على الرغم من اعتراف الجميع بسوء التعليم، وانعدام التربية، وتدهور الثقافة، وتفشى الأمية، فإن إعلامنا المرئى لايزال مصراً على زيادة مساحة التسطيح الفكرى والتفاهة، ومحاربة التفكير العلمى، وتشويه الصورة الحقيقية للدين بصورة تدعو إلى الشك والريبة فى مقاصده.. وسوف أكتفى بذكر ثلاثة أمثلة لهذا التوجه. المثال الأول: نراه منذ فترة طويلة على قناة المحور الفضائية ذات الاتجاه الحكومى الواضح من خلال برنامج «تفسير الأحلام»، الذى يقوم عليه رجل لا أعرف حقيقة مؤهله، ولا علاقته بالأزهر الشريف، ومن خلال تفسيره المزعوم للأحلام نجده بكل جرأة يسىء أيما إساءة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، متلاعباً بالألفاظ الكريمة، والمعانى السامية والقيم النبيلة من أجل إيجاد تفسير يرضى أولئك الواهمين، ضعيفى الإيمان والباحثين عن حل مشاكلهم فى عقلهم الباطن. أين الأزهر الشريف؟ ولماذا لم يتخذ قراراً حاسماً وقاطعاً بوقف هذه المهزلة، وتحويل القائم على البرنامج للتحقيق بتهمة الترويج للخرافة والإساءة إلى الدين الإسلامى الحنيف الذى كرم العقل، واحتفى بالعلم والعلماء؟ وهل وصل الحد بأصحاب هذه القناة إلى حد استثمار جهل بعض الناس من أجل جمع المزيد من المال؟ وأين وزير الإعلام؟ وأين ميثاق الشرف الإعلامى؟ المثال الثانى: نراه جميعاً فى بعض القنوات الخاصة مجهولة الهوية، والتى تنفث سموم الجهل فى عقول المشاهدين من خلال شخص يعمل فى المركز القومى للبحوث وحاصل على ما يبدو على شهادة الدكتوراه، ولكنه لا يحمل أى مؤهل طبى يؤهله للكلام فى الطب، ولكنى فى أكثر من مناسبة وجدته بكل جرأة يرد على أسئلة المشاهدين الطبية والتى تتعلق فى كثير من الأحيان بأمراض مستعصية، وأمراض مزمنة مثل السكر، والغدد الصماء، مع ما يحمله ذلك من أخطاء فادحة قد تؤدى إلى تفاقم الحالة وحدوث المضاعفات، وهذا الرجل بالتحديد كان يروج منذ سنوات طويلة لخلطة من الأعشاب لعلاج فيروس «سى» ولايزال يبيع هذا الوهم لعلاج الكثير من الحالات المرضية، مروجاً لما يسمى «الطب النبوى»، متناسياً أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، قال لنا - ما معناه -: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، وكان يدعو إلى التطبيب، والبحث عن العلاج، ولكنه الفيروس القاتل الذى بدأ ينتشر فى أوصال العالم الإسلامى من أجل مصالح فردية مادية، مستغلاً جهل المسلمين بأصول دينهم. أين نقابة الأطباء؟ وأين الأزهر الشريف؟ وأين وزارة الإعلام من هذا الهراء الذى ينهمر علينا من الفضائيات مجهولة الهوية؟ والمثال الثالث: هو تلك الصرعة التى أصابت الكثير من الفتيات والسيدات اللاتى يعانين زيادة الوزن، مما أتاح الفرصة للكثير من الفضائيات لاستغلال هذا الأمر بما يدره من أموال طائلة تعود إلى القناة وإلى المشاركين فى هذه المهزلة، وعلى حساب المشاهدة التى تبحث عن وسيلة لإنقاص وزنها، وبعض هؤلاء المتحدثين ليسوا بأطباء، وبعضهم ينتمى إلى تخصص العلاج الطبيعى، والذى لا يسمح لمن يمارسه بأن يكشف على المريضة، ويحدد لها العلاج والغذاء اللازمين، والبعض الثالث فى تخصصات طبية لا علاقة لها بالموضوع. وأتساءل للمرة الثالثة: أين نقابة الأطباء؟ وأين أجهزة وزارة الصحة الرقابية للبحث فى تخصصات وممارسات أولئك الذين كسبوا الملايين من وراء بيع الوهم؟ إننى - فى النهاية - أظن، وبعض الظن ليس إثماً، أن هناك فى النظام الحاكم من يهمه وبشدة أن تغيب العقول، وينشغل الناس بسفاسف الأمور، ويفقدوا الأمل فى حياة سعيدة مستقرة، على أمل الحصول على تلك السعادة فى الدار الآخرة، وبذلك يتفرغ المنافقون، والفاسدون، والمفسدون فى الأرض لنهب ما تبقى من ثروات هذا الوطن المنكوب بحكامه.. فمتى يفيق المصريون من غفلتهم؟ ومَن يوقف هذه المهازل؟