بات الشعب والنظام فى مصر على مفترق طرق مصيرى: طريق أولى تُفضى إلى استمرار النظام بصيغة معدّلة، لكنها لا تنتج إلاّ المزيد من الشىء نفسه. طريق ثانية تُفضى إلى اضطرابات أمنية وصراعات أهلية تُراق فيها دماء وتُزهق أرواح وتُدمر ممتلكات ومؤسسات ومشروعات واعدة. طريق ثالثة تُفضى، مع ترسيخ الديمقراطية نهجا ومؤسسات، إلى الاحتفاظ بأفضل ما فى تجارب الماضى والإفادة من إنجازات الحاضر وتحقيق طموحات المستقبل. لعل الطريق الثالثة هى الأكثر جدوى والأقل تكلفة. إنها مضمون التسوية التاريخية التى يفرضها المنطق السليم القائل إن الظرف الاستثنائى يتطلب تدبيرا استثنائيا. والحال إن مصر تعيش اليوم ظرفا استثنائيا بامتياز. فهى تعانى من نظام سلطوى مغلق على نفسه، معزول. فى المقابل، تزهو مصر بقوى شبابية واعدة استطاعت، بذكاء وشجاعة، تفجير ثورة شعبية أصبحت، بحق، مفاجأة أرض الكنانة لنفسها ولدنياها العربية وعالمها الإسلامى والعالم الأوسع. غير أن ثورة الشعب غير المسبوقة وصلت إلى مأزق ينطوى على احتمالين خطيرين: الأول، أن تتحول الحشود المليونية مسيرات شعبية هائلة تجوب شوارع القاهرة والمدن الكبرى، وتخرج عن السيطرة ولا تتوقف، لا سمح الله، قبل أن تكون قد أحرقت القاهرة للمرة الثانية فى تاريخها المعاصر. الثانى، ألا تتمكن تلك الحشود، لسبب أو لآخر، من إنتاج الفاعلية اللازمة لحمل الرئيس حسنى مبارك على الرحيل. فى هذه الحالة قد يستثمر أهل النظام الانتكاسة الحاصلة ليمددوا إقامتهم فى السلطة ويعيدوا الشعب إلى قفص الاستبداد. لتفادى الخسارة الأكيدة فى كلتا الحالتين المحتملتين، يقتضى المسارعة إلى اجتراح تسوية تاريخية تكفل تنحى رأس النظام بشكل لائق وخروجه إلى مكان آمن من جهة، ووضع الدولة المصرية على سكة التغيير والإصلاح والديمقراطية من جهة أخرى. مع العلم أن ثمة قاعدة راسخة فى تاريخ الثورات والإنقلابات مفادها أن الهيئة الثورية أو الانقلابية القائدة تنطوى فى تركيبتها، غالبا، على قليل من الماضى الأقل وكثير من الجديد القابل. فى الحالة الراهنة، ثمة لاعبان أساسيان فى ساحة الصراع قادران على التأثير والتغيير: الشعب والجيش. الشعب يتجسد فى المعارضة الشبابية والمعارضة السياسية. الجيش يتجسد فى قيادته وكبار ضباطه ويتمثل فى واجهة السلطة بنائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان. إذ يتأزم الوضع داخليا مع إمكانية تحوّل الحشود الشعبية مسيرات هائلة كاسحة، واحتمال محاصرتها وكبحها والتسبب تاليا بإحباط ثورة الشعب، وإذ يتأزم الوضع خارجيا بنزوع دول أمريكا وأوروبا إلى التدخل، بشكل أو بآخر، للمحافظة على النظام بطريق التضحية برئيسه بغية احتواء خلفه وقوى الشعب التى فجرت الثورة، يقتضى إزاء هذه التحديات والمخاطر اجتراح تسوية تاريخية بإرادة وطنية مصرية خالصة يتوافق عليها ممثلو الشعب والجيش فى إطار الخطوط العريضة الآتية: 1 تجتمع الهيئة القيادية للمعارضة الشبابية والمعارضة السياسية وتتدارس أسس التسوية التاريخية وتقرها، ثم يحملها وفد يمثل ألوان طيف المعارضة كلها إلى الجيش ممثلا بنائب الرئيس والقيادات ذات الصلة، فيتدارسها الطرفان ويتبادلان الرأى فى شأنها إلى أن يتوصلوا جميعا، بالسرعة الممكنة، إلى تحديد خطة الخروج من الأزمة المستفحلة وخطوات تنفيذها، ثم يصار إلى إعلانها وتعميمها بالوسائل المناسبة. 2 يتألف مشروع التسوية التاريخية من قسمين، الأول يتولى تظهيره وتنفيذه رئيس الجمهورية ونائب الرئيس، والثانى تتولى تنفيذه قوى المعارضة الشبابية والمعارضة السياسية. فى القسم الأول، يقوم رئيس الجمهورية ونائب الرئيس، كل فى حدود صلاحياته واختصاصاته، بتنفيذ الإجراءات الآتية: 1 يصدر رئيس الجمهورية السيد حسنى مبارك، سندا للمادة 139 من الدستور، قرارا يحدد فيه اختصاصات نائبه السيد عمر سليمان، على أن تقترن الاختصاصات بأوسع سلطة ممكنة فى حدود الدستور. 2 يقدم الرئيس حسنى مبارك استقالته إلى مجلس الشعب بموجب كتاب معلل يوجز فيه الظروف الاستثنائية التى تمر بها مصر، ويبرر قراره بأنه تضحية شخصية منه لتسهيل إخراجها من أزمتها الطاحنة، ويحث جميع القوى الوطنية والسياسية على الاتحاد والتعاون لتدعيم وحدة الوطن وضمان استقراره. 3 بالنظر إلى أحكام الضرورة الناجمة عن الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد، واستثناء من أحكام المادة 82 من الدستور، يتولى نائب الرئيس رئاسة الجمهورية مؤقتا ويطلب إلى الحكومة تقديم استقالتها، ثم يكلف رئيس المحكمة الدستورية العليا، أو شخصية أخرى من المعارضة، تأليف حكومة وطنية جامعة تمثل ألوان طيف المعارضة كلها للاضطلاع بمهام تأسيسية من شخصيات يكون جرى الاتفاق عليها فى الهيئة القيادية للمعارضة الشبابية والمعارضة السياسية وبالتوافق بين الهيئة المذكورة ورئيس الجمهورية المؤقت. 4 تتخذ الحكومة قراراتها بالتوافق وإلا بالأكثرية. كما تملأ ما يستجد من مراكز شاغرة فى تركيبتها بسبب الوفاة أو الاستقالة أو مخالفة الدستور بالاتفاق مع رئيس الجمهورية المؤقت. 5 تكون المهمة الرئيسة للحكومة أن تضع، خلال شهر واحد، قانونا ديمقراطيا للانتخابات يقضى بإجرائها، فى مهلة أقصاها شهر واحد من تاريخ إقرار القانون المذكور وإصداره. 6 يُصدر رئيس الجمهورية المؤقت، فور انتهاء الحكومة من صوغ قانون الانتخابات الجديدة وإقراره، قرارا يكون له قوة القانون بوضعه موضع التنفيذ سندا للمادة 147 من الدستور. 7 استثناء من أحكام المادة 74 والمادة 136 من الدستور، يقوم رئيس الجمهورية المؤقت، فور وضع قانون الانتخابات موضع التنفيذ، بحل مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجالس الشعبية المحلية سندا للمادة 136 معطوفة على المادة 74 من الدستور، وذلك تأسيسا على اعتبار ثورة الشعب فى 25/1/2011 بمثابة الاستفتاء المنصوص عليه فى المادة 74 من الدستور، ويدعو الناخبين إلى إجراء انتخابات جديدة خلال مهلة أقصاها ستون يوماً من تاريخ قرار حل مجلسى الشعب والشورى. 8 يقوم مجلس الشعب الجديد، بتشريع قانون الانتخابات بأثر رجعى سندا للمادة 147 من الدستور، ثم يجرى التعديلات اللازمة فى الدستور لتعزيز الديمقراطية، ولاسيما المواد 74، 75 ،76، 77، 78. 9 يجرى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، دونما إبطاء، وفق أحكام الدستور بعد تعديله. بذلك تنتهى الفترة الانتقالية خلال مدة أقصاها أربعة أشهر. 10 تضع الحكومة مشروعات القوانين اللازمة لمحاسبة المعتدين على أمن المواطنين وسلامتهم ولإزالة الأضرار اللاحقة بالأفراد وممتلكاتهم والتعويض عليهم جراء ما لحق بهم من أضرار خلال الفترة الممتدة من 25/1/2011 ولغاية تاريخ انتخابات مجلسى الشعب والشورى الجديدين، ويكون رئيس الجمهورية المؤقت ملزما بإصدار قرارات لها قوة القانون سندا للمادة 147 من الدستور بغية وضع مشروعات القوانين التى أقرتها الحكومة موضع التنفيذ على أن يصار إلى تشريع هذه القرارات بأثر رجعى من قبل مجلس الشعب الجديد. فى القسم الثانى، تتولى الهيئة القيادية للمعارضة الشبابية والمعارضة السياسية إعادة الأمور إلى نصابها من حيث إخراج المتظاهرين والمحتجين ومخالفى القانون من الميادين والساحات العامة والشوارع، والتعاون مع الحكومة فى تحديد أسماء المتضررين ومسح الأضرار، وإشاعة ثقافة حكم القانون والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان فى المجتمع. لأن ثورة مصر الشعبية حدث تاريخى يخص الأمة كلها، فقد عرضتُ هذه الأفكار والمقاربات كمساهمة عروبية ديمقراطية على كل من الدكتور سليم الحص (لبنان) والأستاذ محمد حسنين هيكل (مصر) والدكتور خير الدين حسيب (العراق) والدكتور يحيى الجمل (أحد أركان المعارضة المصرية) فأيدوا بعضها ووجدوا أن بعضها الآخر يتطلب مزيدا من المناقشة. حسناً، المناقشة مفتوحة.