محافظ أسيوط: حصاد 103 آلاف فدان قمح وتوريد 63 ألف طن للشون والصوامع حتى الآن    محافظ قنا يتابع سير العمل بمزرعة النخيل والصوبات الزراعية    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجاري المائية    النائب محمد الرشيدي: تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باجتياح رفح ستسفر عن نتائج كارثية    عزت الرشق: أي عملية عسكرية في رفح ستضع المفاوضات في مهب الريح    كريم شحاتة يتقدم باستقالته من منصبه مع فريق البنك الأهلي    نجم ميلان يحسم موقفه من الانتقال للدوري السعودي    محافظ مطروح يشهد فعاليات النسخة الأخيرة لبرنامج شباب المحافظات الحدودية    بالصور - تتويج زياد السيسي بالذهبية التاريخية في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    بالصور.. تهشم سيارة مطرب المهرجانات عصام صاصا في حادث اصطدام شاب ووفاته أعلى دائري المنيب    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    "فاصل من اللحظات اللذيذة" يعود مرة أخرى للارتفاع ويحقق مليون و500 ألف    بعد إصابته بالسرطان.. نانسي عجرم توجه رسالة ل محمد عبده    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    أحمد إمام يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة    التعليم تعلن تعليمات عقد الامتحانات الإلكترونية للصفين الأول والثاني الثانوي    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    معهد أمراض العيون: استقبال 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال العام الماضي    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    أسهلها الدفع أونلاين.. تعرف على طرق حجز تذاكر القطارات لكافة المحافظات (تفاصيل)    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    ماكرون يطالب نتنياهو بعدم اقتحام رفح الفلسطينية وإدخال المساعدات إلى غزة    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 164 إعلان مخالف وتقنين 58 آخرين بكفر الشيخ    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    قصف روسي على أوكرانيا يتسبب في انقطاع الكهرباء عن سومي وخاركيف    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على الدروس الخصوصية بدأت من بيت المعلمين
كليات التربية بلا تطوير بسبب نقص الموارد والطرق التقليدية للتدريس

قاعات تشبه الفصول، مقاعد متواضعة، نوافذ بطراز قديم، ساحات صغيرة لحركة الطلاب، ليس لها علاقة بصورة الحياة الجامعية التى يحلم بها طلاب الثانوية العامة، ويبذلون من أجلها الكثير.

إنها كلية التربية بجامعة عين شمس، أول كليات مصر المتخصصة فى صناعة «رجال التعليم»، وصاحبة التاريخ العريق الذى بدأ عام 1880.

الدكتور أحمد السيد المدرس بقسم الصحة النفسية بتربية عين شمس، يتذكر جيدا مشاعره يوم دخل الكلية لأول مرة طالبا منذ 12 عاما، وعليه اليوم أن يستقبل الطلاب الجدد، بنصائح إيجابية.

يسأل نفسه: هل يكفى ما بحثته فى رسالتى الماجستير والدكتوراه، فى الجوانب الإيجابية لدى الإنسان، ليتقبلوا الدراسة فى مبنى يتكدس فيه 10 آلاف طالب، دون معمل للغات، ولا أنشطة فنية أو رياضية؟

فى المقابل يرى عميد الكلية دكتور على الجمل أن الاصلاحات التى تشهدها الكلية هذه الأيام، لم تعرفها منذ أكثر من 20 سنة، وستغير الكثير من المشاهد داخل الكلية، وأهم التغييرات هى التأكيد على أن التدريس هو مهنة رسالة وعطاء.

أشيك مدرس فى روكسى

أنشىء أول معهد لإعداد المعلمين فى مصر عام 1880، يستقبل الحاصلين على الابتدائية.

وفى عام 1929 أنشىء أول معهد عال للتربية، ليستقبل خريجى الكليات المختلفة ليدرسوا فيه العلوم التربوية والنفسية لعام واحد فقط.

وعند إنشاء جامعة عين شمس، ضُم هذا المعهد إليها فى عام 1950، باسم كلية التربية.

وفى عام 1969 انتقلت كلية التربية من مقرها القديم بشارع قصر العينى، إلى مبنى معهد المعلمين بروكسى فى حى مصر الجديدة، والتى كانت قد ضُمت إلى جامعة عين شمس عام 1965.


معامل الكلية مازالت فى حاجة الى امكانات

كان المبنى العلوى فى روكسى لكلية التربية التى تستقبل خريجى الجامعات، والمبانى الأخرى لكلية المعلمين، التى تستقبل حملة الثانوية العامة.

فى عام 1970 صدر قانون يوحد بين كليات المعلمين وتربية شمس، تحت اسم كليات التربية، لتعمل هذه الكليات بنظامين لإعداد المعلمين، نظام يستقبل حملة الثانوية العامة للدراسة لأربع سنوات، ويسمى النظام التكاملى، ونظام يستقبل خريجى الكليات المختلفة للدراسة لعام واحد، يسمى بالنظام التتابعى.

صدمة الطالب قال له صديقه: هو إنت رحت كلية التربية?.. ربنا معاك

ذكريات أحمد لم تختلف كثيرا عن المشهد الشهير للسيد أحمد عبدالجواد بطل ثلاثية نجيب محفوظ، وابنه كمال. فى الجزء الثانى «قصر الشوق حزن السيد لرغبة ابنه فى الالتحاق بكلية المعلمين، التى كانت فى نظره لا تفضى إلى شىء، مقابل كلية الحقوق التى يتخرج فيها الزعماء.

وحين حصل الطالب أحمد السيد على الثانوية العامة فى عام2000 بمجموع 84%، نصحه والده المهندس بالالتحاق بكلية التربية، حتى بعد توقف تكليف خريجيها قبل 4 سنوات وقتها فى 1996.

تردد وقتها، فقد تخيل نفسه مثل مدرسيه فى الثانوى، الذين يناديهم الطلاب ب«يا بيه»، ليست بيه التى ينادى بها القاضى، ولكن تشبه «يا عم»، بقدر من الندية بين الطالب والمعلم، تحول المعلم إلى مجرد ملزمة، «س و ج».

وعندما علم بأن التنسيق الداخلى فى الكلية أوصله إلى قسم الجغرافيا، أيقن أن فرصة حصوله على العمل كمدرس ستكون ضئيلة، سواء فى الحكومة أو المدارس الخاصة، بعد تحول الجغرافيا إلى مادة اختيارية فى الثانوية العامة.

لكن صدمة الطالب أحمد الحقيقية كانت عندما وجد نفسه غريبا بين طلاب أغلبهم بهيئة ولهجة ريفية، لأن كلية التربية كانت هى الوحيدة وقتها فى أكبر أقاليم مصر، وكانت تستقبل الطلاب من محافظات الدلتا.

شعر بمرارة عندما قال له صديقه الذى التحق بكلية الآداب «هو انت رحت كفر تربية؟ ربنا معاك»، ولم يكن غريبا بعد كل هذا أن يحصل على تقديرات متواضعة فى أول فصل دراسى.

أفاق أحمد من ذكرياته تلك على تصفيق الحاضرين فى مكتب العميد.

كانوا يحتفلون بسفر 10 مدرسين مساعدين للدراسة لمدة شهرين فى جامعة «برنس ألبرت» بكندا، على نفقة جمعية رعاية طلاب وخريجى كلية التربية.

الجمعية كما يقول العميد «مبادرة لإحياء فكرة الوقف الإسلامى لطلبة العلم، للمساعدة فى تمويل الدراسة بالكلية، وتضم 1000 عضو من هيئة التدريس حتى الآن، يساهمون باشتراكات سنوية، إضافة إلى نسبة من دخل الأساتذة، خاصة العاملين بالخارج».

الجمعية تساعد الطلاب غير القادرين على استكمال دراستهم، بالإضافة إلى تمويل بعثات دراسيىة للخارج، وتمويل أعمال البنية التحتية للكلية، التى أهملت على مدى سنوات طويلة.

مبادرة الجمعية لايفاد 10 مدرسين مساعدين للخارج جاءت حسب العميد، بعد تعثر إيفاد المتفوقين للدراسة بالخارج فى الجامعات المصرية لسنوات طويلة.

يحضر الدكتور أحمد الاحتفال قائلا: «9 سنين من ساعة ما بقيت معيد ما خرجتش بره مصر، محتاجين بعثات لأعضاء هيئة التدريس للخارج، واللى يسافروا يرجعوا يساعدوا غيرهم، على طريقة محمد على باشا».

ما يطالب به أحمد بعثات طويلة للدراسة وليس ابتعاث لمدة شهرين، «مع احترامى لمبادرة الدكتور الجمل، هى مش كافية عشان الواحد يعرف فيه كام سنة ضوئية بينه وبين أعضاء هيئة التدريس فى الخارج».

ويقترح أحمد البديل قائلا: «بدل ما أصرف فلوس عشان عشرة يروحوا يجمعوا مادة لشهرين بس، أستقدم 3 خبراء من بره يدونا خبرتهم».

لكن عميد الكلية يرى أن جذب مؤسسات المجتمع المدنى لدعم البعثات التعليمية، سيحقق طفرة كبيرة للتعليم، «محتاجين حملة لإعادة الوقف للمؤسسات التعليمية».

ويرد أحمد: «مع تقديرنا لأهمية دور المجتمع المدنى، لكن الدولة تنفق الملايين بالفعل على تأهيل المعلمين أثناء الخدمة، وكان الأولى أنها تصرف عليهم وهم بيتعلموا».

تقليدية ومحافظة الحل تخصيص مدارس بإشراف كليات التربية لتجريب الطرق الحديثة

الكلية بعيدة عن حرم الجامعة ومحرمون من أى مساحة حقيقية ليتنفس فيها الطلاب، وليس هناك من حل سوى عودة مبنى الوسائل التعليمية الملاصق للكلية مرة أخرى، وهو تابع الآن لوزارة التربية والتعليم، وكان طلاب الكلية يستخدمون قاعاته ومعامله فيما سبق».

لا يريد الجمل أن تستأثر الكلية وحدها بالمنبى، بل فقط السماح لطلابها باستخدامه، «دعوة للتكامل ليس أكثر، لأن الكلية تحتاج لقاعات تدريس إضافية ومعامل، وإعادة تجهيز وتحديث الموجود، الذى لم تمتد إليه يد التحديث منذ أكثر من 20 عاما، والاعتماد على موارد الجامعة وحده لا يكفى».

لم يكن هذا المبنى فقط هو التابع للكلية، بل مدرسة الطبرى المجاورة أيضا، والتى أنشئت لتكون مدرسة تجريبية لتدريب المعلمين، لكنها آلت لوزراة التربية والتعليم أيضا.

«انسوا اللى اتعلمتوه فى الكلية» هذه الجملة هى أول ما يسمعه طالب التربية العملية بالكلية، حين يذهب للتدريب فى إحدى المدارس فى السنة الرابعة، من المدرسين فى المدرسة التى يتدرب فيها، ويستمر فى سماعها حين يذهب للعمل بعد التخرج.

ينصح الدكتور أحمد طلابه قبل أن يشاركوا فى التربية العملية، بالصمود أمام ضغط الواقع فى المدارس لمحاولة تطبيق ما تعلموه من أساليب التدريس فى الكلية،«بس أنا عارف إن فى واحد هايقدر وخمسين لأ،لأن أساتذة الكلية قاعدين فى برج عاجى، والتعليم فى المدارس فيه مشاكل كتير، ولما بنحاول نغير الوضع، المدرس بيقول لنا أنا عندى منهج لازم أخلصه».

الدكتور أحمد يرى أن الحل يكون بتخصيص مدارس تشرف عليها كليات التربية، تطبق فيها طرق التدريس الحديثة، «وفق اتفاق بين الوزارة والكلية، تبقى مدرسة تجريبية، زى المستشفى الجامعى بالنسبة لكلية الطب».

تدريبات المعلمين لا أحد يتابعها ولا يشجع على تطبيقها فتؤدى إلى لا شىء

«ما اقدرتش أوصل لأرقام محددة عن اللى اتصرف على تدريب المعلمين على مدى السنوات الماضية، لكن الاهم انى وصلت إلى أن أغلب التدريبات دى مالهاش أى أثر على أداء المعلم داخل الفصل».

إيلاريا عاطف زكى عبدالملك تعلق على نتائج دراستها التى حصلت بها على الماجستير فى مناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية من تربية عين شمس، تحت إشراف عميد الكلية على الجمل نفسه.

فى حين قدر العميد ما أنفق على تدريب المعلمين خلال السنوات الماضية التى لم يحدد عددها، بمليارى جنيه من خلال إشرافه على الدراسة.

وتساوى الدراسة فى هذا القصور بين التدريبات التى يتلقاها نحو مليون و300 ألف معلم «عدد المعلمين المقيدين بالنقابة» من قبل وزارة التربية والتعليم، أو تلك التى تنظمها الهيئات والمنظمات الدولية لرفع مستوى المعلمين المهنى.

وترجع الدراسة هذا القصور إلى أن الجهات الدولية التى تنظم هذه التدريبات، برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، اليونسكو، اليونيسيف، البنك الدولى، الوكالة الأمريكية للتنمية، لا تهتم بقياس مدى تطبيق ما تعلمه المتدربون داخل المدارس، بل يقتصر اهتمامها على قياس مدى استفادة المعلمين من هذه البرامج فقط.

وبالتالى لا أحد يتابع تطبيق هذه التدريبات ولا يشجع المعلمين على تطبيقها أو يرصد العقبات التى تحول دون الاستفادة من هذه التدريبات، فتؤدى إلى لا شىء.

ويضيف المشرف الدكتور على الجمل أسبابا أخرى، منها عدم التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمنظمات الدولية، فكلاهما ينظمان نفس التدريبات فى نفس المجالات، وربما فى كثير من الأحيان يقوم بها نفس المدربين لنفس المعلمين بما يؤدى إلى إهدار الأموال والجهود.

بالاضافة إلى أن وزارة التربية والتعليم تستعين بأساتذة التربية فى التدريب، لكن كأفراد وليس الكليات، وهو ما يفتح باب الفساد، أو يجعل التدريب قليل المردود بسبب قلة الكفاءة ومحدودية الرؤية لأى فرد مهما كان.

يرى الجمل أن «المتابعة فى وزارة التربية والتعليم روتينية، وتعتمد على التقارير النظرية، وليس التطبيق، والمفروض أن تستعين الوزارة بكل كليات التربية فى المحافظات، للقيام بالتدريب والمتابعة معا، لخطة أكاديمية المعلمين فى تدريب المدرسين، بالتعاون مع الموجهين، ومع 5 آلاف معلم حاصلون على الدكتوراه أثناء الخدمة، ولم يستفد أحد من خبرتهم أو علمهم».

••

فى تلك الليلة من عام 2000 حين كان أحمد يتأمل درجاته المتواضعة فى اول فصل دراسى له بالكلية، تابع مع الكثيرين حديث ضيف المذيعة سلمى الشماع على القناة الثانية فى التلفزيون المصرى، الدكتور عصام حجى، الذى يعمل فى وكالة ناسا لأبحاث الفضاء بأمريكا، وكان وقتها قد تخرج معيدا فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، ليحصل على الماجستير من مركز البحوث القومى بفرنسا.

«رأيت كيف أصبح المعيد حامل الماجستير ذو ال26 سنة رئيسا لفريق بحثى أعضاؤه من ذوى ال45 عاما، وقلت لنفسى وقتها لماذا لا أتفوق مثله وأكون معيدا بالكلية؟».

يقولها أحمد للطلاب الجدد، ويكمل «وفعلا طلعت الأول فى التيرم الثانى، وحافظت على تفوقى، لغاية ما بقيت معيد».

لكنه يهمس، قائلا: «باكون حاسس إنى بافقد مصداقيتى، لما بقول للطلبة فى المحاضرة إن من شروط قاعة الدرس أن تكون جيدة التهوية، وجيدة الإضاءة ومناسبة لعدد الطلبة، وهم 400 محشورين فى قاعة تسع 200 طالب بس، ولو فى 10 فاهمين اللى باقوله ومتابعين رغم قلة الأكسجين يبقى كويس».


إهمال الفن والرياضة
ثقافة «الخوف على العهدة» تحرم طلاب التربية من الملاعب والمسارح
حال المعامل المحدودة فى الكلية لا يختلف عن صالة الألعاب الرياضية «قاعة الجمانزيوم» التى لم تمتد إليها يد بالإصلاح أو حتى الاستعمال منذ أكثر من عشرين عاما.

ويتساءل الدكتور أحمد كيف ينادى كبار التربويين بضرورة ممارسة الأنشطة الرياضية والفنية، ويحرم طلاب كلية التربية أو معلمو المستقبل منها، ومطلوب منهم أن يصروا على أن يمارسها تلاميذ المدارس.

والحال نفسه فى مسرح الكلية، الذى يسع لأكثر من 500 شخص، تحول إلى مخزن للمعدات والمكاتب وغيرها، ما أن تشاهده من الداخل حتى تتملكك الرهبة عندما تسمع أصوات الخفافيش تملأ المكان.

ويتعجب عميد الكلية: «لا أعرف من المسئول عن هذا الإهمال، فقد كان هذا المسرح من أفضل مسارح الجامعة ويحوى شاشة عرض سينمائى، ويعد من أهم المسارح التربوية فى الشرق الأوسط، وكان هدفه تدريب الطلاب على مسرحة المناهج، التى يتدربون عليها نظريا فقط الآن».

ويعلق العميد: «نريد أن نحوله إلى وحدة ذات طابع خاص، يستغلها شخص أو مؤسسة، ليعود إلى دوره فى خدمة المجتمع على غرار مسارح الدولة».

وخلال الشهور الماضية خصصت الجامعة 5 ملايين جنيه، لتجديد البنية الأساسية بكلية التربية، منها مليون جنيه من مشروع تطوير التعليم بالمجلس الأعلى للجامعات، لتطوير المعامل، وتزويد قاعات الدراسة بأجهزة عرض ثابتة، على غرار قاعات الدرس فى جامعات الخارج.

لكن ما يحرص عميد الكلية على سرعة تجهيزه هو معمل الصوتيات، الذى لم يرَ النور من 20 عاما، ورصد له مبلغ 200 ألف جنيه، و«نأمل أن يتبرع أحد أصحاب الأعمال أو المجتمع المدنى لتطوير مكتبة الكلية وتحديثها، واذا لم نجد متبرعين سنكمل التطوير من موارد الوحدات ذات الطابع الخاص المراكز الخاصة بالكلية.

لكن لماذا لم تستخدم هذه الموارد طوال السنوات الماضية؟

يعبر العميد عن حيرته بقوله: ربما بسبب ثقافة «الخوف على العهدة»، التى تملكت المسئولين عن هذه المراكز، وفى عموم الكلية، الذين اعتقدوا أن كل مهمتهم أن يزيدوا رأسمال هذه المراكز فقط، فى حين أن الهدف من إنشائها أصلا أن ينفق عائدها على تطوير التعليم بالكلية، لكن غياب رؤية تطوير التعليم و«الخوف من اللى فوق» حالت دون ذلك.

يرجع عميد الكلية الفضل للإصلاحات التى تشهدها الكلية إلى الثورة، «لولا ثورة يناير لما حدثت هذه الطفرة فى الكلية».



الدكتور على الجمل يشير الى المسرح التربوى اللذى تحول لمخزن

ويصمت عميد كلية التربية، وقد دمعت عيناه، ليقول: «هذه الخطوات ثمرة الدفعة التى منحنا إياها رئيس الجامعة الذى فقدناه قبل أسابيع الدكتور علاء فايز، الذى جعلنا نشعر «إن ورانا ظهر»، فوضنا للعمل خارج نطاق الفكر التقليدى.

هذا هو حال أقدم كلية لتخريج المعلمين فى مصر، فماذا عن باقى كليات التربية المنتشرة فى أغلب محافظات مصر؟

يقول دكتور الجمل: «فى مصر 26 كلية تربية، ويمكنها إحياء التعليم داخل كل محافظة من محافظات الجمهورية، لكن لو بقيت على حالها لا يمكن أن يحدث تطوير للتعليم فى هذا البلد، ولا تنتظروا أى أمل من التعليم، فكلها تعانى من ضغف البنية الأساسية، وغياب أعضاء هيئة التدريس، غياب خطة للنمو المهنى للمعلم».
المهنة مدرس خصوصى
مشاكل المدرس ليست فقط فى تأهليه وتدريبه، لكن لأن المجتمع لايرى فيه سوى «مدرس خصوصى».

مدرس الصحة النفسية بالكلية أحمد السيد يقول «احترمت نفسى وعمرى ما اديت دروس خصوصية، وبانصح طلابى بكده، وأقولهم ماحدش يخسر نفسه، وعشان كده لسه ماتجوزتش لغاية دلوقت، لحد ما تنصلح الظروف، لكن مابعرفش أقول ايه للى مرتبه 300 جنيه وعايز يعيش ويصرف على اخواته».

هل يمكن أن تكون بداية القضاء على الدروس الخصوصية من هنا، من بيت المعلمين؟

عميد الكلية الدكتور على الجمل يؤكد أنه يمكن بالفعل إذا ركزنا على أن نغرس فى طلاب التربية أن مهنة التدريس رسالة وعطاء، لكننا للأسف أهملنا الجانب الروحى والأخلاقى فى تأهيل المعلمين، وهى نفس القيم التى نحتاج لغرسها فى المديرين والمسئولين فى وزارة التربية والتعليم، ولهذا بدأت بالفعل بربط طلاب الكلية بالجمعيات الأهلية، ليمارسوا التطوع ويشعروا بكيانهم بعيدا عن كيان الدروس الخصوصية.

لكن العميد يرى أيضا أن المدرسين لا يعطون دروسا خصوصية من أجل الفلوس فقط، لكن من أجل المكانة الاجتماعية، والفخر الذى يشعر به المعلم الذى يتبارى الطلاب للفوز بدرس عنده، «اذا استطعنا أن نجد لهذا المعلم مكانة بديلة سيترك الدروس الخصوصية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.