يعتبر الإعلان الصادر عن اللجنة الرباعية الدولية بشأن موضوع الشرق الأوسط، فى 23 سبتمبر، محطة مهمة فى محاولات التوصل إلى اتفاق إسرائيلى فلسطينى، إذ يمكن أن يشكل هذا الإعلان المكتوب بلهجة حذرة أساسا لاستئناف المفاوضات بين الطرفين. وثمة ترحيب إسرائيلى به لأنه يدعو «إلى مفاوضات ثنائية مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون شروط مسبقة»، وقد كان هذا حجر الأساس فى الموقف الإسرائيلى من المفاوضات. كذلك يشدد الإعلان على أن يكون موضوعا «الأرض والأمن» هما الموضوعان الأساسيان للبدء بالتفاوض بشأنهما، وهذا يتطابق ايضا مع الموقف الإسرائيلى الذى يرى أنه من الصعب التفاوض بشأن الحدود من دون التوصل إلى اتفاق على الترتيبات الأمنية. ولم يؤيد الإعلان التوجه الفلسطينى إلى الأممالمتحدة، ولم يطالب بتجميد البناء فى المستوطنات، وإنما دعا الطرفين إلى «الامتناع عن الاستفزازات كشرط مسبق لنجاح المفاوضات».
وفى حال رفض الفلسطينيون اقتراح اللجنة الرباعية أو وضعوا شروطا لقبوله، فإن إسرائيل ستحقق نجاحا دبلوماسيا على المدى القصير، وذلك بادعائها عدم وجود محاور لها فى المفاوضات. لكن على المدى البعيد فإن مصلحة إسرائيل تفرض التوصل إلى تفاهم مع القيادة الفلسطينية الحالية، ولا سيما أن المؤتمر الدولى المزمع عقده فى موسكو لا يبشر إسرائيل بالخير. من هنا تقتضى المصلحة الإسرائيلية البدء بالمحادثات فورا، ووضع أهداف لها ممكنة التحقيق.
إن الهدف الوحيد الممكن تحقيقه فى هذه المرحلة هو اعتراف إسرائيلى بالدولة الفلسطينية ضمن حدود مؤقتة معترف بها، ويمكن أن تشتمل صيغة التعايش هذه على تأييد إسرائيلى لعضوية فلسطين فى الأممالمتحدة، وتجميد البناء فى المستوطنات خلال فترة المفاوضات. فالمعلوم أن ترسيم الحدود المؤقتة لا يجبر أيا من الطرفين على اتخاذ قرارت مؤلمة قد تكون مستحيلة سياسيا فى الوقت الراهن. إذ إن الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية المؤقتة يعد خطوة أكثر تقدما مما جاء فى المرحلة الثانية لخريطة الطريق التى وافقت عليها اللجنة الرباعية فى 30 أبريل 2003، وأقرها مجلس الأمن.
وتستطيع إسرائيل أن تعلن ضمن هذه الصيغة من التعايش أن الترتيبات الأمنية هى أيضا مؤقتة ومرتبطة بالاتفاقات على الحدود الدائمة. وثمة احتمال كبير أن يسهل الطابع المؤقت للترتيبات الأمنية التوصل إلى اتفاق فى هذا الشأن.
وينبغى على إسرائيل أن تتمسك بالموقف الداعى إلى اشتمال هذا الاتفاق على اعتراف فلسطينى مشروط بإسرائيل كموطن للشعب اليهودى، على أن يصار إلى إزالة التحفظ لدى التوصل إلى الاتفاق الشامل. كما تستطيع إسرائيل فى إطار المفاوضات بشأن تطبيق المرحلة الثانية من خريطة الطريق أن تقترح نقلا على مراحل لأجزاء من أراضى يهودا والسامرة الواقعة ضمن منطقة «ج» والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى السلطة، فانتقال هذه الأراضى لن يكون له انعكاسات استراتيجية كبيرة من وجهة النظر الإسرائيلية، وهو لا يتطلب قرارات من الطرفين تتعلق بالحدود الدائمة التى تحولت بعد «الربيع العربى» إلى موضوع أكثر تعقيدا. إن هذه المبادرة المقترحة تتطلب تنازلات من الطرفين، بيد أنها تسمح بالمضى قدما فى العملية السياسية، ولا سيما فى هذه المرحلة من عدم الاستقرار السياسى التى يمر بها الشرق الأوسط. وهى تقدم جوابا على تطلع الفلسطينيين إلى الحصول على العضوية الكاملة فى الأممالمتحدة، وتساعد إسرائيل فى مواجهة الضغط والصعوبات الدبلوماسية التى تعرضت لها فى الفترة الأخيرة.