لست مع توصيف إعلان حزب الحرية والعدالة عزمه المنافسة على نصف مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات البرلمانية المقبلة على أنه مفاجئة كبرى أو مصدر خطر عظيم على مصر وتجربتها الديمقراطية الوليدة. فجماعة الإخوان تبدو من جهة موقنة بأنها القوة السياسية الأفضل تنظيما وحضورا جماهيريا فى اللحظة الراهنة. الجماعة تدرك من جهة أخرى الأهمية القصوى لمجلس الشعب القادم الذى سيضطلع (مع الأعضاء المنتخبين بمجلس الشورى) بانتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الجديد وبسن تشريعات وقوانين ستصنع مستقبل مصر السياسى والاقتصادى. تمثيل القوى السياسية المختلفة بمجلس الشعب وأوزانها الفعلية سيترجمان أيضا إلى حضور فى أو غياب عن دوائر السلطة التنفيذية من رئاسة الوزراء والوزارات إلى المحافظين والمواقع القيادية الأخرى. لكل هذه الأسباب من الطبيعى أن يسعى الإخوان إلى المنافسة على مقاعد وفيرة فى المجلس المقبل، ولا يحق للرأى العام أن يتهمهم بتهديد الديمقراطية الوليدة لرغبتهم، وهى مشروعة، فى الحضور والتأثير القوى. إلا أن الجماعة وحزبها عليهما، وبعد أن حددا العنوان الاستراتيجى العريض للانتخابات البرلمانية وبجانب تحدى الالتزام الفعلى بمدنية السياسة والانتخابات فى مصر، التفكير بروية واتزان فى التساؤلات التالية: 1 كيف يمكن الفصل تنظيميا بين الجماعة كهئية دعوية تمارس العمل الاجتماعى وبين الحزب ككيان سياسى مدنى؟ والأمر لا يتعلق هنا فقط باستقالة رئيس حزب الحرية والعدالة ونائبه والأمين العام من مناصبهم فى مكتب الإرشاد، بل بمدى الاستقلالية الفعلية لعمليات إتخاذ القرار داخل الحزب عن الجماعة ومستوياتها القيادية (مجلس الشورى ومكتب الإرشاد والمرشد العام) ومدى التزام الحزب بإجراءات الديمقراطية والشفافية ومشاركة الأعضاء فى هذا الصدد. والحقيقة أن اختيار رئيس الحرية والعدالة ونائبه والأمين العام من قبل مجلس شورى الجماعة ودون اعتبار لتفضيلات أعضاء الحزب (من المنضمين بالفعل) من خلال آلية انتخابية ما، لهو بداية محبطة. 2 هل حزب الحرية والعدالة مستعد سياسيا وبرنامجيا للمسئوليات التشريعية والتنفيذية المرتبطة بفوز محتمل بنصف مقاعد مجلس الشعب؟ لا بد لحزب يجعل من نصف المجلس عنوانا لمنافسته فى الانتخابات أن يملك من وضوح الرؤية السياسية وتفصيلية برنامج السياسات العامة ما يكفى لمباشرة العمل التشريعى، وربما التنفيذى، فور انتهاء الانتخابات وفق أولويات محددة وجدول زمنى دقيق. ويزيد من صعوبة هذه المهمة فى ظروف مصر الراهنة كوننا نمر بمرحلة انتقال سياسى واقتصادى صعبة ذات تحديات عظيمة. والحقيقة أن مطالعة برنامج حزب الحرية والعدالة، وبه الكثير من البرامج الانتخابية السابقة للجماعة، لا تؤشر على أن الجماعة والحزب قد بلغا بعد هذه المنزلة من الوضوح والتفصيلية. بل يشعر المرء بقلق من احتمالية أن يتكرر فى مصر بعد الانتخابات سيناريو حركة حماس فى فلسطين حين فازت بأغلبية فى انتخابات 2006 التشريعية ولم تكن على الإطلاق جاهزة للمسئوليات التشريعية والتنفيذية المرتبطة بذلك الفوز الكبير. 3 كيف تنظر الجماعة وحزبها إلى العلاقة مع القوى السياسية والحزبية الأخرى وهل، وبعد الإعلان عن الترشح لنصف مقاعد المجلس، من مضامين حقيقية لتشديد الجماعة (مؤخرا على لسان المهندس خيرت الشاطر) على ضرورة التعاون مع الآخرين؟ من يريد الفوز بنصف مقاعد المجلس، يصعب عليه فى ذات الوقت الدعوة إلى قائمة وطنية موحدة للمشاركة فى الانتخابات وعليه ربما أن يترك ذلك لمطالبة أضيق نطاقا بشىء من التنسيق الانتخابى. من يريد الفوز بنصف المقاعد ومازال يتمسك بشعار المشاركة لا المغالبة، عليه أن يقنع الرأى العام بجدية انتفاء رغبته فى الاستئثار بمفرده بالحياة السياسية خاصة بعد أن تواترت تصريحات مغايرة لبعض القيادات الإخوانية خلال الآونة الأخيرة.