كيا سيلتوس موديل 2026 في مصر.. أرخص كروس أوفر كورية ومواصفات متكاملة    الهلال الأحمر في غزة: ما يدخل من مساعدات لا يتناسب مع حجم الاحتياج الإنساني في القطاع    مؤتمر صحفي بنادي الصحفيين يستعرض استعدادات قطر لاستضافة بطولة كأس العرب    غدا.. مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة    تفاصيل جديدة في واقعة «طفل اللبيني»    «بحوث الصحراء» يلتقي بمزارعي جنوب سيناء لدعم التنمية    اسعار اللحوم اليوم السبت 25اكتوبر فى مجازر وأسواق محافظة المنيا    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    تطوير شبكة الطرق لتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية بالبحيرة    البابا تواضروس والمجمع المقدس ينعيان الأنبا أنطونيوس مرقس مطران جنوب إفريقيا    القاهرة الإخبارية: بعض السودانيين اضطروا لأكل علف الحيوانات وجلودها    مصر تواصل جهودها السياسية والدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني    الرئيس السيسي يبحث مع رئيس أركان الجيش الباكستاني تعزيز التعاون العسكري وجهود دعم الاستقرار الإقليمي    منح الصحفية الشهيدة مريم أبو دقة جائزة أبطال الصحافة لعام 2025    طلاب من أجل مصر تستلهم روح أكتوبر في ندوة وطنية بجامعة كفر الشيخ    موعد مباراة فالنسيا وفياريال في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    كومباني يعلن تشكيل بايرن ميونخ لمواجهة مونشنجلادباخ في الدوري الألماني    أبو ريدة يستقبل وزير الرياضة ويبحثان دعم خطط وبرامج تطوير كرة القدم    الدماطي: منظومة الأهلي تشبه الهرم.. ومشروع الاستاد الحلم الأكبر    تأجيل محاكمة متهم بالانضمام لتنظيم داعش    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    ضبط المتهم بالتعدي على شخص بالسب ودفع فرد شرطة حاول فض المشاجرة بينهما في المنيا    أول تعليق من مخرجة "وين ياخذنا الريح" بعد فوزه بأفضل فيلم روائي عربي    أجواء فرح واحتفال بنجاح "لينك".. ونجومه يرقصون على "كاجولوه"    توجيهات جديدة ل السيسي بشأن حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    بعد إعلان زواجهما.. منة شلبي وأحمد الجنايني يتبادلان رسائل الحب على السوشيال ميديا    وزير الإسكان يوجه بتسريع وتيرة العمل في مشروع حدائق تلال الفسطاط    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    وحدة السكتة الدماغية بجامعة عين شمس تستقبل خبراء من السعودية وكينيا في ورشة عمل    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    رئيس اتحاد الإسكواش لليوم السابع: تألق أمينة عرفي دليل تواصل الأجيال    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    غارة إسرائيلية تستهدف سيارة قرب مدرسة جنوب لبنان    فيلم السادة الأفاضل يتخطى 8.5 مليون جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    نسبة التوافق العاطفى 80%.. ماذا يقول الفلك عن زواج منى شلبى وأحمد الجناينى؟    ربة منزل تتهم زوجها بضرب ابنتهما وتعذيبها بسبب 1200 جنيه فى كفر الشيخ    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    القبض على قاتل زوجته بعد تعذيبها في الإسكندرية    شاشات عرض فى الجيزة لنقل فعاليات افتتاح المتحف المصرى.. اعرف الأماكن    الصحة: فحص 1.5 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم    تبدأ اليوم.. جامعة الإسكندرية تطلق فعاليات مبادرة «تمكين» لدعم الطلاب ذوي الإعاقة    نابولي يسعى لمداواة جراحه بإيقاف سلسلة انتصارات إنتر    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية خلال 98 يومًا    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    خدمة 5 نجوم.. مواعيد رحلات قطار تالجو الفاخر اليوم السبت 25-10-2025    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة المصادرة وثقافة الإتاحة
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 09 - 2012

هل يحق للولة أن تصادر كتابا تراه يشكل خطرا على الأمن القومى؟ سؤال طرحته على طلابى فى أول درس من مادة «تاريخ العرب الحديث» الذى أدرّسها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. أما المناسبة فكانت ما وصلنى قبيل بدء العام الدراسى من أن جهة تسمى «مكتب الرقابة على المطبوعات» التابع للدولة قرر مصادرة الكتاب الذى كنت أنوى تدريسه فى هذه المادة. وبعد التحرى وصلتنى أنباء أن سبب المصادرة هو ثلاث خرائط يتضمنها الكتاب تظهر مثلث حلايب وشلاتين تابعا للسودان وليس لمصر.

الطلاب سارعوا بإبداء آرائهم فى الموضوع، فمنهم من استنكر فعل المصادرة ليس من باب المبدأ لكن لأن منطقة حلايب وشلاتين غير مهمة ولا يقصدها الكثيرون على أية حال، ومنهم من رد على هذا الرأى بالقول إن حدود الوطن مقدسة ويجب أن تصان من أى اعتداء وأن أى تهاون فى هذه المسألة يعد انتهاكا للسيادة القومية، ومنهم من قال إن الخرائط التى تظهر الحدود المصرية بشكل غير صحيح تعد نفسها اعتداء على السيادة القومية، وبالتالى يجب منع تداولها.

أما أنا فقد كنت أخشى أن تكون مصادرة هذا الكتاب جزءا مما يراه البعض حملة، أو على الأقل اتجاه، لإحكام الرقابة على الصحف والمطبوعات والاعتداء على مبدأ حرية الرأى. فبعد الأخبار المتتالية عن مصادرة صحف وإغلاق محطات تليفزيونية وتهديد الصحفيين بالحبس الاحتياطى فى قضايا النشر، أصبحت أتوجس من خبر مصادرة أى كتاب، ما بالكم بكتاب كنت أنتوى تدريسه لطلابى. ولكن بعد تحريات مضنية اقتنعت بأن قرار المصادرة فى هذه الحالة لا ينتمى للحالات الأخيرة التى مست الصحافة والتى يراها البعض انعكاسا لسياسة حزب الحرية والعدالة إزاء مبدأ حرية الرأى، بل امتدادا لسياسة رقابية قديمة وثابتة، وتعبيرا عن بيئة بيروقراطية عتيدة.

ولكن وبالرغم من تفاهة الموضوع مقارنا بحالات تقديم صحفيين للمحاكمة أو مصادرة أعداد من صحيفة يومية، وبالرغم من أن مكتب الرقابة على المطبوعات سمح أخيرا بالإفراج عن الكتاب المشكل بعد تصويب الخرائط الثلاث يدويا فى كل النسخ، إلا أننى أعتقد أن مصادرة الكتاب، أى كتاب، عمل خاطئ وخطير، وأن خطورة هذا العمل لا تكمن فقط فيما يمثله من انتهاك لمبدأ حرية الرأى والتعبير بل أيضا لما يمثله من تهديد للأمن القومى نفسه، حتى وإن بدا أنه يتوخى الدفاع عن هذا الأمن.

إن خطورة مصادرة الكتب وفرض الرقابة عليها لا تكمن فقط فيما تشكله من تشويه لسمعة مصر فى المحافل الثقافية العالمية المتعددة والتى تندد بأعمال الرقابة على الكتب سواء تلك التى تشترط موافقة رقابية قبل النشر أو تلك التى تسمح بمصادرة الكتاب بعد النشر الخطورة لا تكمن فى مسألة سمعة البلاد فقط، بل، وهو الأهم، فيما تشكله هذه الرقابة على مبدأ حرية الرأى، وكما قلت، على الأمن القومى نفسه.

•••

المدافعون عن فرض الرقابة يقولون إنهم بالطبع مع مبدأ الإتاحة والنشر، إلا أنه قد توجد ظروف تستدعى المنع والمصادرة، كأن يُنشر كتاب به معلومات تهدد الأمن القومى، أو أن يكون الرأى المعبر عنه جارحا أو صادما أو خادشا للحياء أو مخالفا لأعراف المجتمع وتقاليده. والرد على ذلك هو أن هذه الحالات تحديدا هى التى تستوجب إعلاء مبدأ حرية الرأى والدفاع عن حق المواطن فى التعبير خصوصا إذا كان هذا الرأى جارحا وصادما.. لماذا؟

أولا لأن هناك صعوبة إن لم تكن استحالة فى تحديد مضمون «الأمن القومى» أو «تقاليد الأمة وثوابتها». ولنأخذ موضوع الخرائط الثلاث الواردة فى هذا الكتاب كمثال. المدافعون عن فعل المصادرة يقولون إن الخرائط التى لا تعبر عن الحدود الرسمية للدولة المصرية تعد فى حد ذاتها انتهاكا لمبدأ السيادة القومية، إذ إن تلك الخرائط قد يكون لها تبعات سياسية وقد تؤسس لمواقف قانونية لدول لها معنا نزاع حدودى، ويستشهدون فى ذلك بقضية طابا التى ربحتها مصر فى التحكيم الدولى بعد تقديم خرائط قديمة تثبت تبعية طابا لمصر. وردى على ذلك هو أن الخرائط التى يعتد بها فى هذه الحالة يجب أن تكون خرائط قديمة ورسمية لا أن توجد فى كتاب منشور منذ أربع سنوات، كما الحال مع كتابنا، حتى وإن أشارت تلك الخرائط إلى فترة تاريخية سابقة. فخريطة عنوانها «الحدود الرسمية لدول الشرق الأوسط فى فترة ما بين الحربين العالميتين» منشورة فى كتاب صدر عام 2009 لا يمكن، قانونا، أن تعبر عن «حقيقة» وضع هذه الحدود فى الثلاثينيات من القرن العشرين، بل عن «رأى» مؤلف الكتاب عام 2009 عن تاريخ تلك الحدود. الموضوع إذن ملتبس، وما هو مطبوع فى كتاب ليس عنوان الحقيقة بل يخضع لاجتهادات وتفسيرات عديدة. وإذا كان الأمر كذلك فمن لديه الحق فى التفسير السليم لما يحتويه كتاب ما من تهديد للأمن القومى؟ فما يراه البعض تهديدا للأمن القومى قد لا يراه آخرون كذلك. وإذا سمحنا لجهة الرقابة بأن تتدخل بالحذف والتعديل فى تصويب «خطأ» صغير فى كتاب، فما الذى يمنع هذه الجهة من أن تتدخل فى المستقبل وتحذف فصلا بكامله، أو أن تزيد من عندها فصلا قد تراه يقدم الرأى الصائب من وجهة نظر الأمن القومى؟

ثانيا، فلنفرض جدلا أن الكتاب أو الصحيفة أو محطة التليفزيون بها ما يعد صادما أو جارحا أو مخالفا للعرف العام، فحتى فى هذه الحالة، بل تحديدا فى هذه الحالة، يجب ألا يكون الحل بالمنع أو الحذف أو المصادرة، بل يجب الدفاع عن حق التعبير عن هذا الرأى. لماذا؟ ببساطة لأنه قد يوجد احتمال، ولو ضئيلا، بأن يكون هذا الرأى الصادم صحيحا. فالتاريخ يعلمنا أن الآراء الجديدة صادمة بطبيعتها إذ إنها تؤرق المجتمع وتضج مضاجعه، وأنه فى حالات عديدة قد يكون صلاح المجتمع ورفعته وتقدمه يكمن تحديدا فى هذه الآراء الصادمة والجديدة. ولنا فى سيرة الرسول عبرة، إذ أنه لو صح الرأى القائل بضرورة الدفاع عن الرأى ولكن بشرط ألا يخالف هذا الرأى تقاليد المجتمع ولا يخدش حياءه ولا يتناقض مع مبادئه لوئدت الدعوة المحمدية فى مهدها، تلك الدعوة التى رأى مترفو المجتمع الجاهلى فيها تهديدا لما وجدوا عليه آباءهم.

من هنا تنبع فلفسة ضرورة الدفاع عن الرأى حتى لو كان هذا الرأى مخالفا بل صادما، أولا لأن الرأى السائد المعترف به والمقبول اجتماعيا لا يحتاج للدفاع عنه، وثانيا، لأن الرأى الجديد مع ما يحتويه من إمكانية الخطأ والاختلاف، قد يكون صائبا. والوسيلة الوحيدة لمعرفة صحة رأى أو صواب اجتهاد جديد هو مناقشته وتجربته وإعمال العقل فيه لا مصادرته ومنعه بدعوى مخالفته لثوابت الأمة وتقاليدها أو تهديده للأمن القومى.

•••

الأمن القومى لا يزدهر بمصادرة الكتب بل بإتاحتها ونشرها، ولا تقام له قائمة بحجب الصحف أو بإغلاق محطات التليفزيون بل بالسماح لها فى التعبير عن آرائها ولو كانت مخالفة وصادمة وجارحة. أقوى دعامة للأمن القومى هى المواطن الواعى العارف بحقوقه والملتزم بواجباته، وأنجع وسيلة لبناء هذا المواطن هى توفير بيئة تمكنه من توسيع مداركه وتعميق معرفته، وهو الأمر الذى يستدعى بدوره السماح له بالاطلاع على جميع الآراء والرؤى وإعمال عقله فيها يختار ما يراه صائبا منها ويترك ما لا يقتنع به. أما إذا أعطينا الدولة الحق فى مصادرة الكتب أو حجب الصحف أو إغلاق محطات التليفزيون فنكون بذلك قد أسسنا لنظام يهدد الأمن القومى ويمنع المجتمع من الدفاع الحقيقى عن معتقداته ومبادئه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.