الشيخ جمال قطبتظهر أعراض المرض النفسى عند أبى سفيان قائلا: يا عباس لقد تضخم ملك ابن أخيك ويعالج العباس نفس صاحبه فيقول: ليس ملك ابن أخى إنما هى النبوة فيهدأ أبوسفيان قائلا: إذن لا بأس من النبوة.. هكذا يفكر أبو سفيان لا يشغله إلا الاستعلاء والغرور والغلبة، ولا يرى فيما يعانيه هو وقومه فى تلك الليلة إلا هزيمة متوقعة لقريش الأمر الذى أثار حزنه وصرفه عن صحيح التفكير، فحتى تلك اللحظة لم يعتدل تفكير الرجل ولم ينظر إلى آفاق التحرير والتنوير والتغيير كما نظر خالد وعمرو وعثمان بن طلحة. لايزال المرض النفسى يسيطر على الرجل فلا يستطيع تدقيقا ولا تحقيقا. لايزال أبوسفيان يرى الموقف على أنه ملك دنيوى يتسع لمحمد ويزداد بينما يضيق على قريش ويغرقها، ولكن سرعان ما يدرك العباس بحكمته وسابق يقينه وصفاء ذهنه، أعراض المرض تسيطر على صاحبه فيبدأ فى علاجه ويقول له إنها النبوة.. ليست من صنع محمد، وليست مجاملة لبنى هاشم ولا نكاية فى بنى عبد شمس، إنها إرادة إلهية جاءت ليحل الخير بالجميع. إنها النبوة لا تبيح لحاملها كبرا ولا غرورا، ولا تسبب لغيره ضعفا ولا دحورا بل هى رافعة للجميع دافعة إلى الخير مانعة من الشر جامعة لكل من يرغب ويريد. هكذا تهدأ نفس أبى سفيان وتقترب من توازنها وتتخلى عن بعض الأوهام التى غلقت عليه أبواب الفكر من قبل. ويحبب العباس لصاحبه الإسلام والدخول فيه ويتفهم أبوسفيان: حقيقة الأمر: نبوة وليست ملكا لبنى هاشم رحمة لا ضغوط فيها، مساواة بلا أدنى استعلاء، صدق بشفافية.. قوة لا يعترضها أحد.. ويصحب العباس رفيقه إلى مقابلة رسول الله فى نفس الموضع من الطريق. فيقول الرسول: يا أبا سفيان أما آن لمثل عقلك أن يعلم أنه لا إله إلا الله؟ فيرد أبو سفيان.. بأبى أنت وأمى، ما أحلمك، وأكرمك، وأوصلك، لو كنت أظن آلهة غير الله لأغنت عنى ما أنا فيه الآن.. هو إله واحد، ويعود رسول الله يسأل أما تعلم يا أبا سفيان أنى رسول الله؟ فيرد أبوسفيان قائلا: «أما هذه، ففى نفسى من شىء»، فيدعو له رسول الله(ص) أن يهدى الله قلبه ويطلب العباس منحة لصاحبه قائلا يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له فخرا فيقول الرسول ص: من دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل داره وأغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن.. نعم قد سعد أبوسفيان ولكن. هل بالغ رسول الله(ص).. حاشاه أن يبالغ أو يتجاوز الحق؟ هل سوى الرسول بين المسجد الحرام وبين بيت أبى سفيان؟ أم سوى الرسول بين بيت أبى سفيان وبيوت عامة الناس؟