لم تعد الولاياتالمتحدة تهتم بأوروبا فى حد ذاتها. وهو أمر ليس سيئًا. فهو يعكس حقيقة أن أوروبا سالمة، وحرة، وتعيش فى سلام. غير أن انحراف الاهتمام الأمريكى يثير دائما درجة من درجات عدم الارتياح، مثلما كان واضحا فى اجتماع مجلس الولاياتالمتحدة وإيطاليا فى فينيسيا. والسؤال الذى يطرح نفسه: هل يمكن إيجاد هدف أو مؤسسة جديدة يمكن الالتفاف حولهما عبر الأطلنطى؟ أشك فى ذلك. فالدرس المستفاد من فينيسيا أن التاريخ يمضى قدما. وقد كانت القرارات الكبرى التى تؤثر على أراض مترامية الأطراف تتخذ حيث يحملق الخاملون الآن فى واجهات المبانى الوردية، ويسرحون فى الأحجار المصقولة قبل قرون. فالحياة الحلوة جاءت بعد عصر الدوقات، وبعد فن الحكم، جاء طراز فلوبير «نزف من جرح عميق». والعلاقات عبر الأطلنطى جيدة فى أيدى إدارة أوباما التى تخلصت من أسلوب بوش فى الصراع. فهى غير ثابتة فى مكانها، وإنما تقوم بعملها. فعندما تهتم الولاياتالمتحدة بأوروبا الآن، تهتم بما يمكن أن تفعلانه معًا فى بقية العالم. وهذا تفكير مقبول فى الأولويات. حيث يتعين تخصيص الأموال. وقد أدى سوء التخصيص إلى حربين فى وقت واحد، فى أفغانستان والعراق، وانهارت الأوضاع المالية فى الداخل. وتتطلع أمريكا الآن إلى القوى الصاعدة، وإلى حربيها اللتين بسبيلهما للانتهاء، والأماكن التى تؤثر على الأمن القومى مثل الأراضى البروسية فى السابق. أما أوروبا فهى تمر بمرحلة حرجة، وتكاملها على المحك. وعادة، لا تواصل عجلة أوروبا الدوران ما لم يكن هناك تحرك إلى الأمام. ولا يوجد مثل هذ التحرك الآن. وفى الشهر الماضى، قال المستشار الألمانى السابق هلموت كول شيئا مذهلا. فعندما كان يتحدث فى الأكاديمية الأمريكية ببرلين، قال: «مستقبل ألمانيا مع جيرانها، شركاءنا فى الاتحاد الأوروبى. سوف نقف إلى جانب الشعب اليونانى. وهذا هو الأمر الأهم». وكان ذلك مذهلا لأننا لا نسمع المستشارة أنجيلا ميركل تتحدث كثيرا عن القيادة الأوروبية لألمانيا. فهى تتلمس اتجاه الريح. وتقول الريح لها إن الألمان ضجروا من استغلال اليونان لهم. وتفضل أغلبية واضحة من الألمان أن يتلقى اليونانيون الجزاء العادل على إسرافهم بدلا من مساعدتهم. فقد صارت أوروبا عقبة لألمانيا بعدما كانت سندًا لها. وتقول ميركل ذلك متجهمة. ●●● فإذا جمعنا بين التركيز الألمانى على الذات، ورئيس أمريكى شكلته جاذبية المحيط الهادى أكثر من الدراما الأوروبية، سنجد أنفسنا أمام علاقة عبر الأطلنطى فقدت جوهرها العاطفى. غير أنه مازال هناك ما يمكن عمله. فربما تستطيع أوروبا مساعدة أمريكا على اتخاذ القرار الصحيح فى أفغانستان ويمكن لأمريكا أن ترد المعروف فى شمال أفريقيا. ومن المتوقع أن يبدأ قريبا تخفيض عدد القوات فى أفغانستان. والسؤال هو: بأى عدد؟ ويؤيد وزير الدفاع المنتهية ولايته روبرت جيتس، عملية حذرة تبقى على الحد الأقصى من القدرة القتالية، باعتبار ذلك أمرا مسلما به. فى حين يفضل آخرون فى الإدارة الأمريكية خروجا بسرعة أكبر. ويؤيد الأوروبيون الخروج السريع من أفغانستان. وهم محقون فى ذلك؛ فقد قتل أسامة بن لادن، وليس من الممكن بأى صورة تقليدية كسب حرب طاحنة دامت عشر سنوات، وربما لم يعد فى أفغانستان أكثر من مائة عنصر نشط من عناصر القاعدة. وقد حان الوقت للتحول من نهج مكافحة التمرد إلى مكافحة الإرهاب الذى يعكس محدودية الموارد والحاجة إلى إعداد خطة للخروج بناء على محادثات مع طالبان. ولابد من سحب أعداد كبيرة من القوات بشكل يلفت انتباه الرئيس الأفغانى حامد قرضاى، وإلا لن يكون هناك ما يدفعه لإعداد قواته العسكرية والأمنية من أجل يوم الخروج النهائى. كما يجب إقناعه بالحاجة إلى إبرام اتفاقية دفاع مع القوى الغربية. وكما كتب مالكولم ريفكيند وزير الدفاع البريطانى السابق: «يجب السماح لقوات الناتو باستخدام القوات الجوية والقوات الخاصة، لتكون قادرة بعد 2015 على مهاجمة أى قاعدة إرهابية جديدة أو نشاط إرهابى فى أى جزء من البلاد لا تسيطر عليه كابول». ويمكن للولايات المتحدة، بدورها، أن تساعد أوروبا فى ضمان ظهور مجتمعات هادئة حول حوض البحر المتوسط. ومن الواضح أن لأوروبا مصلحة هائلة فى الربيع العربى. فقد غذى الاستبداد السياسى والفشل الاقتصادى فى شمال أفريقيا الاضطراب، والتطرف، وتيار الهجرة إلى الشمال. ومع ذلك كانت الاستجابة الأوروبية مترددة. ●●● وهناك ثلاث أولويات؛ إنهاء الحرب فى ليبيا فى وقت قصير مع رحيل معمر القذافى؛ كما أن ضمان التغيير الديمقراطى يساوى تحقيق مكاسب للمجتمعات الصغيرة: فعلى أوروبا أن تساعد فى إنشاء بنك استثمار إقليمى مماثل للبنك الذى ساعد فى الوفاء بتعهد الربيع السابق فى 1989. ولنتذكر ملصق الربيع العربى الضخم «إنها مصر، يا غبى». فمصر هى المحور. وأزعم أن مصر الآن أكثر أهمية من افغانستان بالنسبة لأمريكا. وسيكون نجاحها فى تحقيق تحول ديمقراطى أفضل علاج لإحباطات العالم العربى التى أدت إلى 9/11. ويعتبر نجاح مصر فى الخروج من الاستبداد أمرًا حساًسا وحاسمًا مماثلا لتوحيد ألمانيا فى الغرب قبل عشرين عامًا. ويذكرنا الربيع العربى بما لايزال يربط بين الولاياتالمتحدة وأوروبا: قيم الكرامة الإنسانية والحربة. وستكون العلاقة بين ضفتى الأطلنطى وعاء فارغًا، ما لم تستخدم عندما يشير توق الشعوب الأقل حظا إلى أقوى ما يربط بيننا.