أصبح واضحا لكل ذى عينين أن الهوة بين السياسة الخارجية لجورج بوش وباراك أوباما تضيق منذ تولى الرئيس الحالى مهام منصبه. لكن الأسبوع الماضى شهد اعترافا رسميا بهذه الحقيقة: عندما يكتب تاريخ أمريكا بعد حروب الحادى عشر من سبتمبر، فسوف يلزم المؤرخون بتقييم الإدارتين جنبا إلى جنب، وإطلاق حكمهما على حقبة بوش أوباما. ويقدم لنا موت أسامة بن لادن، من خلال حملة تمثل تطبيقا عمليا لقول بوش المأثور «حيا أو ميتا»، الدليل الملموس على هذه الاستمرارية. لكن الدليل الأكثر أهمية على الالتقاء بين السياسة الخارجية لبوش وأوباما يوجد فى مكان آخر، فى تطورات الأسبوع الماضى التى لم تتصدر عناوين الصحف، لأنها بدت روتينية، غير لافتة للنظر. تتمثل أحد تلك التطورات فى الحملة المستمرة التى يقوم بها الناتو فى ليبيا، والتى مازالت تدعى أنها تقتصر على الأهداف الإنسانية وأنها ملتزمة بقرار الأممالمتحدة. أما الحدث الآخر، فيتعلق بقصف مناطق القبائل الباكستانية بطائرات بريداتور، مما أدى إلى مصرع مجموعة من المسلحين، فى الوقت الذى كان فيه اهتمام العالم منصبا على الساعات الأخيرة فى حياة بن لادن. وثالث تلك الأحداث كان إطلاق صاروخ أمريكى حاول لكنه أخطأ هدفه قتل أنور العولقى، رجل الدين المولود فى أمريكا الذى برز بصفته المسئول الأساسى عن تجنيد مقاتلين لفرع تنظيم القاعدة فى اليمن. تخيل للحظة أن هذه التطورات تمثل تطبيقا لسياسات جورج بوش. ذلك أننا نشهد حماسا لتغيير النظام فى ليبيا حتى بدون طلب موافقة شكلية من الكونجرس. كما نقوم بحملة قصف جوى تجرى بنظام التحكم عن بعد من المحتم أن تؤدى إلى وقوع خسائر جانبية، فى بلد لسنا فى حرب معلنة معها. ونتبنى سياسة الاغتيالات التى تستهدف مواطنا أمريكيا لم يتهم أو يحاكم بواسطة محكمة أمريكية. تخيل الغضب والاحتجاج، ومقالات الرأى المستاءة، حول استبداد اليمين وهيمنة المحافظين الجدد. تخيل كل ذلك، ثم انظر إلى الحقيقة. بالنسبة لمعظم الديمقراطيين، ما كان يعتبر بمثابة زحف الفاشية فى ظل إدارة بوش أصبح نوعا من الفطرة السلمية فى ظل إدارة أوباما. وهذه أخبار جيدة بالنسبة لبلد يعيش هذا التحول. فقد أدى وجود ديمقراطى فى البيت الأبيض إلى إجبار الديمقراطيين على السير على خطى إدارة بوش، وتقدير المعضلات التى واجهتها، والقرارات التى اتخذتها هذه الإدارة. وإلى حد ما، يمثل الالتقاء بين بوش وأوباما علامة على نضج الحزب الديمقراطى، وتخليه عن أوهام كان مغرما بها، وقبوله المشاركة فى المسئولية عن مواجهة أوضاع الفوضى فى فترة ما بعد 11 سبتمبر. وعلى سبيل المثال، يعتبر قيام أوباما بإبطاء وتيرة الانسحاب الأمريكى من العراق من الأمور الجيدة. كما أن عدم معاقبة القاعدة الحزبية له على ذلك يعبر عن نضج سياسى. ولعله من الأمور الجيدة أن البيت الأبيض لم يحِل جميع سجناء جوانتانامو إلى محكمة مدنية (أو يعيدهم إلى بلادهم من دون محاكمة). ولعله أمرا حسنا جدا أن العديد من الديمقراطيين يبدون مستعدين لتفضيل خيار تنفيذ حكم العدالة باليد على خيار تحقيق العدالة عبر الإجراءات القانونية، عندما يلزم الأمر ذلك كما حدث فى أبوت أباد الأسبوع الماضى. لكن هذا التحول تكتنفه مخاطر. فالآن، بعدما أدرك الديمقراطيون أنه يجب عليهم التوقف عن القلق، وتبنى المنظور الإمبراطورى للرئاسة، مازالت الولاياتالمتحدة تفتقر إلى الرقابة المؤسسية على النزوع نحو الغطرسة والتجاوز من جانب التنفيذيين خلال وقت الحرب. وكان الاصطفاف السريع وراء الحرب الليبية التى تمثل فى أفضل الأحوال مقامرة، وفى أسوأها حماقة من جانب من كانوا يعتبرون يوما ما من الحمائم، محبطا وذا دلالة. كما أن عدم ظهور احتجاجات قوية على رغبة البيت الأبيض فى قتل مواطنين أمريكيين من دون محاكمة يجب أن يكون مقلقا بالدرجة نفسها. وكما اكتشف باراك أوباما، تتطلب صراعات النهايات المفتوحة والحدود الغائبة نوعا من الارتكان إلى قبول المناطق الرمادية فى الأخلاق. لكنها تتطلب حذرا أيضا، وقلقا من إطلاق يد المنفذين فى إدارة الحرب الأبدية. وخلال فترة بوش، كان هذا الحذر يأتى من أحد الحزبين الكبيرين فى الولاياتالمتحدة بالرغم من أنه كان يجرى التعبير عنه غالبا بطريقة ساخرة ومغالى فيها. لكنه فى فترة أوباما، أصبح هذا القلق مقصورا على أقصى اليسار واليمين الليبرالى. ويحتاج الحذر إلى أن يكون محسوبا وأخلاقيا فى الوقت نفسه. وقد يكون أخطر جوانب الاستمرارية بين بوش وأوباما هو عدم استعداد أى منهما لمصارحة شعبه بتكلفة نهج السياسة الخارجية هذا، وإلى أى حد يتناسب مع التزاماتنا المالية الأوسع نطاقا. وبدلا من ذلك، تراجعت الحكومة الكبيرة المحافظة لتحل محلها الحكومة الكبيرة الليبرالية، ومازال وقع أقدام أمريكا فيما وراء البحار يمتد إلى مناطق جديدة، ولا أحد يريد أن يبين للشعب إن الحرب العالمية ضد الإرهاب ليست من دون ثمن. ولن يتمتع الرئيس القادم بهذا الترف. ذلك أنه بشكل أو آخر، من المرجح استمرار الحرب على الإرهاب لفترة طويلة، بعدما تتحول عظام بن لادن إلى شعب مرجانية. لكننا سوف ندرك أن فترة بوش أوباما قد انتهت عندما يقدم لنا أحد الفاتورة.