«السياحة» تشارك في رعاية الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي 2025    رئيس مدينة مرسى مطروح: يقوم بجولة تفقدية للمرور علي محطات الوقود والمواقف ميدانيًا    اسعار الحديد فى أسيوط السبت 18102025    أسعار اللحوم فى أسيوط السبت 18102025    الجيش الإسرائيلي يعلن تسليم حماس جثة الرهينة للصليب الأحمر    ستارمر: بريطانيا ماضية في تعزيز دعمها لأوكرانيا لضمان أقوى موقف لكييف    سفارة روسيا في بودابست: مستعدون للتعاون مع المجر لتنسيق لقاء بوتين وترامب    الأمير البريطاني آندرو يتخلى عن لقب دوق يورك    اعتراض لاعبي الدوري الإسباني على قرار إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي    مباراة ال6 أهداف.. التعادل يحسم مواجهة باريس سان جيرمان وستراسبورج    رئيس الاتحاد يشيد بأداء فرق السلة بعد تحقيق العلامة الكاملة في الدوري المرتبط    وفاة طفل إثر إعتداء كلب ضال عليه في البحيرة    تفاصيل ضبط طرفي مشاجرة داخل مقر أحد الأحزاب بالجيزة    تعرف على حالة الطقس في أسيوط السبت 18102025    اندلاع حريق هائل في محل أحذية شهير بالمنيا    مكتبة الإسكندرية القديمة.. ذاكرة الإنسانية بين التنوير والإقصاء    ثقافة الفيوم تناقش الأمن السيبراني والتحديات الرقمية في لقاء توعوي.. صور    د. غادة عبد الرحيم تكتب: المراهق القاتل.. ما الذي يحدث في عقول أبنائنا بين العنف الرقمي والواقع ؟    أحمد زعيم يخطف الأنظار ب "مابكدبش".. عمل غنائي راقٍ يثبت نضجه الفني    مواقيت الصلاه اليوم السبت 18اكتوبر 2025فى المنيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط السبت 19102025    إمام عاشور يذبح عجلاً قبل العودة لتدريبات الأهلى.. ويعلق :"هذا من فضل ربى"    تعرف على طاقم حكام مباريات الأحد فى الدورى الممتاز    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب لزيلينسكى: لا أريد التصعيد مع روسيا.. الجنائية الدولية ترفض طلب إسرائيل بتجميد مذكرة اعتقال نتنياهو.. بلومبرج: خطط تركية لنشر مدرعات وصواريخ شمال سوريا    الجيش الإسرائيلى يعلن تصفية عنصر من حزب الله في غارة جنوب لبنان    محمد صلاح يتألق فى تدريبات ليفربول استعدادا لمانشستر يونايتد    قناة عبرية: ضباط أمريكيون سيقيمون مركز قيادة في غلاف غزة لقيادة قوات دولية    قرار هام بشأن المتهم بقتل طفلته وتعذيب شقيقها بأطفيح    اليوم.. محاكمة 7 متهمين في قضية «داعش التجمع»    المحكمة الدستورية تشارك في أعمال الندوة الإقليمية بالمملكة الأردنية الهاشمية    إصابة فتاة اختل توازنها وسقطت من الطابق الثالث أثناء نشر الغسيل في العمرانية    زيادة تصل إلى 17 جنيها، تعريفة الركوب الجديدة لخطوط النقل الداخلية والخارجية ب 6 أكتوبر    صندوق النقد الدولي: تمديد برنامج مصر ليس ضروريًا    رئيس البنك الدولى: إعادة إعمار غزة أولوية وننسق مع شركاء المنطقة    رياضة ½ الليل| مصر تتأهل للأولاد.. يد الأهلي تكتسح.. الغيابات تضرب الزمالك.. وزعزع أفضل لاعب    مدحت صالح يشعل ثاني ليالي مهرجان الموسيقى العربية بأمسية طربية ساحرة    حمزة نمرة لبرنامج معكم: الفن بالنسبة لي تعبير عن إحساسي    مارسيل خليفة: لا أدرى إلى أين سيقودنى ولعى بلعبة الموسيقى والكلمات.. لدى إيمان كامل بالذوق العام والموسيقى فعل تلقائى لا يقبل الخداع والتدليس.. محمود درويش حى يتحدى الموت وصوته يوحى لى متحدثا من العالم الآخر    أنغام تتألق بفستان أسود مطرز فى حفل قطر.. صور    حكام مباريات الأحد في الدوري المصري الممتاز    20 لاعبا فى قائمة الإسماعيلى لمواجهة حرس الحدود بالدورى    أخبار 24 ساعة.. وزارة التضامن تطلق المرحلة الرابعة من تدريبات برنامج مودة    نائب وزير الصحة تناقش "صحة المرأة والولادة" في المؤتمر الدولي ال39 بجامعة الإسكندرية (صور)    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    توفير وظائف للشباب وذوي الهمم .. حصاد «العمل» في إسبوع    مصطفى بكري عن سد النهضة: مصر لن تسمح بأي تهديد لمصالحها الوطنية    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    انتخابات مجلس النواب 2025.. خطوات الاستعلام عن اللجنة الانتخابية ورقم الناخب    طريقة طاجن السبانخ باللحمة.. أكلة مصرية بطعم الدفا مع اقتراب أجواء الشتاء (المكونات بالتفصيل)    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    «الطفولة والأمومة» ينعي ضحايا حادث أسيوط ويؤكد متابعة الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن العصا
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 12 - 2011

ضرب عشوائى لا يعرف حدودا ولا قيودا، ذلك الذى رأيناه ينهال على أجساد المتظاهرين فى الفترة الأخيرة، بواسطة عصى أكسبها بعض الجنود عنفا غير مبرر، ربما استوحوا منطقهم من تصريحات سابقة لمصدر عسكرى اسرائيلى قال فيها إن الضرب أكثر فاعلية من الاعتقال، فالمعتقلون الفلسطينيون يتم إطلاق سراحهم خلال 18 يوما فيواصلون رمى الجنود بالحجارة، ولكن إذا قامت القوات بكسر أيديهم فلن يستطيعوا رمى الحجارة لمدة شهر ونصف... مجرد محاولة ساذجة، من ناحيتى، لفهم منطق الهراوات الذى استعصى علىّ تبرير ما اتسم به من عنف وغل، إذ لم نتعود هكذا من قبل أن تصبح العصا أو الهراوة أو النبوت أو الشومة سمها كما شئت جزءا من الحياة اليومية.. تباع بأنواعها وأشكالها المختلفة على النواصى وفى الميادين وحتى على الطريق الصحراوى، كما الخضراوات والفواكه الطازجة التى قطفت لتوها من المزارع المتتالية. المشهد جد غريب، فالكثيرون قرروا الاحتماء بأول الأسلحة التى اخترعها الإنسان ولاذوا بطرق بدائية للدفاع عن النفس، والعسكر قرروا بدورهم العمل بالمثل القائل: «العصا لمن عصى». وبالتالى أصبح من الطبيعى أن يسير النعش وراء النعش، وأن يعلن عن ميت بين ساعة وأخرى، وأن يتلمس بعض الشباب طريقهم بواسطة العصا فى ظلامهم الأبدى بعد أن فقدوا نور أعينهم فى التحرير، وأن تتصاعد جعجعة النبابيت على الأقل مرتين فى الأسبوع. هل رجعنا لزمن الفتوات والحرافيش الذى وصفه نجيب محفوظ، عندما كان الفتوة يمثل الشرطة الشعبية داخل الأحياء وحارس أبواب القاهرة فى القرن التاسع عشر وحتى أربعينيات القرن الماضى، ثم اختفى مع انتشار أقسام البوليس؟ قطعا هناك فرق، فحتى وقتها كان للفتونة «النقية» أصولها (دون رغبة منى فى إكسابها مثالية ليست فيها)، يروى مثلا نجيب محفوظ فى قصة «فتوة العطوف» كيف لجأ رجالات السياسة لأحد الفتوات وساوموه على شراء أصوات أنصاره وأتباعه فأخذ منهم النقود ثم ذهب هو وصحبه لإعطاء أصواتهم لمرشحى سعد زغلول.

تداعت فى ذهنى التأملات حول العصا والفروقات بين من يمسكها وفى أى إطار، بما فى ذلك رمزية العصا وما تحمله من معانى قمع وعصيان، سلطة وحكمة، إتكاء وعِشرة، بل وذكورة أحيانا.. إذ كان الرجال فى أوروبا حتى نهاية القرن التاسع عشر يستنكرون على النساء حمل العصا، بينما كانت بنات الحارة فى مصر تتتراقصن بالنبابيت لانتصار فتوة الحى على غريمه، بعد أن كانت الزفة تفور بضربات النبابيت نفسها.

قد تكون عصا موسى هى الأشهر عندما تحولت إلى ثعبان كبير التهم ثعابين سحرة فرعون، وبها فلق البحر ليعبر إلى سيناء بينما غرق فرعون وجيشه، لكننا لسنا فى زمن المعجزات.. وكان للنبى موسى أيضا فى عصاه مآرب أخرى «وظيفية»، إذ استعملها كأى أعرابى ليهش بها على غنمه ويتوكأ عليها...تماما كسيدنا سليمان الحكيم أو حتى الكاتب توفيق الحكيم.. فكلاهما حمل عصاه للنهاية، كابنة من الخشب على حد وصف الأخير. فما بين عامى 1946 و1951 كتب ونشر توفيق الحكيم بعض الأحاديث مع عصاه البسيطة والمصنوعة من الخشب الأبيض، تلك التى لازمته منذ أن عمل وكيلا للنيابة فى مدينة طنطا سنة 1930، وتم تجميع هذه الأحاديث بين ضفتى كتاب بعنوان «عصا الحكيم» ليخلد ذكراها، متحدثا عن شئون الناس والفكر والمجتمع. وقد كان يكن لها من الإعزاز ما لم يجعله يتحدث قط فى كتابه عن سياسة «العصا والجزرة»، لما يوحى به المصطلح من تلاعب وضغط على جميع الأطراف، ونأى بنفسه أن يربط عصاه بمثل هذا السلوك المتبع قديما فى أوروبا لترويض البغال أو الحمير، فإن طاوع الحمار أعطى الجزرة وإن عصى فله العصا، أو أن تربط الجزرة فى نهاية عصا لتتدلى أمام الحمار لكى يستمر فى السير أملا فى الوصول إلى الجزرة.. كان الحكيم شغوفا بالحمير، رحيما بها.. وكذلك كان ممتنا لعصاه التى قاسمته أيامه بحلوها ومرها، ففضل أسلوب الحوار المباشر فى كتابه، ليتفقد أحوال المصريين.

تكلم مع عصاه مثلا عن افتقادنا لروح الجماعة وكيف لاحظ هواة كرة القدم أن فى «التيم المصرى» كل فرد يلعب مستقلا عن المجموعة، وتطغى عليه براعته الخاصة فيأتى اللعب مرتجلا، والمصادفة هى التى تقرر النجاح أو الفشل.. وقالت له العصا فى موضع آخر: «يخيل إلى أن فى مصر خبيرا عبقريا، مهمته الدقيقة: أن يضع كل شىء فى غير محله»، مفسرة لنوع من النبوغ المصرى يستحيل معه وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب... وواضح أن دوام الحال ليس دائما من المحال، فعندما يبذل العسكرى فى الشارع مجهودا عضليا مضنيا ليشير بعصاه البرتقالية للسيارات كى تتقدم، فى حين لا مجال لذلك لأن السير متوقف تماما، أتساءل: إلى متى؟.. وأتذكر عصا الحكيم وما قالته منذ الخمسينيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.