على الرغم من أن الدكتور محمد مرسى، لم يكمل شهره الأول، كرئيس للجمهورية منذ أن حلف اليمين الدستورية كأول رئيس منتخب بعد ثورة ثورة 25 يناير، فى 30 يونيو الماضى، إلا أن خطة تأمينه كرئيس تغيرت أكثر من مرة حتى الآن. تغيير خطة تأمينه يرجع لسببين، الأول يتعلق بتفهم مرسى لفكرة تأمينه، حيث كان يريد فى البداية أن يتحرك ذهابا وإيابا «بصورة عادية»، كما كان يردد على مسامع القائمين على تأمينه، أما السبب الثانى فهو متعلق بالتعقيدات التى أحاطت بتحركاته، والتى نقلت إليه ليس من القائمين تقليديا على تأمينه كرئيس، ولكن من عناصر من حملته الانتخابية، وهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، والتى رأت فى تلك التعقيدات ما يستلزم تغيير السياق الأمنى ليكون أكثر تحصينا لرئيس هو من قيادات الجماعة، وصل إلى سدة الحكم فى مصر بفارق ضئيل عن منافسه فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
يقول أحد القائمين على عملية تأمين الرئيس مرسى إن الأيام الأولى للرئيس شهدت «الكثير من الارتباك بعضه متعلق بأننا نتعامل مع رجل هو بالفعل معتاد على حياة عادية جدا، والآخر يتعلق بأن هذا الرجل مرتاب فى كل شىء حوله بما فى ذلك القائمين على تأمينه، لأنه لم يكن بعد ينظر لنفسه على أنه رئيس الجمهورية الذى تدين أجهزة الدولة بالولاء له، خصوصا الحراسات المحيطة له، بل كان يتعامل على أنه ما زال رجل الإخوان المسلمين، العدو الأول لجميع أجهزة الامن المصرية عبر سنوات».
ويضيف «عندما وصلنا إلى منزله وقمنا بتقديم أنفسنا له كان محاطا بدائرة تأمين من جماعة الاخوان المسلمين، وكان هؤلاء أيضا ينظرون إلينا بقدر لا يستهان به من الشك والريبة ولكن اليوم الأول مضى على خير».
وأكد المصدر أن «مرسى فى أول أيامه كان رافضا لأن يكون محاطا بموكب رئاسى كبير،فلم يكن الموكب الذى ذهب إليه هو نفس الموكب الذى كان يرافق الرئيس السابق حسنى مبارك فى الفترة الأخيرة، عندما كان يخاف على حياته من أن يتعرض لعملية اغتيال، بل التهديدات التى كانت التقارير تنقلها كبيرة، غير أن مرسى وجد الموكب كبيرا وطلب تخفيفه وهو ما كان».
لم يكن حرص الرئيس على التخفف ممن يحيط به يقتصر على موكب الرئاسة الذى ينتقل به سواء من منزله الذى مازال يقطنه بالتجمع الخامس فقط بل كان يبدى امتعاضا مما عرض عليه أكثر من مرة لينتقل للإقامة فى أحد القصور المملوكة للدولة قصر السلام الذى لا يبتعد عن قصر الاتحادية سوى مسافة 3 كيلومترات فمرسى كان حريصا فى توجيهاته على ألا تتسبب الترتيبات الأمنية المحيطة بمنزله فى إزعاج الجيران أو تجاوز خصوصياتهم.
وبحسب بعض من المتابعين لخطة تأمين الرئيس فإن الرجل كان منزعجا بشدة ومتحسبا جدا من فكرة احاطة منزله باجهزة رصد قريبة وبعيدة المدى وكان يتساءل عما إذا كان ذلك يعنى اقتحام «حرمات البيوت» المجاورة له.
التعليق ذاته أثار استعجاب بعض المعنيين والذين يعلمون على وجه الدقة كيف كانت ترتيبات التأمين تتوسع عبر السنوات لتأمين الرئيس السابق وأفراد أسرته وكبار معاونيه دون أن تثار ولو على سبيل التساؤل فكرة حرمات المنازل أو حقوق المواطنين فى التحرك دون عرقلة الموكب الرئاسى أو عدم مضاعفة الضغوط المرورية وغيرها من الامور التى رددها مرسى خاصة فى أولى أيام توليه الرئاسة، والتى مازلت رغم إقراره مؤخرا ببعض إجراءات الاحترازات الأمنية مما يوجه به.
أما قصر الاتحادية والذى لم يكن يسمح لأحد أن يترك سيارته فى نطاقه أثناء تواجد الرئيس السابق مبارك فى داخله، وكان يتم وقف المرور فى محيطه تماما لدى دخول وخروج الرئيس أو كبار معاونيه من القصر، فقد أصبح اليوم مزارا كما مزارات الأولياء، على حد قول أحد العاملين فى واحد من أقدم صالونات الشاى بحى مصر الجديدة، الذى كان يسكن فيه مبارك.
وبدأ الهاجس الأمنى مع مبارك قبل أن يتم اختياره نائبا لرئيس الجمهورية، حيث انتقل فى منتصف السبعينيات من منزله بشارع عبدالعزيز فهمى إلى فيللا متوسطة خلف نادى هيلوبوليس، تم تأجيرها له ثم تم إخلاء مبان محيطة بهذه الفيللا، وإيقاف العمل بمحطة بنزين قريبة، وتغيير مسار خط مترو مصر الجديدة، واقتلاع اشجار عمرها من عمر الحى العريق المؤسس مطلع القرن الماضى، لبناء نفق لمرور السيارات لتخفيف عبور السيارات فى محيط سكن الرئيس، الذى لا يبعد عن قصر الاتحادية سوى أقل من خمس دقائق بالسيارة.
«ايام الرئيس مبارك كانت حاجة تانية خالص وكان فى نظام ونظافة ومدام مبارك كانت مهتمة بمصر الجديدة القديمة ولكن اليوم يأتى هؤلاء ليقفوا بجوار القصر لساعات طويلة ويثيرون ضجة ويتصرفون بطريقة مزعجة، لم تعد هذه مصر الجديدة كما عرفتها،» يقول الرجل السبعينى ويهز رأسه بأسف.
ويضف «مبارك كان عايش فى مصر الجديدة لكن الرئيس الجديد عنده مكان تانى ممكن يشتغل منه، خسارة كده مصر الجديدة».
رغبة مرسى أكيدة فى ألا يكون مقر الرئاسة مكانا مهابا متمترسا خلف حواجز أمنية، ترتبط بالصورة التى بدا أن مرسى حريص على تقديمها للشعب منذ اليوم الأول لتوليه، ومفادها أنه رئيس من الشعب ولا يخشى الشعب، كما قال فى الجمعة التالية لتوليه منصب الرئاسة عندما خطب فى المحتشدين من أنصاره فى ميدان التحرير، وهو يفتح «سترته» ويتحرك بعيدا عن رجال الأمن والميكرفون المجهز لخطابه ويقول «أنا لا أرتدى قميصا واقيا».
رغبة مرسى هذه لا تلقى تقديرا، ليس فقط من نادل يشارف الثمانين من العمر شهد أيام أكثر بهاء لحى مصر الجديدة، عندما كان القصر المنوط اليوم بالمؤسسة الرئاسية هو فندق هليوبوليس الذى يشهد سهر وسمر اهل هذا الحى العريق، ولكن يرفضها آخرون أيضا هم بالأساس قائمون على محال تجارية راقية فى شارع بغداد، وهو واحد من أهم شوراع ذلك الحى الواقع فى شرق القاهرة.
بل إن أحد العاملين بفرع البنك الأهلى المجاور للقصر الرئاسى يتحدث بأسى عن «الحالة المزرية» التى أصبح عليها رصيف القصر، وبالتالى رصيف البنك «فعندما لا يتواجد المتظاهرون هناك جحافل الأمن المركزى الذين يتصرفون بصورة لا تتفق اطلاقا مع اصول عمل رجال الامن ويتناولون الطعام ويتركون المخلفات على الرصيف».
كما أن أحد سائقى التاكسى، الذين يعملون فى حى مصر الجديدة فقط، يقول إنه يرفض «المشهد المحيط بالقصر»، مضيفا «بصراحة أنا مش شايف معنى للحكاية دى، ليه الناس دى تيجى من كل مصر علشان تقف على بابه يعنى، هو كده رئيس مهتم بالشعب، لا طبعا، الرئيس المهتم بالشعب يكلف المحافظ، ويكلف مدير المركز أن يهتم بالناس دى مش يجيب الناس بالساعات فى الشمس واقفة مستنية تعرض طلب».
من جهته يقول ياسر على، القائم بأعمال المتحدث الرسمى برئاسة الجمهورية، وهو ممن جاءوا مع مرسى ولم يكن ضمن الطاقم البيروقراطى لمؤسسة الرئاسة، إن قرار الرئيس بإنشاء ديوان للمظالم إنما كان هدفه لأن يتم التعامل مع شكاوى المواطنين بشكل ممنهج وجاد، «ولكن البعض مازال يشعر بأنه سيكون مطمئنا أكثر لو أتى إلى قصر الرئاسة وقام بتسليم شكواه، والرئيس هو رئيس من الشعب ويحترم الشعب ولا يريد أن يشعر أحد بالإقصاء ولو بصورة رمزية».
ورغم أن إنشاء ديوان المظالم بقصر عابدين قد خفف إلى حد كبير تجمع اصحاب الشكاوى الآتى بعضهم من قرى بعيدة فى الصعيد او اخرى قريبة فى الدلتا، إلا أن التواجد مازال قائما بما فى ذلك من قبل متظاهرين من مصانع لهم مظالم.
ويقول حسن، وهو أحد المتظاهرين من عمال مصنع سيراميكا كليوباترا، إن «اختيار المتظاهرين للوقوف عند باب الرئيس هو رسالة واضحة لصاحب المصنع الظالم الذى كان يعتمد على قربه من الرئيس السابق، لأنه كان فى الحزب وبيرش جامد»، فى إشارة إلى انتماء صاحب المصنع للحزب الوطنى الديمقراطى المنحل والمساهمات المالية التى كان يقدمها لخزانة الحزب.
غير أن التسامح مع أمثال حسن أو سعدية التى جاءت لتشكو طول غياب ابنها الذى قبض عليه قبل ثلاث سنوات من قريتهم بالغربية لأسباب لا تعرفها، بدا يعرف لحظات من نفاد الصبر من قبل القائمين على تأمين قصر الرئاسة، والذين اقنعوا الرئيس أن هناك لحظات لا بد فيها من اتخاذ الحسم وسيلة.
«يعنى يوم ما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قادمة لزيارة الرئيس ما كانش ممكن اطلاقا إنه يكون فى ناس كتيرة واقفة حوالين القصر، وتدخلنا بهدوء واقنعنا الناس تعدى على الناحية التانية من الرصيف وتقف تهتف زى ما هى عايزة، وكمان ما قدرناش نسيب عربيات تركن عند سور القصر واضطررنا لاستخدم الونش علشان نشيل عربيتين أو أكثر»، هكذا يقول أحد المعنيين بتأمين قصر الاتحادية.
ويضيف «عموما الباب اللى بيدخل منه الضيوف والمسئولون بنحاول نبعد الناس عنه قدر الإمكان وبعد كده بنتصرف حسب الحالة، والصحفيون والموظفون بيدخلوا من أبواب مختلفة وطبعا ده ما كانش الحال قبل كده، كان فى باب للرئيس فقط، وباب للضيوف وكبار الزوار وباب للموظفين والصحفيين».
فى الوقت نفسه وعلى عكس أول أيام حكم مرسى، فإن الشارع الصغير الفاصل بين قصر الاتحادية وقصر السلام أصبح مغلقا من قبل الحرس الجمهورى، كما أن السيارات التى كان يسمح لسائقيها أن يقوموا بصفها عند باب قصر الاتحادية المطل على مطلع شارع بغداد،أصبحت قاصرة فى ساعات اقتراب وصول ومغادرة مرسى على سكان المبانى البارونية المطلة على القصر الرئاسى».
«احنا مش بنأمر الناس زى قبل كده، احنا بنطلب منهم أنهم يركنوا العربيات فى الشوارع الجانبية حتى مرور الموكب وهو الأمر الذى لا يستغرق دقائق معدودة، كما أننا اتفقنا على أن يتم إيقاف إشارة مرور الدخول والخروج للشارع لأقل من خمس دقائق بحيث يتم التأمين دون عرقلة المرور او ازعاج الناس»، هكذا يؤكد أحد القائمين على التأمين الخارجى لمحيط القصر.
ورغم أن الارتفاع الطفيف فى الاحترازات الأمنية لمقر رئاسة الجمهورية هو أمر لا يكاد يشعر به الكثيرون، إلا أنه يلقى ارتياحا من بعض اصحاب المحال الراقية فى شارع بغداد، حيث يقول احد القائمين على تأمين احد محال الجواهرجية بالشارع «احنا كنا منزعجين جدا أول كام يوم لأن ماحدش كان يعرف إيه اللى ممكن يحصل لو المتظاهرين دول قرروا يهاجموا المحلات لكن دلوقتى الوضع أصبح أفضل نوعا ما».
فى داخل القصر الرئاسى ايضا تقلصت مساحة البحبوحة التى كان يستشعرها زوار القصر فى أولى الأيام، وأصبحت هناك عودة تدريجية للترتيبات الأمنية التقليدية الخاصة بوصول الزوار، وأماكن صف سياراتهم، فيما عدا الزوار من جماعة الإخوان المسلمين الذين يحظون بمعاملة خاصة، حسبما يؤكد كثيرون.
وتتفق المصادر على أن مرسى كان وما زال متوجسا من كل شىء محيط به فى مؤسسة الرئاسة وليس فقط القائمين على تأمينه. «الراجل ده اتقبض عليه يوم 28 يناير ثالث أيام الثورة وقبل كده اتقبض عليه واتراقب واتسجن والناس اللى كانت بتعمل كده كانت مؤمنة إن الاخوان المسلمين دول عدو وعملاء وحاجات كده، طبيعى أن فى مرحلة بناء ثقة، وكمان طبيعى أن الرئيس يكون من حقه أن يستعين باشخاص يرتاح إليهم ويثق فيهم»، يقول أحد الإخوان القريبين من الرئيس.
تأمين مرسى داخليا وخارجيا خلال الرحلتين اللتين قاما بهما إلى كل من السعودية واديس ابابا، يتم نظريا من خلال الأجهزة والقطاعات المعنية، ولكن بحسب المصادر فإن كل شىء تتم مراجعته مع عدد من المعاونين من جماعة الإخوان الذين استحضرهم مرسى معه، «حتى بعض كبار القيادات الامنية يتشاور مع مساعدى مرسى من الإخوان فى الترتيبات الامنية،» يقول أحد الذين رافقوا الرئيس.
ويشعر بعض العاملين فى قطاعات التأمين بالتفهم لقلق مرسى ويصفونه بالمبدئى الذى سيكون إلى زوال بينما يثير هذا القلق استياء الآخرين الذين يصرون أنهم يقومون بعملهم بصورة مهنية بحتة، وأن ولاءهم للرئيس لا يرتبط بشخصه، خاصة أن المكلفين بتأمين مرسى اختلفوا بصورة شبه كلية عن هؤلاء المكلفين بتأمين مبارك.
«هناك 16 شخصا طلب مرسى ان يكون لهم حق الدخول والتحرك فى كافة القطاعات الرئيسية لمؤسسة الرئاسة مثل قصر الاتحادية ومكاتب سكرتارية المعلومات القريبة، وأماكن أخرى ومن بين هؤلاء هناك خمس أشخاص معنيين مباشرة بخطط التأمين اقرارا ومتابعة»، يقول مصدر بمؤسسة الرئاسة.
ترتيبات ذهاب الرئيس المنتخب لمقر الإذاعة والتليفزيون مساء اليوم الذى أعلن عن انتخابه فيه ثم ذهابه للصلاة فى الجامع الأزهر فى أول جمعة للصلاة بعد إعلانه رئيسا، وما تلى ذلك من ذهابه لميدان التحرير للقاء المتظاهرين المعتصمين، وحتى ذهابه للاحتفال الرسمى بجامعة القاهرة كان يتم بالاساس بترتيبات مقررة من قبل مساعديه من الإخوان، لكن «فى حتة واحدة ما قدروش ولا حد يقدر يقرب منها الجيش، تم ابلاغهم بأن الجيش سيؤمن الرئيس عندما ذهب للعرض العسكرى مساء يوم تنصيبه»، يقول مصدر آخر من مؤسسة الرئاسة.
ويضيف أن «الأمر اختلف قليلا عند ذهاب مرسى للمشاركة فى تخريج دفعات الكليات العسكرية حيث سمح للمعاونين الأمنيين من الإخوان المشاركة فى بعض الترتيبات».
الازدواجية القائمة فى التأمين لا تتعلق فقط باختيارات مرسى ولكنها ايضا تتعلق بالقائمين على التأمين، والذين أصبح مطلوب منهم اليوم، بحسب بعض المصادر، ليس فقط تأمين الرئيس الحالى ولكن تكثيف التأمين حول منزل الرئيس السابق، وهو المنزل الذى ما زال الرجل واسرته مستحقا للاحتفاظ به رغم الحكم الصادر ضده بالسجن المؤبد بتهمة تغاضيه وهو رئيس دولة عن قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير.
ويؤكد المصدر أن «الخوف من أن يتحرك بعض الغاضبين باتجاه منزل الرئيس السابق ومهاجمته حيث إن هناك خشية من أن يندس أحد المحرضين وسط أصحاب المشاكل وتحدث مهاجمة لمنزل الرئيس السابق».