البعض ينتقد فكرة الرئيس التوافقى الذى تبحث عنه جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى وربما معهم المجلس العسكرى، شخصيا لا أومن بشىء اسمه «الديمقراطية التوافقية» هذا مصطلح مطاط لم يظهر إلا مع بدء العملية السياسية فى العراق بعد الاحتلال، ولم ينته بالعراق إلا وهو غارق فى مستنقع الطائفية، ويقيد نظامه السياسى بهذه الطائفية إلى أمد بعيد، الديمقراطية لا تحتاج إلى مزيد من التعريفات لتخرجنا من مضمونها وجوهرها ونحن لم نهضم بعد لبنتها الأساسية، الديمقراطية هى مجموعة قيم وليست فقط مجرد ممارسة انتخابية تنتهى بإعلان نتائج صناديق الاقتراع، هى حكم الأغلبية المستمد إرادة أغلبية الشعب، لكنها فى الوقت نفسه هى حماية حقوق الأقلية دون أن تستطيع الأغلبية بكل ما لها أن تنال من حق مواطن واحد أو حريته أو تمتعه بالمساواة دون النظر للونه أو دينه أو عرقه أو جنسه. والتفويض الذى تمنحه الديمقراطية للأغلبية ليس تفويضا مطلقا يسمح لها بتغيير التراكيب الأساسية للمجتمع، لكنه تفويض بالإدارة فحسب، وهو تفويض مؤقت بمدة زمنية سواء كانت المدة الرئاسية أو الدورة البرلمانية، وفى المجتمعات الديمقراطية يظل مبدأ تداول السلطة حاكم وشديد الاحتمال، مما يعزز فكرة التفويض بالإدارة من ناحية، ويحول الإدارات الحكومية إلى أجهزة مهنية محترفة لتنفيذ السياسات المدعومة من الشارع أيا كان الحزب الحاكم الذى يقوم عليها، لذلك لا يخضع الموظفون الكبار فى الدول الديمقراطية للتغيير عقب كل انتخابات، أو على طريقة أحزاب القصر أيام الملك التى كانت تقصى الموظفين وتعين الموالين لها، ثم يأتى حزب آخر بعد فترة وجيزة ليفعل العكس.
الأصل إذن أن أطراف العملية السياسية طالما التزمت بمعايير وقيم الديمقراطية فى شموليتها، فلن يحتاج المجتمع إذن إلى أى شكل من أشكال التوافق، ولن نضطر للبحث عن رئيس توافقى وبرلمان توافقى وحكومة توافقية، فالمخاوف من انفراد طرف سياسى بالإدارة لن يكون لها وجود مكثف كذلك فى مناخ ديمقراطى حقيقى يحمى حقوق الأغلبية والأقلية على السواء ويطبق القيم الديمقراطية، ويحمى ثوابت ومكتسبات المجتمع والأفراد، ويصون الحريات العامة وحقوق الإنسان ولا يعود بها للخلف.
لكن عندما يكون المجتمع فى مرحلة بناء يحاول فيها أن يملك هذا المناخ الديمقراطى، فالأصل أن يبنى كل ذلك بالتوافق، وأن يستقر المجتمع على قواعد اللعبة قبل أن يلعب وأن يتوافق على هذه القيم الديمقراطية الشاملة وأن يحصنها من الانقلاب عليها، وإذا كان الوقت قد تجاوز ولم يكتب الدستور الذى يحدد هذه القواعد قبل بداية العملية السياسية التى قطعت أول أشواطها بالانتخابات البرلمانية، فالأرجح أن نصحح هذا الخطأ فى انتخابات الرئاسة، وأن يتولى الرئيس مع البرلمان بأغلبيته الجديدة، صناعة هذا المناخ العادل، الذى يعبر بنا من حالة البحث عن التوافق، إلا حالة الدخول فى التنافس الشريف دون مخاوف أو فزاعات.
لكن من يتوافق على الرئيس، هل يكفى رضا الإخوان والمجلس العسكرى، لاعتبار المرشح توافقيا؟ وأين قوى الثورة من معادلة التوافق تلك؟ غدا نستكمل..