انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    نائبة وزيرة التضامن تلتقي مدير مشروع تكافؤ الفرص والتنمية الاجتماعية EOSD بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي    مصادر ل«أهل مصر»: المستشار القانوني للقائمة الوطنية يقدم أوراق مرشحيها الثلاثاء المقبل    ارتفاع في أسعار الذهب في مصر بمتوسط 25 جنيها بمختلف الأعيرة    رانيا المشاط: قطعنا شوطًا كبيرًا في تعزيز استثمارات الطاقة المتجددة بالتعاون مع البنك الأوروبي    فيتش تتوقع ارتفاع الاستثمارات الأجنبية في مصر ل15.5 مليار خلال السنة المالية الحالية    مدبولي يستعرض موقف تنفيذ المشروعات بمدن ومراكز محافظة القليوبية    عاجل- رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات التنموية بمحافظة القليوبية    برلماني: مصر استعادت ريادتها بصناعة السلام في غزة بقيادة الرئيس السيسي    بالصور صمت البيوت المهدمة.. وأصوات عودة النازحين تملأ المكان وجعًا    عاجل- مستشار ترامب: اتفاق شرم الشيخ يفتح باب الأمل لسلام دائم في الشرق الأوسط    الأونروا: أقل من 40% من المستشفيات في غزة لا تزال تعمل وجميعها معطلة جزئيا    انتخاب مصر رئيساً لمجلس إدارة منظمة العمل العربية    قبل مواجهة غينيا بيساو .. ترتيب مجموعة مصر في تصفيات كأس العالم    العرفاوي: الدوري المصري قوي.. و"الجزيري" كلمة السر في تجربة غزل المحلة    الأهلي يقرر تغيير اسم مدربه الجديد من سوروب إلى توروب بسبب النطق الصحيح    "فريدة" ابنة بورسعيد تحصد فضية بطولة العالم للسباحة بالزعانف فى العلمين    مدبولى: مهتمون بقطاع التعليم الفني.. ومستعدون لتقديم الدعم المطلوب    «الأرصاد» للمواطنين: ارتدوا ملابس الخريف.. وأمطار متوقعة على المحافظات الساحلية    "أختي تعرضت للضرب عشان تعترف".. مفاجآت مثيرة في محاكمة المتهمة بإنهاء حياة زوجها وأولاده ال 6 بدلجا في المنيا    أنهيا حياة شاب عمداً.. إحالة أوراق متهم ونجله للمفتي في قنا    ضبط 4.5 طن دقيق بلدي قبل بيعه للمخابز السياحية بالشرقية    سوزي الأردنية للنيابة: منشرتش فيديوهات خادشة وكل الممثلين بيقلدوني    صندوق مكافحة الإدمان: 1760 سائق حافلات مدرسية خضعوا للكشف عن تعاطى المخدرات    نجوم الفن يشاركون إيناس الدغيدي فرحتها بعقد قرانها على أحمد عبد المنعم| صور    مهرجان الجونة يعلن عن تعاون غير مسبوق لعرض فيلم "فرانكشتاين"    الرئيس السيسي يؤكد التزام مصر بدعم أنشطة ومبادرات منظمة «اليونسكو»    7 معلومات لا تعرفها عن جون لودج مغنى فرقة ذا مودى بلوز بعد وفاته    تعامل وزارة التضامن مع الكبار والأطفال بلا مأوى.. إنفوجراف    اكتشاف قلعة عسكرية من عصر الدولة الحديثة في شمال سيناء    تُعلن عن فتح باب الترشح للدورة الخامسة لجائزة الإيسيسكو    الأزهر للفتوى: حرق قش الأرز حرام لما فيه من إفساد في الأرض وإضرار بالنفس والبيئة    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    رعاية طبية مجانية ل 62 ألف لكبار السن وذوي الهمم بالشرقية    مؤسسة مرسال: تقديم 6260 جلسة دعم نفسى ل1403 حالات حتى سبتمبر 2025    رونالدو يسعى لإنجاز جديد في مواجهة البرتغال وأيرلندا بتصفيات المونديال    الأرجنتين تحبط فنزويلا.. وميسي يظهر في المدرجات    مديرية الشباب والرياضة تنهي إجراءات الاجتماع الخاص لنادي دمياط    وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية يتفقد عددا من أماكن تجميع قش الأرز    محافظ قنا يتفقد مدرسة النهضة الابتدائية بقفط بعد الانتهاء من أعمال رفع الكفاءة    بالأسماء.. الفائزين بمقاعد مجلس النقابة العامة بانتخابات التجديد النصفي للأطباء    قوات أمريكية تصل إسرائيل للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة    كيكة البرتقال الهشة الاقتصادية.. طعم خرافي ومكونات بسيطة من بيتك    رئيسة «القومي للطفولة والأمومة»: حماية الفتيات وضمان حقوقهن على أجندة أولويات عمل المجلس    فرنسا ضد أذربيجان.. مبابي يغادر معسكر الديوك بسبب الإصابة    عبر صفحات وهمية.. ضبط متهم بالنصب على المواطنين ب«بيع أدوات صحية مستوردة» بالقاهرة    اسعار الدينار الكويتي اليوم السبت 11اكتوبر 2025 فى بداية التعاملات    مصر تتوّج ب13 ميدالية في منافسات الناشئين ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    أسعار البيض اليوم السبت 11 أكتوبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    هل فيتامين سي الحل السحري لنزلات البرد؟.. خبراء يكشفون الحقيقة    الصين تعتزم فرض قيود شاملة على تصدير المعادن الأرضية النادرة    الجمعية المصرية للأدباء والفنانين تحتفل بذكرى نصر أكتوبر في حدث استثنائي    تعرف على فضل صلاة الفجر حاضر    30 دقيقة تأخر على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 11 أكتوبر 2025    فتاوى.. بلوجر إشاعة الفاحشة    ملك زاهر: ذهبت لطبيب نفسي بسبب «مريم»| حوار    فتاوى.. عدة الطلاق أم الوفاة؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيئة المعرفة
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 12 - 2011

فى القرن السابع عشر واجه جاليليو اتهاما بالهرطقة بسبب الملاحظات التى وضعها عن حركة كوكب الأرض، وقد اتهمته الكنيسة بالخروج على ما جاء فى الكتاب المقدس من إشارات تنفى الحركة وتفيد الثبات ومن ثم اعتبرته معاديا للرب، وكان أن منعت المحكمة تداول أفكاره وجعلته قيد الإقامة الجبرية. قُتِلَت هيباتيا عالمة الفلسفة والرياضيات بإيعاز من بعض رجال الدين المسيحى بسبب معارضتها لفكرة الإيمان المجرد ودعوتها للتدبر واستخدام العقل، وقد نالتها اتهامات كثيرة مشابهة لما نال جاليليو، خاصة بعد أن أدركت الكنيسة أن التفاف الناس حول هيباتيا فى ذاك الوقت يهدد بتقويض السلطة الدينية ويضعف من سيطرتها المطلقة على الجماهير، تعرضت هيباتيا لهجوم وحشى حيث تم تجريدها من ملابسها وسحلها فى الطريق العام ثم سلخ جلدها. اتهم بن رشد هو الآخر بالكفر والإلحاد بسبب أفكاره المحرضة على إعمال العقل، وتم إبعاده عن عمله والتخلص من مؤلفاته نفيه إلى مراكش حيث مات، كما تعرض المعتزلة بدورهم، ومنهم الجاحظ وأبوحيان التوحيدى والأصفهانى والقاضى عبدالجبار، إلى الاتهامات ذاتها، وتم القضاء على تراثهم الفكرى إلا قليلا بسبب اتجاههم للإعلاء من قيمة العقل وتقديمه على النقل، وتأكيدهم على قدرة الإنسان العادى وحده على تمييز الصواب من الخطأ دون الحاجة إلى وسيط، وهو ما أسهم فى نفى امتلاك السلطة لحقيقة مطلقة تقتصر عليها، وفتح الطريق أمام القضاء على فكرة امتلاك الحاكم لمعرفة مقدسة مستقاة من كونه يتحدث باسم الإله. أدين سقراط بالهرطقة وبتخريب عقول شباب الإثينيين بسبب سعيه وراء الحقيقة وإنكاره أيضا لامتلاك المعرفة المطلقة، وقد حكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم بإجباره على تناول إحدى النباتات السامة. لم يسلم أى من الساعين وراء نشر المعرفة وإضاءة الطريق أمام الناس من التنكيل، حتى عوام النساء اللاتى اشتهرن بقدرتهن على مداواة المرضى بالأعشاب والوصفات الطبيعية، كن يحرقن أحياء باعتبارهن مصدرا للسحر والشر، وغير هؤلاء الكثيرون والكثيرات.

اندرجت المعارف والأفكار المدانة تحت مجالات عديدة، موزعة ما بين علوم الطبيعة كالفيزياء والطب والفلك من ناحية، وعلوم الفلسفة والمنطق والدين من ناحية أخرى، ورغم هذا التنوع فقد كانت النتيجة النهائية واحدة: غضب جم من السلطة وجزاء عنيف. كذلك ظل المعنى الكامن وراء رد فعل السلطة واحدا، فالمصير القاتم الذى سجله التاريخ لعلماء وحكماء وفلاسفة، لم يكن لأنهم فشلوا أو أخطأوا، بل لأنهم أولا، كانوا يحفزون الناس على تولى أمورهم دون خوف، وثانيا وهو الأهم؛ أنهم كانوا ينتزعون من القوة المهيمنة عن دون قصد أداة مهمة من أدوات تحكمها وسيطرتها على الناس: أداة المعرفة المطلقة، لم تكن معارفهم الجديدة سوى طريق لتجريد السلطة من تجبرها ومن عصمتها المقدسة الطاغية، ولم تكن الاتهامات والعقوبات المفزعة التى طالت المضطهدين منهم سوى محاولة أخيرة يائسة للاحتفاظ بثنائية التابع والمتبوع. ترى هل تدخلت أفكار المعتزلة عن «العدل الاجتماعى» فى مسألة اتهامهم بالإلحاد وعدم التدين، وهل كان لتأكيد سقراط على فكرة «مساءلة الذات ومساءلة الآخرين» التى اعتبرها أبرز صور التفوق الإنسانى، دور فى الحكم عليه بالإعدام؟.



فى أحوال كثيرة صدق الناس ادعاءات السلطة ضد غرمائها، فانقلبوا على كل من كشف لهم الحقائق وحثهم على التفكير وعلى إعادة النظر فيما اتخذوه من مسلمات، ضحى الناس أحيانا بمن دافع عن مصالحهم من أجل توفير الطمأنينة التى اعتادوا عليها، بل وشاركوا مرات فى عملية إيذائه. جزء منا كبشر يخشى على الدوام اكتشاف المجهول، جزء فينا يخاف من احتمالات سقوط المعروف والمألوف والمعتاد والثابت اليقينى، لصالح الجديد المجهول المُحاط بالشكوك والاحتمالات حتى وإن كان يحمل الخير، وفى وقتنا الحالى، لايزال البعض ينفر من كل محاولات التبصير، ويتقبل الأكاذيب، ويرجم الباحثين عن الحقائق والكاشفين لها، ويرحب باضطهادهم ويجد له المبررات الوافية.

السلطة لا تزال بدورها تخشى من تبعات المعرفة، وتحاربها فى كل صورها، خاصة إذا كانت تمس مواطن الفساد والعطن لديها، وهى لا تدخر وسعا فى إعادة تشكيل الاتهامات لتصبح اكثر ملاءمة للجميع: تضيف إلى الهرطقة والزندقة والكفر، العمالة والإضرار بالصالح العام، وتكدير الأمن، وزعزعة وتخريب الاستقرار، كما تضيف إلى العقاب البدنى المخيف السارى رغم أنف التشريعات والمواثيق الدولية ترسانات من القوانين التى تدين وتجرم السعى وراء المعرفة ونشرها، وتقرر العقوبات عليها. هناك من يسجن بأحكام عرفية وعسكرية، ومن يتعرض للعنف والتعذيب والإهانة، وهناك أيضا من يستبعد من عمله، ومن يتم تشويه صورته وسمعته بشكل مدروس، بحيث لا تعود له مصداقية وسط الناس، ويصبح كل ما يصدر عنه مثارا للشك والارتياب. ظاهريا، تبدو وسائل التنكيل الأخيرة أكثر نظافة وأناقة.

رغم أساليب الترويع جميعها، لا يتراجع كثيرون عن سعيهم الدءوب لكشف الزيف، يظل هؤلاء يمثلون الشوكة المنغصة فى حلق السلطة: يبحثون عن المعرفة بصبر ويوثقون المعلومات وينشرونها، ويستقبلها ملايين الناس ويتفاعلون معها، وكما أخرج آسانج وثائق معلوماتية فضحت أسرار دول وحكومات ومسئولين أمام العالم بأكمله، جعل المدونون المصريون من جرائم النظام الحاكم مادة شعبية متداولة فى كل مكان ومحاطة بالاستنكار والرفض وفى كثير من الأحيان بالسخرية اللاذعة.


أبطال العصر الجديد هم من يكشفون وجه السلطة الاستبدادية، ويدعمون الناس بمعرفة الحقائق فى مواجهتها، ويعاقبون بشتى الطرق دون أن يفكروا ولو للحظات فى الاستسلام وإيثار الراحة، وإذا كانت الكنيسة قد اعتذرت بعد حين لجاليليو وصنعت له تمثالا اعترافا بفضله، فربما يأتى يوم يعترف فيه النظام بأنه قد أخطأ وبأن هناك من يستحقون منه الاعتذار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.