في عام 2007 كان يبدو لأول مرة منذ توليه القيادة عام 2000 أن لي سكوت علي وشك أن يترك منصبه كرئيس تنفيذي لمتاجر وول - مارت وأن ذلك سيتم ضد إرادته ووسط مناخ من خيبة الأمل يحيط به من كل جانب، فمتاجر وول مارت - التي تعد كما تقول مجلة "الإيكونوميست" - أكبر متاجر التجزئة في العالم كانت تعاني من تباطؤ المبيعات وتراجع الأرباح في سوقها الرئيسي وهو كما تعرف السوق الأمريكي، كما أن سعر سهمها كان قد هبط بمقدار الثلث عن التي وصل إليها عام 1999 وفوق ذلك فإن القضية التي رفعتها السيدات العاملات متهمات فيها وول - مارت بالانحياز المنظم والمقصود ضد النساء جعلت من هذه المتاجر هدفا لكراهية أي أمريكي رقيق المشاعر وأيامها كان سكوت يكاد يترنح وهو يحاول تجديد سمعة وول - مارت عن طريق تبني خطة صديقة للبيئة رفض الكثيرون تصديقها. ولكن أقدار وول - مارت السيئة قد تغيرت بعد ذلك إلي حد أن الإعلان يوم 21 نوفمبر الماضي عن ترك سكوت لمنصبه كرئيس تنفيذي للمتاجر يوم 31 يناير المقبل قد قوبل بالدهشة، ومع ذلك فإن أحدا لم يشك في أن قرار التنحي قد اتخذه سكوت هذه المرة بملء إرادته رغم إنه لايزال في التاسعة والخمسين من عمره، ففي حين يعاني معظم قادة الشركات الأخري وبالذات شركات تجارة التجزئة لمواجهة مبيعات أسوأ ركود اقتصادي تشهده أمريكا منذ عدة عقود نجد أن سكوت يترك منصبه بينما تحلق متاجر وول - مارت عاليا، فمبيعات متاجره ينتظر أن تزيد 8% منذ شهر سبتمبر لايزال أعلي بنسبة 20% مما كان عليه في بداية عام 2008. والحقيقة أن أزمة الائتمان لعبت جيدا لصالح سكوت فالناس الأكثر ثراء الذين اعتادوا النظر إلي وول - مارت من فوق أنوفهم ينظرون الآن إلي أسعاره المنخفضة يوميا برؤية مختلفة، كما أن استراتيجيته لتجديد المتاجر حتي تصبح أكثر ملاءمة للمتسوقين ذوي الفطنة مع زيادة أنواع المعروضات لتناسب مزيدا من الأذواق المعقدة قد حققت نجاحا يفوق ما كان يتوقعه سكوت بكثير، صحيح أن التسوق من وول - مارت لن يحقق أبداً ذروة الامتاع ولكنه علي آية حال صار يحقق درجة كافية من المتعة خصوصا عندما تشتري الزبادي بسعر يقل 30% عن أي متجر آخر للمواد الغذائية مثل هول فودز ماركت، ولم يكن غريبا والحال كذلك أن ترتفع شعبية وول - مارت لدي الأمريكيين ذوي الدخل الأعلي ارتفاعا غير مسبوق وأن يؤدي ذلك إلي انخفاض أسعار اسهم هول فودز بنسبة 75% منذ بداية العام الحالي حتي الآن. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الأوقات الجيدة كانت دائما أسوأ الأوقات بالنسبة لسكوت الذي ولد في كانساس والتحق للعمل في وول - مارت عام 1979 أي منذ نحو 30 سنة وسرعان ما تولي قيادة قسم النقل الذي يعد أهم أقسام هذه الشركة، وقد عمل عن قرب مع سام والتون مؤسس وول - مارت قبل أن يصبح ثالث رئيس تنفيذي لهذه المتاجر عام ،2000 وقد وجد سكوت نفسه آنذاك في مواجهة تغير في أذواق المستهلكين الذين كانوا ينصرفون علي نحو متزايد إلي منافسين مثل تارجت وهو لفودز، وكان رد فعله يبدو مشوشا أنه استعان بخبراء تسويق يتعارض أسلوبهم المتسم بالتبذير مع ثقافة التقشف التي كان قد زرعها والتون مؤسس وول - مارت واتجهت المتاجر بعيدا عن الالتزام الصارم بفكرة خفض التكاليف والأسعار معا وهي الفكرة التي صنعت عظمة وول - مارت وفي أواخر عام 2006 قرر سكوت العودة مرة أخري إلي الجذور والإلتزام بخفض التكاليف والأسعار ولذلك كانت المتاجر مهيأة تماما لاستعادة تألقها عندما بدأ التباطؤ الاقتصادي وأصبح السعر عنصرا مهما علي جدول أعمال المستهلكين. وقد حفلت السنوات الأولي من قيادة سكوت لوول - مارت بالهجوم الفعال علي سياسة التشغيل التي تتبعها الشركة وبالذات رفضها السماح بأي تنظيم نقابي للعاملين لديها وتفاهة الأجور التي تدفعها لهم خصوصا وأن عددهم 1،5 مليون عامل وتوسعها في تنفيذ برنامج فتح المتاجر الجديدة إلي حد دفع العشرات من شركات تجارة التجزئة الأصغر إلي الأفلاس، وفي عام 2005 قرر سكوت أن يرد علي هذه الهجمات واستقدم جيشا من خبراء العلاقات العامة لشرح الفوائد التي تعود علي المجتمع الأمريكي من وول - مارت، وقد قوبلت هذه الشروحات بالشك في البداية ولكن الأمور بدأت تتغير في أواخر العام نفسه عندما أثبتت وول - مارت أنها أسرع وأكفأ من الحكومة الأمريكية في تزويد ضحايا إعصار كاترينا آنذاك بكل ما يحتاجونه من ضروريات ودون مقابل في الأغلب، ومع النجاح الذي حققته الشركة في إنقاذ ضحايا كاترينا تولدت في ذهن سكوت بتداعي المعاني فكرة تحويل وول - مارت إلي شركة صديقة للبيئة تبيع لمبات الكهرباء الموفرة للطاقة وتستخدم النفايات في صنع الطاقة المتجددة وغير ذلك ورغم أن هذه الفكرة قوبلت بالشك في البداية إلاّ أنها سرعان ما نجحت هي الأخري في إعادة الالتحام بين وول - مارت وجماهير المستهلكين. وهناك من يري أن سكوت قرر التقاعد قبل أن يصدر الكونجرس تشريعا وشيكا يسهل إقامة النقابات العمالية في داخل الشركات وهو أمر لايزال الرجل يعارضه كما إن وول - مارت بحاجة إلي رئيس تنفيذي جديد قادر علي التأقلم مع مثل هذه الأوضاع المستجدة. ومع ذلك فإن التوقيت هو أهم أسباب قرار سكوت بالتقاعد فهذه هي وول - مارت في أفضل حالاتها من حيث الأداء والسمعة ولم يعد لدي سكوت كثير يربحه من البقاء علي رأسها، فثقافة وول - مارت عادت إلي جذورها الصحيحة واستراتيجيتها نجحت بما يفوق الخيال أما مسمعته هو شخصيا فهي متقدمة ومتوهجة، وإذا كان الركود عميقا بدرجة تدفع المستهلكين إلي مزيد من خفض الانفاق فإن وول مارت قد تجد نفسها تستحوذ علي شريحة أكبر من كعكة سريعة الانكماش، وهذه مشكلة سيتركها سكوت لخليفته المقبل مايك ديوك الذي قد تفرض عليه الظروف مهمة النقاش مع مشاكل ركود طويل وعميق.