أيا ما كانت نتيجة الدعوة للانتخاب التى وجهها سكوت ووكر، حاكم ولاية ويسكونسن، يوم الثلاثاء قبل الماضى، ستظل الحركة العمالية الأمريكية فى مأزق صعب. ولا ترجع مشكلتها إلى إعراض الأمريكيين عن النقابات، ولكن إلى إضعاف قدرة القوة العاملة على تحسين حياة العمال عبر التمثيل فى مكان العمل، أو الانتصار لهم فى صناديق الاقتراع، وهذا بسبب قانون العمل المختل، والقرارات القضائية المؤيدة للشركات. ●●●
والغريب، أن المعترك الذى أحرزت فيه النقابات تقدما ما هذا العام، كان المساهمة الرأسمالية: فمن خلال استخدام قوة تصويت صناديق التقاعد الخاصة بها، وتنظيم معارضة المساهمين للأجور المفرطة للتنفيذيين وتبرعات الشركات السياسية، بدأت النقابات إحياء بعض المساءلة إزاء قادة الأعمال الخارجين عن السيطرة.
ويرجع التفاوت فى قدرات القوة العاملة إلى أسباب واضحة ومباشرة. فخلال ال35 عاما الماضية، شن رجال الأعمال والسياسيون المعادون للنقابات حربا ناجحة ضد قدرة العمال على التنظيم على أساس المهنة، وتقليص نصيب عمال القطاع الخاص المنظمين من القوة العاملة، حتى اقتصر على 7%. ومع صدور القرار القضائى المعروف بعنوان «المواطنين المتحدين» عام 2010، عمل المحافظون فى المحكمة العليا على تمكين الشركات من إغراق العملية الانتخابية بالمال. ولكن لم يتمكن اليمين من إيجاد سبيل للحد من نفوذ العمال كمساهمين، دون تقليص نفوذ المساهمين عموما, رغم ثقتى بأن هناك منظِّرين فى العلاقات الصناعية يعملون على ذلك فى مكان ما فى هذه اللحظة تحديدا.
وبالمثل، لم تكن حقوق العمال ضمن اهتمامات المعركة التى دارت فى الاجتماع السنوى الذى عقد هذا الربيع للبنوك والشركات. إذ ركز كثيرون انتباههم على المال السياسى للشركات وتأييدها للمجلس التشريعى الامريكى للتداول، وهو المجموعة التى تصيغ مسودات التشريعات الاقتصادية والاجتماعية اليمينية وتدعمها فى كل الهيئات التشريعية بالبلاد. وفى أعقاب مقتل تريفون مارتن فى فلوريدا، أثار دور المجلس التشريعى الأمريكى للتداول فى تشجيع قانون «اثبت فى موقعك» فى ولاية بعد الأخرى غضب مجموعات الحقوق المدنية وغيرها. وحتى الآن أوقفت 18 شركة كبرى دعمها المالى للمجلس التشريعى الأمريكى للتداول, وفى الأسبوع الماضى، فى أعقاب ما كان بالتأكيد اجتماع مساهمين مشحون بالمنازعات، أعلنت وول مارت، التى كانت أحد مرتكزات المجلس التشريعى الأمريكى للتداول منذ 1993، انسحابها من المنظمة.
●●●
ولم ينه هذا ثورة مساهمى وول مارت. ومع تعبئة الغضب العام بخصوص ما ذكر عن تقديم رشاوى بشكل منتظم إلى مسئولين مكسيك، من أجل الإسراع فى بناء متاجر للشركة، عارض بعض أكبر صناديق المعاشات الأمريكية، بما فيها أكبر نظامين عامين لتقاعد الموظفين فى كاليفورنيا، وصناديق أخرى فى فلوريدا وكونيكتكت ونيويورك، إعادة انتخاب بعض أعضاء مجلس الإدارة. وعندما تم حساب الأصوات يوم الاثنين، وجد أن أكثر من ربع المساهمين المستقلين، صوتوا ضد بقاء روب والتن رئيس مجلس إدارة وول مارت، وميك دك المدير التنفيذى، ولى سكوت رئيس مجلس الإدارة السابق، الذين كانوا قد أعيد انتخابهم فى اجتماع العام الماضى بنسبة 90% من الأصوات.
واتسق غضب المساهمين داخل الاجتماع مع المظاهرات التى نظمتها حملة «التغيير فى وول مارت»، التابعة لنقابة عمال المواد الغذائية والمتاجر المتحدون، بينما كان المتطرفون المعادون للنقابية يحبطون دائما محاولاتها لتنظيم عمال وول- مارت. (وإذا كنت تظن أن هناك بعض المغالاة فى الوصف، انظر إلى ذلك: عندما صوتت مجموعة من عمال الجزارة من أجل إنشاء نقابة فى قسم تقطيع اللحوم فى متجر وول مارت فى تكساس عام 2000، انتقمت الشركة ليس فقط من خلال إغلاق القسم، بل أغلقت كل الأقسام المشابهة فى تكساس وخمس من الولايات المجاورة.)
●●●
تمثل نقابة عمال المواد الغذائية والمتاجر واحدة من بين عدد من النقابات ساعدت فى جمع التحالفات التى نشأت بين مجموعات مختلفة، مثل MoveOn.org، و«احتلوا وول ستريت» ومناهضة الرهون، ومنظمات الحقوق المدنية والبيئية، للتظاهر فى الشارع والتصويت مع مساهمى شركاتهم فى الاجتماع السنوى. وكشف مسح حول قرارات المساهمين هذا العام، أن ثلثها كان للمطالبة بزيادة الكشف عن انفاق الشركة على مجموعات الضغط والحملات السياسية. وكان للنقابات دور رئيسى فى ثورة المساهمين ضد سيتى بنك، إذ رفضت حزمة المدفوعات التى قررها الرئيس التنفيذى فيكرام باندى، وفى الحملة التى اقتربت من النجاح (حصلت على 47.5% من الأصوات) وكانت تهدف إلى تمكين المساهمين فى جنرال الكتريك من ممارسة مزيد من التحكم فى إدارة الشركة.
ويتمتع المساهمون بميزة لا يملكها العمال. فليس بالإمكان حرمانهم تماما من حقوق التصويت حول أداء شركاتهم. وفى اقتصاد تتقلص فيه قدرات الناس العاديون شيئا فشيئا، تظل حقوق المساهمين، التى جمعت عبر استثمارات صناديق التقاعد الخاصة بهم، إحدى الطرق القليلة التى يمكن التعبير بها عن القوة الشعبية. إنها طريق أمام العمال لتحقيق مصالحهم، وحتى إن كان غير مباشر ومتعثر، وغير كاف إلى حد كبير، بل حتى مثيرا للسخرية، إلا إنهم ليس بإمكانهم تجاهل هذا الأسلوب فى وقت تتقلص فيه الديمقراطية فى أماكن العمل وأماكن الاقتراع.