لن يشعر الرأى العام الأمريكى بقدر من التعاطف لأعضاء حركة «احتلوا وول ستريت»، الذين تم إخلاؤهم من معسكراتهم فى منتزه زوكوتى فى مانهاتن. وهى مفارقة المجتمعات المفتوحة نظرا لأنه لا يمكن اعتبار الوضع أمرا مفروغا منه، يطلب الرأى العام أن تفرضه الحكومة بفخر. ففى عام 1968، تعرض الشبان الذين تجمعوا فى مؤتمر الحزب الديمقراطى للضرب بالهراوات دون رحمة على شاشة التليفزيون الوطنى من قبل الشرطة فى شيكاغو. وعلى الرغم من تحول الرأى العام إزاء وجهات نظر المتظاهرين، دفع ازدراء الجمهور لاحتجاجاتهم حتى مرشح الحزب الديمقراطى إلى التسبيح بحمد الشرطة.
لم تكن نيويورك وحدها التى حاولت تصفية حركة «احتلوا». فقد بدأت مدينة لندن إجراءات قانونية لإخلاء المحتجين من سان بول. كما أخلت زيورخ ميدانها الرئيسى. ولم يعد هناك مكان لتجمع المواطنين العاديين المتضامنين مع الحركة وبصحبتهم أطفالهم. ولكن على الرغم من أن «احتلوا» فشلت كحركة، ربما تثبت أنها مهمة كدلالة. ولم يوضح متظاهرو حركة «احتلوا» بالضبط ما يحتجون من أجله. وأظهر شعار «نحن على 99 فى المائة» فهمًا واضحا لمشكلة عدم المساواة، ولكنه مبهم للغاية بشأن هوية المحتجين أنفسهم. ولا يدفع الفعل «احتلوا» إلى التعاطف. فنحن لا نعجب بأولئك الذين احتلوا فرنسا.
وفى هذا الأسبوع أجرت صحيفة واشنطن بوست مقابلة مع شرطى أمضى عشرات السنين فى فض أعمال الشغب والتظاهرات المختلفة حول مبنى الكونجرس. وقارن الرجل بين حركة «احتلوا» الحالية وبين المزارعين الذين قدموا إلى العاصمة للاحتجاج على السياسات الزراعية الأمريكية فى عام 1979. «على عكس ما يحدث الآن، كان المشاركون فى احتجاجات المزارعين، جميعهم من المزارعين».
كما لم يستطع المتظاهرون تحديد من يحتجون ضدهم. وأمام البنك المركزى الأوروبى فى فرانكفورت الأسبوع الماضى، تساءلت عن وجه اعتراض المتظاهرين هناك على اليورو. فقالوا لى لا شىء. حسنا، فما الذى يعترضون عليه بشأن البنك المركزى الأوروبى؟ لاشىء. وقالوا إنها «البنوك».
وعجزت الحركة عن تحديد معتقداتها. بمعنى الأيديولوجية التى تتيح للحركة النمو والصمود. فمن دون أيديولوجية، لا يكون لديك حركة، ولكن نمط حياة. وتعتبر «احتلوا وول ستريت» تجربة فى العيش بشكل مختلف على هامش هذه الحضارة، وليست مشروعا لحضارة جديدة. طالما أنه لا يوجد لدى «احتلوا وول ستريت» ايديولوجية، فستكون مدن الخيام هى رسالتها الكاملة، وسوف تستمر الحركة حتى يفضها رؤساء بلديات العالم. وهذا يجعل المعسكرين معتمدين على أصحاب السلطة. وفى مونتريال، رفضت المدينة التماسا لاستبدال هياكل خشبية، بخيام المحتجين. ويتطلب السماح لحركة «احتلوا» بالاحتفاظ بمعسكراتها، التعامل مع الأفعال غير اللفظية، مثل نصب الخيام، باعتبارها من أشكال التعبير التى يحميها الدستور. ويعارض الرأى العام هذه الفكرة، كما تتشكك فيها المحاكم. وفى دعوى كلارك ضد جماعة اللا عنف الإبداعى عام 1984، قضت المحكمة العليا الأمريكية بأنه على الرغم من أن حق التعبير حق مصون، فالتخييم بين عشية وضحاها ليست كذلك.
ولم تقدم الحركة أى تفسير أو تصور لحل الأزمة الراهنة، لكنها كانت أحد الأعراض المزعجة لهذه الأزمة. وسواء كانت أزمتنا هى إحدى أزمات الرأسمالية أم لا، فإنها ترتبط بالرأسمالية. ولعل أقوى توصيف لأخطاء المجتمعات الغربية، هو ما طرحه مؤخرا عالم الاجتماع الألمانى فولفجانج ستريك فى مجلة اليسار الجديد. فهو يرى أن سياسات التوظيف الكامل فى العصر الذهبى للديمقراطية الاجتماعية جعلت معايير جمهور الناخبين للتخصيص السليم للموارد مختلفة للغاية عن معايير السوق.
***
يواجه كل جهد ممكن لإصلاح العلل الاقتصادية الحالية لدينا المشكلات التى أوضحها البروفيسور ستريك. فهل يتوافق نظام الإنقاذ، أو نظام التقشف، مع الديمقراطية؟ لقد كان أوجستو بينوشيه، آخر زعيم بارز قبل ماريو مونتى، رئيس الوزراء الإيطالى الجديد، يمارس السلطة كما لو كان عضوا معينا فى مجلس الشيوخ. وهل تتوافق سياسة التحفيز الكينزية مع الديمقراطية؟ وقد تفاقمت الفضائح فى الولاياتالمتحدة بشأن إعانات إدارة أوباما لشركات الطاقة النظيفة العملاقة، مع التساؤل عما إذا كان هناك منتجات يمكن أن تطلب الحكومة من مواطنيها شراءها، ومسألة أن خطة الإدارة للرعاية الصحية قدمت إلى المحكمة العليا نشطاء حركة «احتلوا»، الذين يغادرون المسرح الآن، لأن مشكلتنا تنطوى على ما يتجاوز جشع واحد فى المائة من مواطنينا. كما تنطوى على مشكلة نظامية. وتتطلب الأزمات الحالية من اللا مساواة، والنمو، والديون، والعملات درجة من درجات القدرة على التنبؤ الاقتصادى، تواجه الديمقراطية الليبرالية مشكلة فى توفيرها.