كان من العجيب قيام وزارة البترول بإعادة ضخ الغاز لإسرائيل خلال الأسبوع الماضى بدون التوصل لتعديل الأسعار رغم المفاوضات، التى تدور فى الكواليس بين وزارة البترول المصرية ووزارة البنية التحتية الاسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط «الوسيطة» وبنفس المنطق الذى كان سائدا قبل ثورة 25 يناير.. فإن الرأى العام لا يعرف شيئا عن هذه المفاوضات التى يكتنفها التعتيم. أين الشفافية؟ كان من المتصور قيام وزير البترول أو المتحدث الرسمى عن الوزارة بإلقاء الضوء عما يجرى عن سير المفاوضات ويوضح الآتى: الأسس التى تقوم عليها عملية التفاوض. الفريق الذى يقوم بعملية التفاوض. سقف الأسعار الذى يتم التفاوض على أساسه. العقود التى يتم التفاوض بشأنها. موقف وزارة البنية التحتية الإسرائيلية من جهة وموقف شركة غاز شرق المتوسط من جهة أخرى. فالرأى العام فى مصر شريك أساسى فى هذه العملية لأنه صاحب الموارد ومالكها الأصلى، وأما جهاز الدولة فهو من ينيب عن الجماهير فى صيانة وحماية مواردها ولكن للأسف فإن الأخبار المتواترة عن سير مفاوضات إعادة تسعير الغاز لإسرائيل.. لا تتوافر إلا من ناحية الصحافة أو المواقع الإلكترونية الإسرائيلية. ●●● إننا نخسر من بيع الغاز بسعر متدن لا يزيد على 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وقد قامت شركة غاز المتوسط بإصدار عدة بيانات فى الصحف المصرية تؤكد فيها أن السعر الذى تشترى به الغاز المصرى يصل إلى 3.5 دولار للمليون وحدة حرارية.. ونرد عليها بأنه يوجد عدة عقود لتصدير الغاز لإسرائيل.. (أربعة على الأقل). لا نعرف عنها أى تفاصيل، وكل عقد له سعر مختلف.. وقد طالبنا مرارا بصورة هذه العقود وطرحها للرأى العام، بل لقد طلبت من وزير البترول المهندس عبدالله غراب فى لقاء معه أن يطرحها للرأى العام ولكنه أغفل وغفل ولم يستجب استمرارا لسياسة أسلافه من الوزراء. وفيما يظهر فإن اسرائيل ترفض تعديل العقد الأول وهو العقد الأكبر من ناحية الكمية والأطول من ناحية المدة (15/20 عاما)، والأضعف من ناحية مصر لإنه لا ينص على إعادة التسعير من فترة لأخرى، وهو العقد الذى كان محل الدعوةو التى رفعت أمام مجلس الدولة. فأين هذا العقد السرى؟ تكمن العقدة فى أن وزارة البترول المصرية تغفل وجود عقود أخرى وتخلط أوراق العقود ببعضها البعض. إن إعادة التفاوض على الأسعار أصبحت ضرورة قومية ومطلب لكل فئات الشعب.. لماذا؟ لأن الحقائق التى تكشفت بعد ثورة 25 يناير بالنسبة لعملية تصدير الغاز تقول: عدم كفاية الغاز لتلبية احتياجات المحلية وبالذات لتشغيل محطات الكهرباء حيث نقص إمداد الغاز إلى أضعف مستوى وتم تبديل الغاز بالمازوت فى عملية جهنمية أثناء الوزير الأسبق سامح فهمى، بحيث تصدر مصر لإسرائيل ودول أخرى الغاز بسعر الوحدة فى أحسن الأحوال 3.5 دولار ويتم استيراد المازوت لمحطات الكهرباء لنفس الوحدة بسعر 13 دولارا! أى أن المواطن المصرى يقدم دعم للمواطن الإسرائيلى وللأسبانى ولغيرهم. المازوت وقود سيئ يسبب انسداد فى خطوط الوقود لمحطات الكهرباء مما يؤدى لتعطيلها. (انظر جريدة الشروق 19 /5 /2011). إن حكم محكمة الإدارية العليا أوضح بجلاء عدم التصدير لإسرائيل وغيرها الا بعد الاكتفاء بتلبية الاحتياجات المحلية، وهو ما لم يحدث حتى الآن، (علمت أن عدم تنفيذ وزير البترول للحكم سيجعل المدعيين يرفعون دعوى حبس وعزل للوزير عن ذلك). ●●● وكان لافتا للنظر أن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو أرسل إلى القاهرة وفدا برئاسة مستشاره السياسى «يتسحاق مولخو» (مايو 2011) يطالب بعدم تغيير أسعار الغاز المصرى مع عوده التصدير المتوقف.. والغريب ربط الوفد الإسرائيلى تصدير الغاز بحزمة من المطالب السياسية الأخرى (!) المؤسف والموجع أن شركة كهرباء اسرائيل أعلنت مؤخرا عن قيامها بشراء شحنات فورية عاجلة من شركة «يام ثيتيز» فى تل أبيب لكميات من الغاز المكتشف فى المنطقة المشاطئة لعسقلان، وكان سعر الشراء فى مايو 2011 هو 8 دولارات لمليون وحدة حرارية! يعنى إسرائيل تشترى من شركات داخلية عندها بما يزيد على 7 دولارات للغاز المشترى من مصر (!) كثرت علامات الاستعجاب وزادت الأسئلة عن حقيقة المفاوضات التى تتم فى الكواليس. فأين الشفافية؟ فى حقبة ما بعد ثورة 25 يناير لابد أن نشعر بأن قطار الثورة قد وصل إلى قطاع البترول لينطلق إلى محطة الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد.