ربما لا تكون مجرد مصادفة أن يتعاطف أغلب مشاهدى الدراما الرمضانية مع نماذج منحرفة فى أكثر من عمل يعرض حاليا على شاشة التليفزيون، وربما لا يكون الأمر مقصودا كذلك من جانب صناع الدراما، لكن المصادفة الحقيقية هى وجود هذا الحشد الكبير من المسلسلات التى تثير التعاطف مع المنحرفين فى وقت واحد. فكثير من المشاهدين لا يخفون تعاطفهم مع «دياب» فى مسلسل «خطوط حمراء» رغم أنه تاجر سلاح ارتكب العديد من جرائم القتل، لعل أبشعها ذبح الفنانة يسرا اللوزى زوجة أحمد السقا فى الأحداث على يد رجال مأجورين تابعين له، ولم يتمالك بعض المشاهدين دموعه وهو يرى «دياب» يبكى والده بالقرب من قبره وينتحب حزنا على فراقه حتى أنهم تمنوا لو لم يمت الرجل.
فالرجل الذى يلعب دوره الفنان عبدالعزيز مخيون سقط برصاصة من الضابط خلال ضبطه متلبسا بالاتجار فى السلاح، ورغم استسلامه الا أن الضابط أسرع بإطلاق الرصاص عليه انتقاما لمقتل زوجته، ورغم ذلك لم يحظ السقا بنفس القدر من التعاطف من جانب المشاهدين بالرغم من ذبح زوجته أمامه ودخوله السجن ظلما بعد اتهامه فى قضية رشوة..
فالصراع بين «دياب» و«حسام» يمثل صراع الشر والخير فى صورة جلية، لكن ما يثير الدهشة ألا يثير الخير نفس درجة التعاطف كما كان فى السابق، حتى أن ممثل الشر كثيرا ما حظى بقدر أكبر من مشاعر الشفقة من المشاهدين.
لا يقتصر الأمر على «خطوط حمراء» لكنه يمتد إلى أكثر من عمل أبرزها «طرف ثالث»، الذى يتناول قصة 3 من الشباب يعايشون أحداث ثورة 25 يناير لكنهم لا يتفاعلون معها بشكل مباشر، ويكتفى العمل بالإشارة إلى الثورة من خلال أحداث هنا أو هناك.
وبالرغم من أن الأبطال الثلاثة كثيرا ما تورطوا فى جرائم بلطجة فإن تعاطف المشاهد معهم لم يتوقف منذ الحلقة الأولى، فقد حملت الحلقات الأولى من العمل تصرفات من الأبطال الثلاثة كانت وحدها كفيلة ببناء حاجز أمام قلوب المشاهدين، خاصة عندما قام الأبطال الثلاثة بسرقة سيارة تحت تهديد السلاح وقتل من بداخلها على طريقة أعمال البلطجة والانفلات الأمنى التى انتشرت خلال الفترة التى أعقبت الثورة.
واستمر تعاطف المشاهدين من حلقة إلى أخرى وصلت ذروتها عندما قرر الأبطال الثلاثة السفر إلى بولندا لانقاذ الطفل نجل السيدة التى يعمل لديها أحدهم، وفى طريقهم لتنفيذ المهمة لم يتقفوا عن اطلاق النار على من هم «أكثر منهم شرا» أفراد العصابة التى يحتجز لديهم الطفل، وزاد من تعاطف المشاهدين معهم نجاحهم فى المهمة حتى أن الجميع نسى جريمتهم فى البداية قتل أسرة بكاملها لسرقة سيارتهم.
لا يختلف الأمر كثيرا مع مسلسل «البلطجى» الذى يستعرض نماذج لمسجلين وبلطجية كان يتم الاستعانة بهم لمساعدة نواب الحزب الوطنى على النجاح فى الانتخابات البرلمانية قبل اندلاع الثورة.
تتنوع النماذج القائمة بالعمل بين مدافع ومقتنع بما يقوم به من عمل رافضا وصفه ب«الإجرام» وآخر يعتبر نفسه ضحية ولم يخل العمل مع محاولة لإثارة التعاطف مع الاثنين، فالأول «جاهل» والثانى «مضطر»، فشخصية انتصار «القبضاية» التى لا تتوارى عن استخدام السلاح الأبيض لتأديب الأعداء بل وضرب النساء أيضا وخلع ملابسهن بالقوة فى الشارع لأى سبب مهما كان، تلك الشخصية موضع تعاطف من المشاهدين ربما لخفة ظلها وربما أيضا للدموع التى تساقطت منها عقب تعرضها للاجهاض نتيجة ضربة تلقتها خلال مشاجرة أمام لجنة انتخابية. لكن أكثر ما يثير الدهشة حقا حالة الضعف التى يعيشها زعيم «عزبة النمل» المعلم «الضبع» الذى لا يتوقف عن البكاء كلما هددته نجلته بالتبنى «وصال» بالهروب من منزله والعيش وحيدة، وهنا يتراجع مشهد قيامه بالامساك ب«الكرباج» لتعذيب كل من يخالف أوامره ويبدأ المشاهد فى التعاطف مع هذا «قاتل مأجور» وب«بلطجى بالأجرة» بلا سبب مقنع.