كان «شريف خيرى» فى سهرة مع أصدقائه فى خضم أزمة صدمته بمجاورة السفارة الإسرائيلية، وجد أمامه على الشاشة كاتبا قومجيا يتحدث عن استحالة السلام مع إسرائيل، ويعدد خطايا وجرائم الدولة العبرية فى حق العرب والمصريين، فيهز شريف خيرى رأسه قائلا: «الراجل ده بيقول كلام زى الفل».. ثوانى قليلة ويظهر على الشاشة كاتبا تطبيعيا من أنصار السلام، يتحدث عن واقع ميدانى وسياسى أن مصر ليست فى حالة حرب مع إسرائيل وهناك اتفاق سلام يجمعهما، فيهز شريف خيرى رأسه مجددا وهو يقول: «..والراجل ده بيقول كلام زى الفل».. ينقل الرجل المحطة التليفزيونية ليجد مغنية فى ثياب راقصة تقول: «حط النقط على الحروف.. قبل ما نطلع سوا ع الروف»، فيهز رأسه أكثر وأكثر وهو يقول: «..والست دى بتقول كلام زى الفل». يجسد هذا المشهد الذى كتبه يوسف معاطى وأداه عادل إمام فى فيلم «السفارة فى العمارة»، جزءا كبيرا من الأزمة التى نعيشها طوال العام والنصف من المرحلة الانتقالية، وتتجسد أكثر فى الانقسام القانونى والسياسى والمجتمعى حول قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب للانعقاد، هل هو إهدار لسيادة القانون وأحكام المحاكم، أم أنه وسيلة لإنفاذ حكم محكمة، هل خان الرئيس قسمه الذى أداه باحترام الدستور والقانون، وتعهده أمام المحكمة الدستورية باحترامها، أم أنه لم يقترب من القضاء والغى فقط قرارا إداريا صادرا عن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
الإنقسام الآن ليس بين معسكر ثورى ومعسكر مضاد، لكنه من قلب المحسوبين على الثورة سواء بين الفقهاء الدستوريين أو القضاة أو السياسيين، تقرأ نص المادتين 48، و49 من قانون المحكمة الدستورية لتكتشف أن أحكام المحكمة غير قابلة للطعن، كما أنها هى وحدها التى تملك حق تفسير أحكامها، وما يصدر عنها من أحكام وتفسيرات وقررات ملزمة لجميع أجهزة الدولة وللكافة، وتسمع مستشار الرئيس القانونى يقول لك أن الرئيس التزم بحكم المحكمة لكنه وفق أعمال السيادة التى هى من صلاحياته منح المجلس مدا زمنيا قبل الحل، ولم يتعرض للحكم لكن تعرض لقرار إدارى بإنفاذه، دعا الكتاتنى المجلس للانعقاد اليوم، لكن المستشار طارق البشرى يقول ان انعقاد المجلس باطل لأن ثلثه على الأقل بلا شرعية.
فقيه دستورى معتبر مثل د.عاطف البنا يعتبر قرار الرئيس شرعيا وقانونيا، وفقيه دستورى معتبر مثل د.إبراهيم درويش يعتبره انتهاكا فاضحا لأحكام المحكمة الدستورية، أستاذ قانون مثل د.محمد محسوب يرى القرار فى إطار صلاحيات الرئيس، وأستاذ قانون مثل د.جابر نصار يعتبره تغولا تنفيذيا على سلطة قضائية مستقلة، سياسى معتبر ولا أحد يزايد على انتمائه للثورة مثل الدكتور البرادعى يراه إهدارا لاستقلال القضاء، وسياسيون معتبرون كذلك من قلب الثورة لا يرون فيه أى إخلال بالشرعية، قاض بمحكمة النقض مثل أحمد مكى يؤيد القرار، وقاض بمحكمة النقض مثل زغلول البلشى يرفضه.. الجميع يقول «كلاما زى الفل» يبدو مقنعا ومتسلحا بالحجج والأسانيد التى تجدها مقبولة.. هى أزمة سياسية إذن وليست قضائية، لكن خطورتها أنها تحول القانون لوجهات نظر، والأحكام لتفسيرات تحمل كل الأوجه فى وقت واحد، ومازلنا فى انتظار من يحكم بينهم ويضع «النقط على الحروف»، وهذا دور المحكمة الدستورية فى القانون لكن للسياسة وجهات نظر أخرى.. حتى فى القانون..!