاستقرار عليه حتى الآن، وفى حالة الاتفاق عليه، يمكن طرحه للنقاش المجتمعى.
ومن المقترحات الأخرى، التى تدرسها الحكومة لتوفير الكهرباء، تخصيص بعض الشرائح العالية الاستهلاك للكهرباء، بتحديد عدد معين من الكيلو وات المدعمة، يسقط بعدها الدعم عن الكيلووات الإضافية، التى يستهلكها المواطن، وهو يمنع تضرر أصحاب الشرائح الصغيرة، كما ندرس إعادة النظر مطابقة أجهزة التكييف المستوردة من الخارج للمواصفات القياسية، لأن الأجهزة غير المطابقة تهدر كميات هائلة من الكهرباء دون جدوى، وهى نوعيات زاد دخولها إلى مصر بعد الثورة.
كما تدرس الحكومة عددا من القرارات الخاصة باستغلال الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتخفيض الإضاءة فى الشوارع، ونحن نعرف بالتأكيد أن كل المقترحات تحمل جوانب سلبية وإيجابية، وجميعها مطروح للنقاش، وإذا حصل أحد المقترحات على موافقة الأغلبية، سيتم تطبيقه على الفور.
● كيف يمكن حل مشكلة شركات النظافة الأجنبية؟
المواد المنصوص عليها فى عقود شركات النظافة الأجنبية، لا تناسبنا فى مصر، وهو ما تسبب فى الكثير من المشكلات، خصوصا فى القاهرة، حيث إن العقد يعطى للشركات الاجنبية حق جمع القمامة من الصناديق فقط، والتى من المفترض أن يضع فيها المواطن قمامته، وهو ما لم ولن يحدث، مما تسبب فى تكدس تلال القمامة فى الشوارع، لأن شركات النظافة الأجنبية تقوم بجمع مرة واحدة يوميا فى الساعة الثانية صباحا، وعندما خاطبنا الشركات لجمع القمامة مرات أخرى، رفضت، لأن عقدها لا ينص على ذلك.
وتدرس الحكومة حاليا العودة إلى نظام جمع القمامة من المنازل مرة أخرى، كما كان يحدث فى الماضى، وبدأنا تطبيقه بالفعل فى القاهرة وعدد من المحافظات، والتى تم تقسيمها إلى مربعات، وتخصيص مربع لكل شركة نظافة، والتى ستكون غالبا من جامعى القمامة القدامى، الذين سيصبحون ملزمين بجمعها من المنازل، مقابل الحصول على أجر زهيد شهريا، على أن يأخذ كل منهم ما ينفعه منها، ويرسل المتبقى إلى نقط تجميع القمامة الثانوية والفرعية، ومنها إلى المقلب الرئيسى، وبدأنا بالفعل فى تشكيل شركات من الشباب والزبالين القدامى، ونلمس تطورا ملحوظا فى بعض المحافظات حاليا.
● كم تبلغ المساحة التى خسرتها مصر من الأراضى الزراعية نتيجة تعديات البناء خلال الفترة التالية للثورة؟
التعدى على الأراضى الزراعية هى مصيبة بكل المقاييس، وتسببت فى خسارتنا لأكثر من 90 ألف فدان، فى أعقاب الانفلات الأمنى الذى أعقب الثورة، لكننا نجحنا حتى الآن فى استعادة 30% منها، واستعادتها بالكامل مرتبط باستعادة الأمن وهيبة الدولة، فنحن لا نحتاج إلى سن قوانين جديدة فى هذا الشأن، لكننا نحتاج إلى تفعيل القوانين العديدة الموجودة لدينا، والتى تقضى بالغرامة والحبس للمتعدى.
والدولة لن تتصالح مع أى شخص يعتدى على متر واحد من الأراضى الزراعية، حيث أوقفنا مبدأ التصالح تماما، وبذلك لا مجال للنقاش مع المخالفات، والتى ستتم إزالتها دون نقاش، والغرامة ستدفع بالكامل سواء آجلا أو عاجلا، وبذلك لن يستفيد المخالف من مخالفته، ولن تتحمل الدولة خطأه، لأنه هو الذى تعدى على أراضى الدولة، وبنى عليها دون ترخيص فلا يلومن إلا نفسه.