تفاصيل اجتماع لجنة الخطة والموازنة لمناقشة مشروع موازنة البرامج 24/25    بلينكن: واشنطن لم توقف تزويد إسرائيل بالأسلحة الدقيقة    نزلي تردد قناة وناسة نايل سات ليستمتع البيبي دون عياط أو زن    عاجل: طريقة الحصول أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024 عبر الموقع الرسمي    «العزف مستمر».. باير ليفركوزن يكتسح بوخوم بخماسية في الدوري الألماني    أستاذ علوم سياسية: تحرك مصر الرسمي أمام محكمة العدل يُكذب دعاوى الاحتلال    زيارة زعيم الحشاشين .. السيسي يستقبل زعيم طائفة "البهرة" للمرة السادسة    هام لمن تلقى لقاح «أسترازينيكا».. إليك هذه النصائح | عاجل    7 معلومات عن أول تاكسي ذكي في العاصمة الإدارية الجديدة.. مزود بكاميرات وGPS    خيرات مستقبل مصر.. مشروعات عملاقة للاستصلاح الزراعي والتصنيع والإنتاج الحيواني    أقل سعر أضحية في مصر من «حياة كريمة» وأعلى جودة.. اعرف التفاصيل    بوتين يعين شويجو سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي    رئيس «البحوث الفلكية»: مصر بعيدة عن أي ضرر من العاصفة الشمسية    أول تعليق من "شعبة المصورين" على منع تصوير الجنازات في المساجد    توقعات: الانفصاليون الكتالونيون فى طريقهم للاحتفاظ بالأغلبية    محافظ الأقصر يفتتح محطة رفع صرف صحي القباحي الشرقي    فتح باب التقديم لهيئة تدريس جامعة طنطا لشغل مهام مديري وحدات ضمان الجودة ب 3 كليات    رئيس مدينة دمنهور: حياة كريمة مشروعات تتحقق على أرض الواقع    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل مخالفة يعمل بها منتحل صفة طبيب بمدينة نصر    أتلتيكو مدريد يحسم فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو بالدوري الإسباني    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    رئيس جامعة عين شمس يستقبل السفير البريطاني لبحث تعزيز التعاون المشترك    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    ملمس الضوء    جامعة حلوان تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام الدراسي    رئيس لجنة الانضباط: "لا صحة لتقديم اللجنة لاستقالتها.. وعقدنا اليوم جلسة في مقر اتحاد الكرة لمناقشة عدد من الملفات والقضايا    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    نتنياهو: سنكمل المعركة التي بدأناها ضد حماس حتى النهاية    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    محافظ أسوان: العامل المصرى يشهد رعاية مباشرة من الرئيس السيسى    مصرع طالب بالصف الخامس الابتدائي غرقا في مياه ترعة اسنا جنوب الأقصر    المشدد 10 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار في المخدرات بالقليوبية    برشلونة يفكر في إعادة نجمه السابق حال فشل ضم برناردو سيلفا    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    «سايبين الباب مفتوح».. إحالة جميع العاملين بمركز شباب طوسون بالإسكندرية للتحقيق (صور)    المشدد 5 سنوات ل 10 متهمين باستعراض القوة بالمعصرة    من فعل ثقافي إلى جولة ملاكمة!    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    كوثر محمود لأطقم التمريض في اليوم العالمي: مهما شكرناكم لا نوفى أبدا حقكم    موعد مباراة منتخب السويس وكهرباء الإسماعيلية والقناة الناقلة    برلماني: قانون تحويل المراكز الشبابية إلى تنمية شبابية يحتاج لإعادة النظر    نقيب الأشراف: مساجد آل البيت تشهد طفرة غير مسبوقة    إصابة طالبين فى مشاجرة بمدرسة داخل مدرسة الزراعة بمركز منيا القمح    الأحد المقبل.. إعلان تفاصيل الدورة الأولى لمهرجان دراما رمضان 2024    توقيع الكشف على 1492 حالة خلال قافلة طبية بالمنيا    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية للمحافظة    «الصحة» تنظم مؤتمرا علميا للتوعية بجهود الوزارة في تشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    شكري: توافق دولي حول عدم توسيع رقعة الأعمال العسكرية في رفح الفلسطينية    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    «الشيوخ» يعلن خلو مقعد النائب الراحل عبدالخالق عياد    صفقات الأهلي الجديدة.. حقيقة المفاوضات لضم أحمد حجازي (تفاصيل)    «بشنس يكنس الغيط كنس».. قصة شهر التقلبات الجوية وارتفاع الحرارة في مصر    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    اليوم.. «ثقافة الشوخ» تناقش إنشاء متحف تخليد «نابغات وعظيمات مصر»    جوتيريش يُعبر عن حزنه إزاء الخسائر فى الأرواح بسبب فيضانات أفغانستان    الرئيس السيسى يوجه بتعويض أصحاب المنازل المحيطة بمساجد آل البيت والصحابة    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بولندا العرب
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 01 - 2011

هل تصبح تونس بولندا العرب؟
الأمور الكبيرة تبدأ صغيرة. ففى بولندا، أدى طرد فالنتينوفيتش، العاملة فى بناء السفن، من عملها إلى إضرابات عن العمل، وإلى تشكيل حركة التضامن الشعبية، التى بدأت مسيرة تفكيك الإمبراطورية السوفييتية. وذات مرة، أخبرتنى فالنتينوفيتش التى توفيت فى تحطم طائرة العام الماضى أن كل ما كانوا يسعون إليه «دخل أفضل، تحسين ظروف العمل، ونقابة عمالية حرة، وعودتى إلى عملى».
وكان كل ما أراده محمد بوعزيزى وظيفة، وبعض سبل لكسب قوت يومه. بيد أنه وجد نفسه مثل العديد من الجامعيين التونسيين عاطلا، بينما تنعم طغمة الرئيس المخلوع الآن، بثروات البلاد، وتدلل نفسها مع الحيتان الكبار. وعندما أغلقت الشرطة كشك الخضار غير الرسمى الذى يمتلكه بوعزيزى فى وسط مدينة سيدى بوزيد، قتل نفسه. فأشعلت تضحيته بنفسه قبل شهر، انتفاضة عربية.
والآن، فر زين عابدين بن على ديكتاتور تونس طوال 23 عاما إلى منبع الحكم المطلق فى المنطقة، بفضل وسيلة تواصل اجتماعى جديدة، وسخط من الطراز القديم.
فقد هب المتظاهرون الذين يتواصلون عبر الفيس بوك، وأيقظهم ما نشره موقع ويكيليكس عن انغماس أسرة بن على فيما يشبه حياة الإمبراطور الرومانى كاليجولا، ليحطموا دولة أمن أقامها طاغية عربى آخر.
ويعتبر خلع حاكم عربى عبر ثورة شعبية أمرا جديدا، سبب بالفعل تداعيات من عمان إلى القاهرة، ومن الخليج إلى طرابلس الغرب، وسوف يتسبب فى المزيد، أما خلع حاكم عبر غزو أمريكى (كما حدث فى العراق) فلم يكن لينجح، حيث لن يصبح أبدا مصدر فخر عربى، بينما يمكن أن تنجح انتفاضة من الداخل.
وقد طال انتظار هذا الحدث الدال، الذى لم تتضح نتائجه بعد. حيث فقدت الأنظمة العربية والعديد منها حليف للولايات المتحدة الاتصال مع شباب بلدانها. كما أثبتت أنظمتهم الفاسدة، والمتحجرة، والقمعية، وما فيها من محسوبية، عدم إدراكها للصحوة التى أثارتها الفضائيات التليفزيونية، وصفحات الفيس بوك، وتويتر، ولقطات الفيديو والمدونات على الشبكة العنكبوتية.
ولم تبد هذه الأنظمة مهارة إلا فى إثارة السخرية من «الانتخابات» التى تجريها دوريا، ورعاية صعود التشدد الإسلامى بين السكان الذين لا يجدون ملاذا لهم إلا فى الدين. وتسببت فى إصابة بلدانها بالشلل مقابل الحفاظ على «استقرارها»؛ معتمدة على استعدادها لبث الرعب والتعذيب. وأصبح هؤلاء العرب المتشبثون بالمنصب، المحتضرون كتماثيل الشمع فى متحف مدام توسو، فى سبيلهم للتغيير، كأنظمة قديمة فى عام 2011.
وكانت مسئولية الولايات المتحدة عن هذا الفشل العربى كبيرة. فقد فضلت أمريكا المستبد المستقر مقابل الخطر الإسلامى على الديمقراطية (على الرغم من حقيقة أن العلاج الوحيد لوهم الإسلاموية السياسية الجذاب هو مسئولية الحكومة). ومن الضرورى الآن أن تساند إدارة أوباما والاتحاد الأوروبى القوى الديمقراطية التونسية.
وعلى الرغم من أنه ليس واضحا حتى الآن ما هى هذه القوى فى حركة المد التونسى، فإن أوباما أظهر بداية طيبة أفضل كثيرا من استجابته البطيئة للانتفاضة الإيرانية عام 2009، وأفضل كثيرا من التردد الفرنسى عندما أثنى على نضال التونسيين «الشجاع والدائب» من أجل الحصول على حقوقهم.
وعلى أمريكا وحلفائها، خاصة فرنسا، بذل قصارى الجهد لضمان ألا تؤول هذه الشجاعة إلى استبداد مكرر جديد. وينبغى رفض أى حل أقل من إجراء انتخابات حرة نزيهة تنظمها حكومة وحدة وطنية. وأهم ما يحتاجه العالم العربى هو حكم يتميز بالمساءلة، والشفافية، والحداثة، من النوع الذى يشجع المسئولية الشخصية.
وفى الشهر الماضى، كتبت عقب زيارة لبيروت عمودا أطلقت فيه تعبير «العقل العربى الأسير» على التكلفة النفسية للقمع فى المنطقة: عادة إلقاء المسئولية على الآخرين، وتصور المؤامرة فى كل مكان، والخوف الذى يشل القدرة على التفكير أو العمل. ولعل تونس تكون الفصل الأول فى تحرير العقل العربى.
وسوف يتطلب ذلك من الغرب التخلى عن التفكير المريض. فإما أن تكون ديمقراطيا أولا. وإجراء انتخابات حرة فى تونس يتطلب رفع الحظر عن الأحزاب الإسلامية.
ويتطلب التعامل مع الشرق الأوسط الاعتراف بأن استسهال إطلاق التسميات الإرهابية على حركات واسعة مثل حزب الله هزيمة للذات، وهو أمر غير ملائم. فقد كان من المستحيل تحقيق السلام فى أيرلندا الشمالية، إذا كانت علاقات الشين فين بالمقاومة المسلحة مثلت حاجزا يمنع التفاوض معها.
وقد أثبتت المعايير الغربية المزدوجة لمصلحة الاستقرار العربى أنها تؤدى إلى التشدد. وعلى الغرب أن يقابل الشجاعة التونسية ببعض الشجاعة الغربية؛ فتثبيت الأسر الحاكمة على عروشها ليس الرد على الاضطراب العربى.
كما أن الديمقراطية ليست طريقا أحادى الاتجاه. وإنما تسير فى اتجاهين، وليس انتزاعا نهائيا للسلطة. وقد خان الإسلام السياسى فى طهران رايته للتحرر، عندما استبدل بقمع علمانى فى عهد الشاه قمعا ثيوقراطيا. وأثبتت إيران أنها أكثر فاعلية من جيرانها العرب، لأن الجمهورية الإسلامية شعرت أحيانا بالتزامها العمل وفق وصف «الجمهورية» فى اسمها، وإن كان ذلك فى ظل قائد أعلى غير منتخب. ويجب أن تلتزم الأحزاب الإسلامية بالديمقراطية، ولا تستغلها من أجل تحقيق غايات استبدادية.
لقد مرت تسع سنوات بين طرد فالنتينوفيتش وسقوط حائط برلين؛ وانتحار بوعزيزى يؤكد أن العمر الافتراضى للمستبدين العرب يمكن ألا يزيد على ذلك. فتونس الصغيرة صارت دعوة واضحة لصحوة إقليمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.