حماة.. تلك المدينة العريقة التى لقبت بمدينة أبى الفداء والتى خربت وتهدمت تماما فى عام 1157 م. على إثر زلزال مدمر ضرب أرضها، سرعان ما تداركها أهلها وأعادوا بناء أسوارها وقلعتها ومبانيها، بل وسارعوا فى بناء أسوار بقية المدن الشامية التى تضررت من الكارثة ليمثلوا نبض الشعب السورى الحى. ويشاء القدر لأن تشهد المدينة فى وقتنا المعاصر أحد أبشع الحملات العسكرية، ليس من قبل المستعمر الفرنسى السابق أو من قبل العدو الصهيونى الغاشم ولكن على يد نظامها البعثى الحاكم، وهى الحملة التى قادها شقيق الرئيس حافظ الأسد عم الرئيس الحالى العقيد رفعت الأسد فى فبراير 1982 واستمرت 27 يوما، حيث قام النظام السورى بتطويق المدينة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكريا، وارتكاب مجزرة مروعة كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين من أهالى المدينة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد الضحايا الذين سقطوا بلغوا ما بين 30 إلى 40 ألفا من بينهم نساء وأطفال ومسنون، إضافة إلى 15 ألف مفقود حتى الآن، كما اضطر نحو 100 ألف نسمة إلى هجرة المدينة بعد أن تم تدمير ثلث أحيائها تدميرا كاملا، إلى جانب إزالة 88 مسجدا وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعى. ●●● ونشبت مجزرة حماة الأولى فى سياق الصراع العنيف بين نظام الأسد الأب وجماعة الإخوان المسلمين، حيث اتهم النظام حينها جماعة الإخوان بتسليح عدد من كوادرها وتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف فى سوريا من بينها قتل مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية فى يونيو 1979 فى مدينة حلب، ونجحت السلطات السورية إلى حد بعيد فى فرض تعتيم إعلامى على المجزرة لتفادى الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية. إلا أن هذه المجزرة سرعان ما عادت للأذهان بعد أحداث السبت الماضى التى أودت بحياة نحو 150 قتيلا حتى الآن على أيدى نفس القوات العسكرية والعائلة الحاكمة التى قامت بنفس المجزرة الأولى ضد نفس الشعب الأعزل، ليعاد المشهد بكل تفاصيله فيما عدا فارق جوهرى، ألا وهو التواصل الإعلامى الحديث الذى أتاح للعالم أجمع مشاهدة أحداث المأساة مباشرة، وهو الأمر الذى كان يفترض معه وخاصة فى المحيط العربى الذى شهد ويشهد وسيشهد ثورات شعبية تجاه أنظمته المستبدة حالة من الفوران والاستهجان. ●●● إلا أن المفارقة المدهشة أنه حتى كتابة هذا المقال وبعد الجمعة الأخيرة التى حملت فى سوريا عنوان «سكوتكم يقتلنا» لم تتحرك أى دولة عربية لإدانة الأحداث.. وقد يبرر البعض هذا الموقف وبالأخص الموقف الرسمى المصرى بأنه بسبب هشاشة الجبهة الداخلية، وعدم التفاف قطاع عريض من الشعب حول الثورة التفافا حقيقيا، أو لكون المؤسسة الحاكمة ليست ثورية خالصة ولا تريد اتخاذ مواقف عنترية قد تعيد للأذهان العهد الناصرى ومبدأ تصدير الثورة الذى قد ينعكس سلبا على جالياتنا المصرية فى العديد من الدول العربية المحافظة، إلا أننى لا أبرر الموقف الشعبى الثورى الصامت الذى يعكس وزن وقوة مصر الحالية والذى ينبغى أن يباشر دبلوماسيته الشعبية الثورية، سواء بالاعتصام أمام سفارة حزب البعث بالقاهرة السفارة السورية للتعبير عن رفضه للنظام السورى أو الدعوة لمليونية حاشدة لتأييد الثورة السورية وذلك قبل فوات الأوان وحلول الخريف العربى، وحتى لا تصبح حماة للجناة. فالساكت عن الحق شيطان أخرس! وبمشيئة الرحمن بعد بلوغ الشعب السورى حريته ستتمكن حماة من مقاضاة الجناة سواء فى أحداث 1982 أو 2011، حيث إن جرائم الإبادة الإنسانية لا تسقط بالتقادم!