ضبط متورط في شراء الأصوات بمحيط إحدى لجان قنا    وزير العدل يلتقي وفدًا من ممثلي مصلحة الخبراء لبحث مشاكلهم    مصر تقرر تصفية وإلغاء 4 هيئات إقتصادية    تضمنت تحذيرا من خيانة أمريكا لأوكرانيا، تفاصيل مكالمة مسربة بين زيلينسكي وقادة أوروبا    قائمة سيدات سلة الأهلي لبطولة إفريقيا للأندية    سفير الجزائر يزور استديو نجيب محفوظ بماسبيرو ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    محافظ قنا ل إكسترا نيوز: غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات على مدار الساعة    دار الإفتاء: البشعة ممارسة محرمة شرعا ومنافية لمقاصد الشريعة    فوز قطاع الطب الوقائى والصحة العامة بالمركز الأول بجائزة التميز الحكومي العربى    منذ الساعات الماضية .. مجلس الزمالك فى اجتماع مفتوح لإنقاذ النادى من أزماته الحالية    مصرع شخص وإصابة 11 آخرين في حادث تصادم بزراعي المنيا    بانوراما مصغرة ل«المتحف المصري الكبير» بإحدى مدارس كفر الزيات    محافظ الدقهلية يقدم العزاء في وفاة الحاجة «سبيلة» بميت العامل بمركز أجا| صور    حفل جوائز التميز الصحفى الإثنين |تكريم «الأخبار» عن تغطية افتتاح المتحف الكبير    هنو يكرم خالد جلال «صانع النجوم»    بعد هجمات البحر الأسود.. تركيا تستدعى سفير أوكرانيا والقائم بالأعمال الروسى لمنع توسع دائرة التصعيد    الأزهر للفتوى يوضح: اللجوء إلى البشعة لإثبات الاتهام أو نفيه ممارسة جاهلية    خالد الجندي يكشف الحكمة من تناثر القصص القرآني داخل السور وعدم جمعها في موضع واحد(فيديو)    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين وزارة الخارجية ومحافظة كفرالشيخ لإتاحة خدمات التصديقات داخل المحافظة| صور    كيف تحمين طفلك من برد الشتاء ومشاكل الحساسية؟    دير شبيجل: ماكرون حذر زيلينسكي وميرتس من خيانة أمريكية    65 دقيقة.. حامد حمدان بصاروخية لا تصد ولا ترد يقلص النتيجة . فلسطين 1-2 تونس    عزاء سعيد عبد الواحد مرشح انتخابات النواب عن إمبابة غدا فى منطقته    وزارة الشباب والرياضة تنهى تقاريرها عن وفاة السباح يوسف محمد    تأثير الموسيقى.. كيف تغير المزاج وتزيد التركيز؟    الكرملين: الهند شريك رئيسي لروسيا.. والعلاقات بين البلدين متعددة الأوجه    إجراءات التقديم لامتحان الشهادة الإعدادية 2026    وفاة معلم أثناء طابور الصباح في القاهرة    ياسمين الخيام تكشف التفاصيل الكاملة لوصية والدها بشأن أعمال الخير    بيان من نادي كهرباء الإسماعيلية بسبب الشائعات بين المرشحين على مواقع التواصل    مصر تستهدف جذب الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع التعليم    تحويلات مرورية في القاهرة.. تعرف عليها    نائب رئيس الوزراء: القيادة السياسية تضع الملف الصحي على رأس الأولويات الوطنية    الإمارات تطلق مصنع متطور للمولدات الصديقة للبيئة ينضم إلى القطاع الصناعي في الشارقة    البورصة تسجل مستوى تاريخي جديد مقتربة من 41500 نقطة بختام الأسبوع    «التجاري الدولي» يحصد جائزة بنك العام في مصر من مؤسسة The Banker    السفيرة الأمريكية بالقاهرة: نسعى لدعم وتوسيع الشراكة الاستراتيجية مع مصر    الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل ياسر أبو شباب على يد مسلحين فى غزة    كرة طائرة - تواجد الصفقات الجديدة وغياب مريم مصطفى في قائمة سيدات الزمالك بمونديال الأندية    الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا على الناخبين بطهطا    محافظ أسيوط: تسليم شهادات البرنامج التدريبي بوحدة أبوتيج المتنقلة خطوة للتمكين الاقتصادي    في غياب الدوليين.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة إنبي بكأس العاصمة    الطقس غدا.. تغيرات مفاجئة وتحذير من شبورة كثيفة وأمطار ونشاط رياح وأتربة    لجان لفحص شكوى أهالي قرية بالشرقية من وجود تماسيح    أبو الغيط: جائزة التميز الحكومي رافعة أساسية للتطوير وتحسين جودة حياة المواطن العربي    بعد حصوله على جائزتين بمهرجان القاهرة.. فيلم ضايل عنا عرض يستكمل عروضه ما بين روما وقرطاج    ضبط شخص بحوزته عددا من بطاقات الرقم القومي للناخبين في قنا    «الأوقاف»: تعديل القيمة الايجارية لأملاك الوقف    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى أوسيم دون إصابات    موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا    محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار    الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية    الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية    رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج    اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان    استقرار أسعار الذهب اليوم الخميس.. والجنيه يسجل 45440 جنيهًا    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى سياسة مصر الخارجية.. عهد ما بعد الميدان
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 09 - 2012

لم يكن لمصر فى عهد حسنى مبارك سياسة خارجية. لقد تصرف باعتباره الوصى على تركة غاب صاحبها، أنور السادات، وليس عليه أن يجتهد فيعدل أو يبدل فى ما كان معتمدا.

كان عذره فى ذلك انه «موظف» تقليدى، ثم أنه «عسكرى» وهذا يعنى أنه «انضباطى» ينفذ التعليمات ولا يحق له الاجتهاد فيها، إلى جانب أنه لم يكن معنيا أو متابعا ولا كانت ثقافته الشخصية تسمح له بأن يكون صاحب رأى وموقف لا سيما فى القضايا الكبرى والمسائل الإستراتيجية شديدة التعقيد.

كانت مفاجأة غير متوقعة أن يصبح فى مركز صاحب القرار. ولكنه بدل أن يحاول أن يعرف، وأن يجتهد ليدرك أبعاد المسئولية الوطنية فى أى قرار يتخذه، قرر أن يرتاح معتمدا سياسة «الاستمرار»، وأن يبقى كل شىء على حاله.

لم يكن يعرف ما يكفى عن السياسة الدولية، ولا عن شبكة تحالفات المصالح الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب، ولا عن دهاليز سياسة الأنظمة العربية التى تفترق تصريحات المسئولين فيها عن قراراتهم وخطواتهم التنفيذية افتراقا واسعا إلى حد التناقض.

مع ذلك وجد نفسه المرجع الأخير فى علاقات البلاد مع الخارج، ولم يكن يملك رؤية السادات ولا شجاعته حتى فى الغلط، فاكتفى بأن يقرر اعتماد ما كان معتمدا وكفى الله المؤمنين شر القتال: 99 فى المائة من الأوراق فى أيدى الإدارة الامريكية والصلح مع إسرائيل هو المدخل لإنقاذ مصر من أعباء المواجهة.. فلتكن واشنطن هى المرجعية السياسية، ولتكن العلاقة مع إسرائيل المدخل إلى توطيد مكانة مصر لدى القيادة الامريكية، ولتنعم مصر بخيرات هذا التحالف الذهبى.

●●●

انطوت مصر على ذاتها وفى القصر الرئاسى شعور بالمرارة من هؤلاء الأوباش من قادة العرب الذين تجرأوا على مصر فأخرجوها من مجال نفوذها، واخرجوا جامعة الدول العربية من القاهرة فى سابقة لا تغتفر وبذريعة الصلح مع إسرائيل، برغم ان العديد من قادتهم يطمح إلى دخول هذا النعيم لكنه يخاف من عواقبه فيهرب إلى المزايدة.

ولأن النظام الرئاسى يحصر القرار فى القصر، ولأن الرئيس مجرد «وكيل التركة» ولا رؤية لديه ولا شجاعة على إعادة النظر فى ما اعتمد، فقد تحول وزير الخارجية إلى منفذ لسياسة معتمدة ليس له الحق أو القدرة على المراجعة وإعادة النظر فيها. وبالتالى فقد صار السفراء موظفين لا أهمية لكفاءتهم طالما أن دورهم تنفيذى بحت.

نتيجة لهذا كله تضاءل دور مصر وحضورها وغاب نفوذها وانعدمت قدرتها على التأثير فى القرار، ولم يعد لها التأثير المفترض فى مؤتمرات القمة العربية منها والأفريقية فضلا عن عدم الانحياز، بما فى ذلك ما يعقد منها فى القاهرة... ومن نافلة القول إنها فقدت دورها الخطير بالتأثير على القرار، عربيا كان أو إقليميا أو دوليا.

كان يمكن قراءة الموقف المصرى من القضايا العربية، بما فيها فلسطين، عبر الموقف الامريكى، وهو هنا «إسرائيلى».. بل إن عهد مبارك قد تجاوز السادات فى الاقتراب حتى التماهى مع الموقف الإسرائيلى، واندفع بعض أركان هذا العهد إلى تحويل «الصلح المفروض» إلى نوع من التحالف، كما تشهد مذكرات النافذين من «رجالة مبارك» التى انكشفت بعد ثورة الميدان وسقوط ذلك العهد الميمون.

لم يكن العيب فى الوزير أو فى جهاز الوزارة أو فى السفراء الذين كان العديد منهم بين أكفأ الدبلوماسيين العرب.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن عمرو موسى قد أحدث «خرقا»، ولو إعلاميا،حين حاول الإفادة من هامش فى الحركة لتمييز الموقف المصرى عن الموقف الإسرائيلى، مما استثار غضبة إسرائيلية (وأمريكية إلى حد ما) أدت إلى إخراجه من وزارة الخارجية. الطريف أن الرئيس المخلوع ابلغ موسى انه يعمل إلى ترفيعه بتسويقه لدى الدول العربية كأمين عام للجامعة مكافأة له على نجاحه فى الخارجية.

كانت السياسة الخارجية لمصر ملتحقة بمواقف الإدارة الامريكية واستطرادا بالمواقف الإسرائيلية حتى فى الشأن الفلسطينى (الحرب على غزة).. ومن قبل فى الحرب الأمريكية على العراق، وصولا إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان (2006).

وفى بعض مؤتمرات القمة العربية كان «الرئيس» يسلك مسلكا يصعب على الخارجية تبريره.

هل من الضرورى التوكيد ان وزارة الخارجية ليست خلية ثورية وأنها بداية وانتهاء جهاز تنفيذى، قد يقترح وقد ينبه، وقد يحذر، ولكن على «موظفيها» فى نهاية المطاف أن ينفذوا أو يخرجوا بكرامتهم إلى التقاعد أو إلى العمل الحر.

ثم إن «تأديب» وزارة الخارجية، من رأسها الوزير إلى كادر النخبة فيها، كان قد تم خلال عهد السادات. والكل يذكر كيف «طرد» الرئيس الوزير عندما أبدى اعتراضا أو تحفظا على مسودة معاهدة الصلح مع إسرائيل، منبها إلى ضرورة الحرص على المصالح الوطنية المصرية، حتى لو تم تجاوز حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه، أو مصالح الدول العربية الأخرى المعنية.

●●●

قبل أن يتولى الرئيس محمد مرسى زمام السلطة حاولت قوى النظام القديم ممثلة بالمؤسسة العسكرية (ومعها رجال الأعمال) أن تحمى وجودها، مع تفجر الثورة، بإبقاء القديم على قدمه فى السياسة الخارجية.

وبعدما تولى الرئيس مرسى لم يلحظ جديد فى السياسة الخارجية، لا على المستوى العربى، ولا على المستوى الدولى (حتى زيارة الصين كان يمكن لمبارك أن يقوم بها). كل ما حدث أن «اللحية» صارت أشبه بموجبات الزى الرسمى فى العهد الجديد!

فلقاء الرئيس الملتحى مع الإسلاميين الفلسطينيين (الملتحين) لم يعن أى تبديل فى السياسة المعتمدة تجاه إسرائيل.. بل إن «العهد الجديد» تقصد أن يظهر أنه مقيم على العهد وعلى الود معها، سواء عبر الاتصالات المباشرة التى لم يخفف من وطأتها نفى حصول بعضها، أو عبر الإسراع فى إرسال سفير بديل عن المنتهية مدته.

كذلك فالموقف من مجموعة عدم الانحياز لم يؤشر إلى أى تغيير فى ما يتصل بإيران. وبغض النظر عن الإشكال اللغوى، وتورط طهران فى تحريف بعض الكلمات فى خطاب الرئيس مرسى فإن الموقف المصرى قد احتمى بالسعودية وتركيا وهو يشن حملته على النظام السورى، لينتهى إلى توكيد المبادرة إلى جهد رباعى يستوعب إيران.. بل إنه قد تعمد اتخاذ موقف مذهبى يستفز مضيفه بغير مبرر، ربما ليحصل على شهادة حسن سلوك إضافية من واشنطن وتل أبيب.

وإذا ما اتخذنا من لبنان نموذجا فإن موقف النظام المصرى مما جرى ويجرى فيه لم يختلف حتى الساعة عما كان معتمدا من قبل، بغض النظر عن كفاءة بعض من شغلوا موقع السفير فى بيروت.. وليس سرا أن موقف النظام فى عهد مبارك من الحرب الإسرائيلية على لبنان فى العام 2006 لم يكن يليق بمصر وشعبها وكرامة شهدائها فى الحروب المتعددة مع هذا العدو القومى.

قد يكون من المبكر أن نطالب الرئيس المصرى بمواقف متقدمة فى مختلف الشئون العربية.. لكن الأمل قد انعقد على مصر الثورة بأن تلعب دورا أعظم تأثيرا فى المحنة السورية، ومن داخل الحرص على سوريا، الشريك فى الحرب، وفى الوحدة وعند المفاصل الحاكمة فى تاريخ النضال المشترك.

كذلك كان الأمل أن تنزل مصر إلى ساحة العمل العربى بزخم يؤكد اختلاف سياستها بعد «الميدان» عنها قبله، توكيدا لكرامة شهداء الثورة.

وبغض النظر عن طبيعة النظام الدكتاتورى فى سوريا فإن الدور المصرى تبدى «حزبيا» بأكثر مما بدا «عربيا».

أما مع السودان تحديدا، ومع أفريقيا عموما، فمن الصعب اكتشاف مواقع الخلاف فى سياسة «العهد الجديد» عما كان معتمدا فى الماضى مما أدى إلى اندثار هيبة مصر ودورها فى عموم أفريقيا إلى حد تجرؤ بعض الدول الخاضعة للنفوذ الامريكى الإسرائيلى على محاولة حرمان مصر من حصتها الشرعية والطبيعية فى مياه نهر النيل التى قيل فى الماضى إنها هبته.

●●●

باختصار: المشكلة ليست فى وزارة الخارجية. المشكلة فى السياسة التى سيعتمدها «عهد مرسى» فى علاقات مصر مع الخارج، عربيا كان أم امريكيا على وجه التحديد، ومن ثم إسرائيليا.. وهذه السياسة هى التى قد تؤكد أو تنفى أهلية مصر (أو حرمانها) من موقعها القيادى عربيا، واستقلالية قرارها.

ليست المشكلة فى الوزير او فى السفراء. المشكلة فى السياسة، فى الموقف الذى يتم التعبير عنه رسميا ويعتمد كنهج للنظام القائم.

أما اللحية فلا تكفى لتوكيد الأهلية للقيادة، ولا ترداد الآيات القرآنية يكفى لتعزيز النهج الاستقلالى للعهد الجديد القديم.

والرجاء ألا يذهب الرئيس فى تسييس وزارة الخارجية بنهجه (غير الواضح حتى اللحظة) إلى حد إصدار الأمر إلى الوزير ومن ثم إلى السفراء بتربية لحاهم تأكيدا لاختلافه عن العهد المُباد الذى كان أعظم خطاياه عدم تربية اللحية وليس الانحراف بمصر عن هويتها ودورها القيادى الذى مع افتقاده يتوزع العرب معسكرات مقتتلة لمصلحة الهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلى.

الغد العربى رهينة مصر، ومن القاهرة يبدأ العهد الجديد، وإلا تم اغتيال الميدان والآمال العراض التى انطلقت منه وعبره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.