هى ثورة لا جدال.. وهم شهداء عند ربهم يرزقون.. وقد سقط رأس النظام وعديد من رجاله.. ونجاحها التام رهن بقوة وإصرار الثوار على استكمال إسقاط ما تبقى من نظام مبارك.. أما نجاة هذا الوطن فهى رهن بقدر وضوح الرؤية للمواطن.. وإخلاص النية والفعل ممن يتولى السلطة.. وحرص الساسة على عدم الاستئثار والمغالبة. فلكل من يجادل فى وصف ثورة الشعب أقول إنك تسىء لهذا الوطن حتى ولو لم تكن من أنصار نظام مبارك لأنك ترى الثورة بعين النقد لا بعين الأمل ولأنك تقف أمام أعظم ما فى التاريخ المصرى الحديث ولا تقف خلفه لتصوبه وتدعمه ولأنك تظن أن الزمن سوف يعود للخلف ولا تدرك أن المستقبل لن يكون تكرارا للماضى حتى وإن كان أسوأ.
وأما أنتم يا أنبل ما فى مصر ويا أطهر ما فى مصر فإنى لن أبكيكم لأنكم أحياء عند ربكم ترزقون وأنتم ولا شك سبب لكل خير قد نراه وكل نجاح قد نشهده.. وكل من يحملكم ما نرتكب الآن من أخطاء هو مغرض وله نفس مريضة.
وصحيح أن من سقط هو رأس النظام وعديد من رموزه وأن كثيرا من رجاله لا يزالون فى أماكنهم وسياساته لا تزال تطبق على مصر تؤذيها وتكبلها.
●●●
ولكن المعركة مستمرة فها هو برلمان يخلو من أغلبية الحزب الوطنى وها هم رجاله يتنكرون له بحثا عن مصالحهم فيترشحون على قوائم أحزاب أخرى وها هو الميدان يطيح بحكومة الدكتور شرف الذى هو أصلا من الحزب الوطنى ومن أمانة لجنة السياسات وها هى القوى السياسية تنزل للشارع فتكسب وتخسر وتتعلم ويحكم عليها الشارع وهى حالة حراك سياسى لن تنتج بأى حال نظام مبارك.. وكل هذا يجرى وسيجرى وفى الوقت ذاته سنزف الشباب والشابات وسنبيع ونشترى وسنعلم أولادنا وسنحيا حياة فاعلة وكاملة.. وكذب كل ما يقال عن أن استكمال الثورة يعنى وقف الحال بل إن استكمال الثورة يعنى بناء هذا البلد ويعنى أن يستطيع التاجر أن يعمل دون قيد احتكار لصالح آخر وأن يستطيع الصانع أن ينتج دون خوف من مستورد يحظى بدعم الكبار ونستطيع أن نطور قليلا أو كثيرا ولكن مصر ولا شك ستكون أفضل.
وبقراءة المشهد نجد الثوار والثوار فقط هم الذين يطالبون بحق هذا الشعب فى رحيل باقى نظام مبارك.. والثوار فقط من يقدم الدم ثمنا للحرية والثوار فقط هم الذين نضمن عدم حصولهم على غنائم إنتخابية أو سياسية حقيقية على الأقل فى خلال الفترة الانتقالية.. لذلك فإن الرهان على الثوار هو الرهان على الفارس الوحيد فى الساحة وهو فارس قادر على الضغط وعلى التضحية ويعى ويدرك حقيقة ما حوله ومن حوله.
●●●
وبقدر ما يستطيع المواطن أن يرى حقيقة الأمور فإنه سيصبر على ما يتعين الصبر عليه وكذلك سيدافع عن مصالحه وسيميز من يصدقه القول والفعل أما أن تظل حالة التشويه التى يشارك فيها العديد من أطراف اللعبة السياسية إما باسم الدين كما حدث فى الاستفتاء أو باسم الميدان كما نرى روايات السلفيين عن بطولاتهم فى ثورة كانوا ضدها ولم يرضوا عنها إلا بعد أن أسقطت الحاكم.. فضلا عن إعلام هو ولا شك إعلام نظام مبارك فلا أرى مذيعين ومذيعات الملايين من الجنيهات إلا وأتذكر كل مواقفهم مع مبارك وضد الثورة.
وعلى من يدير المرحلة الانتقالية أن يدرك أنه لن ينجو بفعلته فإما أن يتجه بسفينة الوطن بعيدا عن نظام مبارك أو سيحاسب مهما كانت النصوص فليس منها ما هو حصين فى مواجهة إرادة الشعب. وأما أطراف اللعبة السياسية فلا نطلب منهم أن يتنازلوا عن أفكارهم وطموحاتهم ولكن فقط نلفت أنظارهم إلى أن مصلحتهم الحقيقية فى التخلى عن فكرة المغالبة والاستئثار ليس فقط لأن الغالب سيكون خصما لكل من لم يغلب بل أيضا لأن الوطن بحاجة لكل العقول وكل الأفكار وكل الجهود خاصة فى هذه المرحلة التى ستنتهى يقينا وإن كنت أراها سنوات أربع وخلالها سوف تظل الحياة تسير والثورة مستمرة.