البترول تعلن شروطها لتعويض متضرري "البنزين المغشوش"    المهندس أحمد عز رئيسا للاتحاد العربى للحديد والصلب    ترامب: سأعلن عن خبر هو الأهم والأكثر تأثيرا على الإطلاق    الرئيس الأمريكى دونالد ترامب: الحرب فى غزة وحشية    ندوة "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في فتاوى دار الإفتاء المصرية" بالمركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    محافظ الشرقية يصدر قرارًا بتكليف رئيس جديد لصان الحجر    سعر الذهب اليوم الإثنين 12 مايو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    تكليف عمرو مصطفى رئيسًا لمدينة صان الحجر القبلية بالشرقية    فى اليوم العالمى للتمريض.. حكايات إنسانية ل«ملائكة الرحمة»    اليوم الإثنين.. فصل التيار الكهربائي لمدة 6 ساعات عن 4 مناطق في العريش    وزيرا خارجية الأردن والإمارات يؤكدان استمرار التشاور والتنسيق إزاء تطورات الأوضاع بالمنطقة    الولايات المتحدة تسحب تأشيرة حاكمة ولاية مكسيكية    فلسطين.. الاحتلال يقتحم كفر اللبد ويعتدي على شاب من ذوي الإعاقة شرق طولكرم    فتوح: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي بالضفة يهدف لترسيخ الاستعمار    دونالد ترامب سيعلن عن الخبر الأكثر تأثيرا على الإطلاق    إنتر يترقب.. موقف صراع الدوري الإيطالي بعد تعادل نابولي    سيراميكا يتسلح بعلى ماهر لفك عقد الأهلى.. 11 مباراة بلا فوز    محمد شيكا يتصدر.. ترتيب هدافي دوري المحترفين بعد نهاية الجولة ال 35    سيد ياسين يكشف كواليس رحيله عن إنبي    37 مليون جنيه القيمة الإجمالية لصفقة انتقال سيحا للأهلى    مشاجرة عائلية بسوهاج تسفر عن إصابتين وضبط سلاح أبيض    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    عاصفة ترابية مفاجئة تضرب المنيا والمحافظة ترفع حالة الطوارئ لمواجهة الطقس السيئ    بسبب ذهب مسروق.. فك لغز جثة «بحر يوسف»: زميله أنهى حياته ب15 طعنة    «نشرة 12×12».. مصر تحت تأثير موجة حرّ.. وقضية دهس تثير الجدل.. وترتيب جديد لصلاح في سباق الحذاء الذهبي    بدائل الثانوية العامة 2025..تعرف على مميزات الدراسة بمدرسة الكترو مصر للتكنولوجيا التطبيقية    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    فى ختام مهرجان نوادى المسرح ال 32.. «ما بين كالوسين» يستهل الفعاليات.. و«لعنة زيكار» يحصد المركز الأول    مين فين؟    أنغام بفستان أنيق ونهى عابدين جريئة.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن | بوسي شلبي ترد على ورثة محمود عبدالعزيز وتفاصيل جديدة في حادث ضحية دهس نور النبوي    مع عودة الصيف.. مشروبات صيفية ل حرق دهون البطن    ينظم سكر الدم.. احرص على تناول هذه المشروبات    القولون العصبي في موسم الامتحانات.. راقب هذه الأعراض    شباب من "أبو عطوة" بالإسماعيلية يطلقون مبادرة شعبية لمواجهة خطر المخدرات    حسام المندوه: لبيب بحاجة للراحة بنصيحة الأطباء.. والضغط النفسي كبير على المجلس    مواعيد عمل البنك الأهلى المصرى اليوم الاثنين 12 مايو 2025    بخصوص قانون الإيجار القديم.. الحكومة تؤكد: نقف على مسافة واحدة من الجميع    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. نسف فندق فى نيوجيرسى الأمريكية بانفجار متحكم به مذهل.. بكين وواشنطن تتفقان على إنشاء آلية للتشاور الاقتصادى والتجارى.. 3 موانئ يمنية تحت قصف الاحتلال    النائب عصام خليل: أتوقع حدوث نزاعات قضائية حال عدم تعديل مشروع قانون الإيجار    تقى حسام: محظوظة بإنى اشتغلت مع تامر محسن وأول دور عملته ما قلتش ولا كلمة    نيللى كريم تشعل أجواء حفل ختام أسبوع القفطان بصحبة حاتم عمور.. فيديو    خبير لإكسترا نيوز: اتصالات مستمرة بين مصر والهند وباكستان لوقف إطلاق النار    إنبى: الزمالك لم يخاطبنا لشراء محمد حمدى.. ووسطاء عرضوا علينا انضمامه للأهلى    عضو سابق باتحاد الكرة: اللائحة تنصف الأهلي في أزمة القمة، وهذا القرار المنتظر للجنة التظلمات    أخبار × 24 ساعة..حقيقة إلغاء الصف السادس الابتدائى من المرحلة الابتدائية    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    عالم أزهري يكشف سبب السيطرة على التركة من الأخ الأكبر وحرمان الإخوة من الميراث    دمياط تحصد المركز الرابع على مستوى الجمهورية في الابتكار التكنولوجي    جامعة بنها تطلق أول مهرجان لتحالف جامعات القاهرة الكبرى للفنون الشعبية (صور)    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعا للعالم الثائر

الزمان: منتصف خمسينيات القرن الماضى.. المكان: جامعة ليدز بشمال إنجلترا.. المناسبة: محاضرة عامة نظمتها الجامعة، ضمن برنامج لحزب العمال فى أنحاء بريطانيا.. المحاضر: مصرى يدعى عصام الدين جلال، أتم دراسة الدكتوراه فى الطب من جامعة إدنبرة الاسكتلندية، وكان كاتب هذه السطور يعد الدكتوراه فى علم حديث يدعى الاقتصاد القياسى يتوسط علوم الاقتصاد والإحصاء والرياضة، ضمن الفوج الأول للبعثات الموفدة لأبناء جامعة أسيوط، آملا فى أن يكون صعيد مصر أول من ينتقل إليه هذا العلم فى العالم العربى. وقد أسعدنى وملأنى فخارا أن يكون المحاضر مصريا فى بلد نناضل من أجل استرداد استقلال مصر من قبضته.. وهو ما تحقق بفضل شعب مصر الأبى فى مدن القنال وعلى رأسها بورسعيد.
اكتشفت فيما بعد أنه كان طبيبا متخصصا فى الغدد الصماء، وهو ما أذهلنى لأن حديثه كان هجوما شرسا على معالم التخلف التى منيت بها المستعمرات التى جردها الاستعمار الأوروبى وعلى رأسه البريطانى الغاشم من خيراتها، وجند بعض شبابها فى الحرب العالمية الثانية ليسقطوا قتلى دفاعا عن الرجل الأبيض، بعد أن أفنوا أجيالا عملت عبيدا فى مزارعه وقصوره. عدّد فى حديثه مؤشرات تندرج تحت شعار تردده ألسنة السياسيين المتلاعبين بمصير مصر فى العهد الذى يترحم البعض على ازدهار الديمقراطية فيه، وهو مكافحة ثلاثية «الفقر والجهل والمرض». وذكر إحصاءات عن مدى تدنى المعرفة وتفشى الجهل، وعن تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والأوبئة والعاهات، وانعكاس كل ذلك على قدرات الإنسان على العطاء الاقتصادى والمعرفى وعلى التمتع بحقوقه فى رغد العيش. شعرت بضيق شديد لم يفارق صدرى حتى اليوم حيث أدركت حجم الخدعة التى أصابتنى كغيرى من الدارسين لعلم اقتصاد وضع آدم سميث أسسه وصاغه الاقتصاديون الكلاسيك وطوره كينز، فانشغلنا بمعدلات نمو الدخل القومى ومعالجة التغيرات الدورية التى تتوالى فيها موجات الرواج والكساد، ومناقشة السياسات التى تجنب العالم شبح الكساد الكبير فى الثلاثينيات وتتفادى عواقب التضخم الكبير فى الخمسينيات. فى ذلك الفكر كان التخلف ظاهرة تصيب أقاليم جرى إهمال النهوض ببنيتها الأساسية، وتعلمنا من أساتذتنا فى مصر ومنهم وهيب مسيحة أن الدول ليست متخلفة بطبيعتها، بل هى ضحية الاستعمار، فيكفى أن تسترد حريتها منه ليزول العائق أمام نهضتها. فأوضح حديث عصام الدين أن التخلف مشكلة متجذرة تتقاطع جوانبها الاجتماعية والسياسية مع الاقتصادية.

●●●

استبق منهج عصام الدين مفهوم الأمم المتحدة للتنمية البشرية بثلث قرن. وجاء امتدادا لنشاطه فى مصر فى الأربعينيات فى إطار اللجنة الوطنية للعمال والطلبة الذى أفضى به لإقامة مطولة فى معتقل هايكستب جعلته يدرك أن الأمر يتجاوز اتهام الاستعمار ببلاء العالم الثالث، ويتعدى مجرد معالجة أمراض أصابت البشر فى ظواهر حياتية، إذ إن مرجعه التخلف الذى كرسته نظم حاكمة لا تحمل من المواطنة إلا الجنسية، ولا تمارس من الديمقراطية إلا القدر الذى يثبتها فى كراسى الحكم. ومن ثم فإن الأمر لا يقف عند طرد المستعمر، بل لابد من اجتثاث عناصر التخلف التى عششت فى وكر الاستبداد المستند إلى ملك مستهتر وحاشية فاسدة زينت تربعه ليس فقط على عرش مصر (والسودان) بل توليه الخلافة ليكون أميرا للمؤمنين، وهى دعوة تنشط كلما تصاعدت وتيرة المراءاة لتغتصب الطاعة لولى أمر فاسد. وحينما خرج عصام الدين من المعتقل انتقل إلى قصر العينى ليس للتدريس بل للاستشفاء من أمراض أصابته.

غير أن ما حققته ثورة يوليو التى نشبت وكلانا فى بريطانيا العظمى لدراسة الدكتوراه، من قضاء على الإقطاع واحتكار رأس المال، وتخلص من براثن الاستعمار لم يحققا له الشرط اللازم والكافى للقضاء على التخلف، وهو فى رأيه بناء نظام ديمقراطى سليم يعيد السلطة إلى صاحبها وهو الشعب، وهو ما عبر عنه فى كتاب لا يزال عنوانه صالحا ليومنا هذا: «مصر.. شعب ينهض». ورغم أن السفارة المصرية أبت تجديد جواز سفره، رفض قبول عرض الأوساط النقابية الاسكتلندية منحه تصريح إقامة كلاجئ، فعاد إلى مصر فى أوائل 1956، ليحصل على عمل ليس فى الجامعة مكانه الطبيعى، بل فى إحدى شركات الأدوية تعرضت بعد ذلك للتأميم. فعمل رئيسا لإدارة البحوث الدوائية ما بين 1961 و1975. وعمل فى نفس الوقت مستشارا لمنظمة الصحة العالمية، كما استعان به عبدالناصر فى قيادة حوارات دولية، لم يتردد فى إجرائها على خير وجه. ثم عمل مستشارا لوزارة الصحة حتى 1981، ليتركها للعمل كمستشار لأكاديمية البحث العلمى للسنوات الخمس التالية.

وعندئذ كرس جهوده لوضع إستراتيجية للبحث العلمى مستعينا بفريق من العلماء والباحثين. غير أن الجمود الذى ابتليت به مصر فى ظل مبارك جعل جهوده تذهب أدراج الرياح. فاتجه إلى دعم أنشطة المجتمع المدنى، بدءا بتأسيس الجمعية المصرية لعلوم السميات فى 1985، وترأس الجمعية المصرية للغدد الصماء. وانتهى به المطاف إلى تأسيس الجمعية القومية للتنمية التكنولوجية، وحشد لهذا الغرض مجموعة من العقول المهتمة بالتنمية بوجه عام، وبالتنمية التكنولوجية القادرة على تعزيز قدرة مصر على الإسهام فى الثورة التكنولوجية التى تمثل بداية الطفرة الهائلة التى يمر بها العالم، أمثال عزيز صدقى وإسماعيل صبرى عبدالله وعلى حبيش وكمال حسن على. وحينما تكرم بدعوتى للانضمام لبيت مذكرا إياه بواقعة ليدز وكيف كان لها تأثير ضخم فى إعادتى التفكير، وتجاوز الإطار الاقتصادى الكلاسيكى إلى المجال التنموى الرحب.

●●●

لقد رحل الثائر دوما من أجل تحقيق كرامة إنسانية قوامها حسن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بعد أن اطمأن لتسلم جيل 25 يناير الراية منه.. تغمده الله برحمته وحقق لوطنه أحلامه وآماله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.